تقرير: صعدة.. نار تحت الرماد
اخبار الساعة - صنعاء - أبوبكر عبد الله بتاريخ: 08-06-2012 | 12 سنوات مضت
القراءات : (2666) قراءة
بينما تكتفي السلطات بنشر تقارير حول ذلك.. تستمر المعارك بين السلفيين والحوثيين وسط تصاعد التحريض المذهبي
يطل شبح الحرب بقرونه في شمال اليمن مثيراً مخاوف جدية من اشتعال حرب لا طائل لها في هذه المناطق، وخصوصاً بعدما أنتجت احتقانات مستمرة منذ أشهر بين المسلحين الحوثيين والتيارات السلفية المسلحة التي تحالفت مع القبائل في إطار «جيش النصرة». قوتان تتنازعان حالياً النفوذ في محافظة صعدة التي تحاول الخروج من تحت أنقاض حروبها السابقة.
نذر الحرب تبدو واضحة كثيراً في منطقة كتاف الحدودية بمحافظة صعدة والتي كانت على مدى الأيام الماضية مسرحاً لموجة قتال عنيف بين المسلحين الحوثيين من جهة، وتحالف رجال القبائل والجماعات السلفية المسلحة من جهة ثانية، خصوصاً بعد انهيار جهود الوساطة التي قادها وجهاء قبائل ولجان عدة محلية وبرلمانية وسياسية وفشلها في كبح عجلة الأزمة التي أخذت بعداً ينذر بكوارث جديدة.
في ذروة الاضطرابات السياسية والأمنية خلال عام الثورة 2011 كانت المناطق الشمالية تعيش تحولات عاصفة في معادلة مراكز القوة مع تصاعد نفوذ التيار السلفي المتحالف مع القبائل، والذي ظهر كقوة جديدة تنافس الحوثيين الذي ظلوا لسنوات القوة الوحيدة المسيطرة على مناطق الشمال.
في موازاة انشغال الحكومة اليمنية في الحرب على إرهاب «القاعدة» في الجنوب وتنفيذ اتفاق التسوية الخليجي، بدت نذر الصراع في مناطق الشمال منسية تماماً فيما تتوجه الاتهامات إلى قوى إقليمية تغذي الصراع بأذرع الجماعات المحلية من القبائل التي تحالفت مع التيارات السلفية وتخوض منذ شهور صراعاً محموماً على النفوذ مع المسلحين الحوثيين الذين أطلقوا على أنفسهم اسم «أنصار الله».
ولا تبدو أذرع تنظيم القاعدة بعيدة عن معادلة الصراع هذه، فالعمليات الانتحارية التي تستهدف الحوثيين والتي أعلن التنظيم مسؤوليته عن كثير منها استمرت على وتيرتها في إطار ما يسميه التنظيم مواجهة المشروع الإيراني في اليمن.
مناطق حرب
مناطق التماس المنتشرة من محافظة صعدة، وصولاً إلى محافظة حجة تبدو هذه الأيام في حالة غليان قوية مع استمرار المواجهات المتقطعة بين الحوثيين وجيش النصرة في حال كر وفر في غياب الحكومة المركزية التي أدارت ظهرها كلياً لتفاعلات الحرب المندلعة في هذه المناطق.
وتكتفي السلطات اليمنية ممثلة في وزارتي الدفاع والداخلية بنشر تقارير حول سير المعارك وحصيلة الضحايا من الجانبين وطبيعة الأسلحة المستخدمة حالها كحال وسائل الإعلام اليمنية.
يقول مدير عام مديرية كتاف بمحافظة صعدة الشيخ فيصل التام: إن المواجهات تدور في مناطق خالية من السكان، لكنها ألقت بآثار سلبية على حياة السكان في هذه المناطق، والذين يخشون أن يؤدي توسع هذه الحرب إلى إرغامهم على النزوح من مساكنهم وقراهم.
ويلفت إلى أن السلطة المحلية تبذل جهوداً كبيرة في وقف القتال غير أن هذه الجهود بحسب وجهاء لم تفلح في وقف القتال الذي يتجدد في مناطق عدة على خلفية القتال الذي شهدته العام الماضي منطقة دماج حيث «مركز الحديث»، وهو من أهم المراكز الدينية لدى الجماعات السلفية التي يقول بعض رموزها أنها اضطرت إلى حمل السلاح دفاعاً عن وجودها في هذه المناطق.
جذور الصراع
كثيرون يجمعون بعدم وجود جذور تاريخية للصراع في هذه المناطق التي عاش سكانها من أتباع المذاهب المختلفة في حال تسامح وتعايش، غير أن البعض يشير إلى جذور قريبة تعود إلى الحروب التي خاضها النظام السابق مع الحوثيين خلال السنوات الماضية.
ويعتقد هؤلاء أن نظام صالح خاض خلال السنوات الأخيرة لحكمه حرباً عبثية مع الحوثيين طاولت بآثارها كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والأمنية وتركت جراحاً مفتوحة، وأكثر من ذلك أنها أنتجت قوة عسكرية خارجة عن سيطرة الدولة يمثلها الحوثيون الذين سيطروا على زمام الأمور في صعدة مجرد أوقف الجيش عملياته العسكرية.
لا يتردد البعض في تحميل نظام الرئيس السابق علي صالح مسؤولية التحولات التي عصفت بمحافظة صعدة ودفعت بالجماعات الدينية التي يمثلها الحوثيون إلى إظهار مخالبها دفاعاً عن وجودها، ويشير هؤلاء إلى أن الدولة اليمنية لم تحقق أي مكاسب في حروبها الست مع الحوثيين.
استناداً إلى ذلك يرى هؤلاء أن اتفاق السلام الذي وقعه الرئيس السابق مع زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي في العام 2010 لم يكن سوى تدشين لمرحلة جديدة من الصراع، فبعد خروج قوات الجيش اليمني من قرى صعدة ورثت الجماعات السلفية راية الحرب وخاضت مواجهات مع المسلحين الحوثيين الذين فرضوا نفوذهم على كثير من المناطق من صعدة وحتى الجوف شرقاً وصولاً إلى محافظة حجة غرباً وعمران جنوباً، فيما جاءت عواصف الثورة بحكم محلي أنهى إلى حد كبير نفوذ الدولة في هذه المحافظة.
في مقابل السلام الذي عم المناطق الشمالية في ظل الحضور الكبير للحوثيين الذين خرجوا من حروبهم الست مع النظام السابق بقوة عسكرية ضاربة، لم تصمد هذه المعادلة كثيراً، إذ انضمت الجماعات السلفية المسلحة إلى رجال القبائل وشكلّت قوة ضاربة اتجهت إلى تنظيم صفوفها بتأليف أجنحة دعوية وإرشادية وسياسية، غير أن الجناح العسكري ظل الأكثر حضوراً بعدما خاض عدة حروب صغيرة مع الحوثيين سرعان ما تحول إلى قوة منظمة ومجهزة بأحدث التسليح بانتظار الحرب الكبيرة.
خلال الشهور الماضية كانت مناطق عدة في محافظتي صعدة، وحجة مسرحاً لموجة قتال عنيف بين المسلحين الحوثيين والتيارات السلفية المسلحة أشعلت فورة تحذيرات من الحرب، خصوصاً بعد الفتوى التي أطلقها شيخ الجماعات السلفية المسلحة في صعدة يحيى بن علي الحجوري الذي يرأس دار الحديث في دماج بصعدة «نداء النصرة» دعا فيه «إلى الجهاد ضد الحوثيين باعتبار أن قتالهم من أعظم الواجبات والقربات إلى الله لأنهم بغاة وزنادقة».
استناداً إلى هذه الفتوى ومبادرات أخرى مشابهة تشكّل «جيش النصرة» من المئات من مسلحي القبائل والتيارات السلفية الذين هبوا من مناطق يمنية عدة استجابة للنداء الذي أطلقه رجال الدين هناك لنصرة إخوانهم في دار الحديث بمنطقة دماج.
اليوم يلمح الزائر لمنطقة كتاف الحدودية بمحافظة صعدة تحضيرات مروعة لمشهد الصراع المقبل، ففي موازاة معسكرات للحوثيين مزودة بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة وأكثرها من مخلفات حروب صعدة الستة تعج مناطق التماس الخاضعة لسيطرة القبائل والجماعات السلفية المسلحة بمستودعات الأسلحة ومعسكرات التدريب المزودة بأحدث أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة فيما تنتشر على مقربة منها مخيمات لمستشفيات ميدانية متنقلة.
اتهامات متبادلة
يتهم السلفيون ورجال القبائل الحوثيين بمحاولة اجتثاث السنة ومعتنقي المذهب السلفي من مناطق صعدة ويشيرون إلى أن الحوثيين تبنوا مشروعاً أسموه «استئصال الوهابية» من محافظة صعدة ما دعا القبائل إلى التصدي لهذا المشروع. فيما ينفي الحوثيون ذلك تماماً ويؤكدون أن ما يدور سيناريو لإشعال حرب طائفية ومذهبية تخطط لها قوى خارجية.
ويسيطر الخطاب التحريضي على مفاعيل الأزمة التي تبدو في كثير من تفاصيلها مفتعلة وتديرها قوى خارجية، ففي مقطع فيديو يتناقله أنصار التيار السلفي يتحدث شيوخ سلفيون بصوت معلن عن الحرب المذهبية كخيار حتمي مع الحوثيين.
في فتوى مشابهة أطلقها الشيخ يحيى بين الحجوري زعيم الجماعة السلفية في صعدة، وهو أيضاً رئيس دار الحديث السلفي، وجاءت في إطار رد على إمرأة طلبت فتوى دينية بشأن تأثر زوجها بفكر الحوثيين، أكد الشيخ «أن الحوثيين ضلال ويبلغ أمرهم إلى الزندقة فإن تاب عن فكره وما يدعوها إليه فلها أن تبقى معه وإن لم يتب يغنيها الله عنه ويتولى أبناءها بما أراد ولا يجوز البقاء له مع فكره الذي يمرق بالإنسان من الدين كما يمرق السهم من الرمية».
ويقول الحجوري في إحدى خطبه على الجمهور إن الحوثيين أسوأ حالاً من الخوارج وهم يتخذون صعدة لتكون مثل جنوب لبنان.
في مقابل ذلك يتحدث عبدالملك الحوثي زعيم جماعة «الحوثيين» في إطلالاته عن مخطط لجر المناطق الشمالية لليمن إلى أتون الفتنة الطائفية التي يصفها بأنها «أخطر مؤامرة على الأمة الإسلامية والشعب اليمني بل هي أم المؤامرات وتوظف لتحقيق أهداف متشعبة ومتعددة للأعداء من الخارج ويسعى الأمريكيون من خلالها إلى ضرب أبناء الأمة الإسلامية والشعب اليمني المسلم ببعض».
محاولات الصلح
كثير من جهود المصالحة بذلت خلال الأشهر الماضية، لكنها فشلت كلياً في إبرام هدنة بين أطراف الصراع ووقف القتال إذ تتوقف المعارك خلال المفاوضات وسرعان ما تعود بصورة أكبر، بل وتنتقل إلى مناطق جديدة، وهكذا يصح القول إن حالة المنطقة هي لـ«النار تحت الرماد».
في واحدة من جهود الوساطة والتي قادها الشيخ حسين الأحمر توصل الجانبان إلى تفاهمات عمدت تالياً بوثيقة للصلح الزمت كل طرف بعدم الاعتداء أو الإيذاء أو التفتيش أو الاعتراض ورفع حواجز التفتيش والمظاهر المسلحة والتعايش بسلام بين الحوثيين والتيارات السلفية.
ولامست وثيقة الصلح جوهر المشكلة، إذ نصت على التزام الحوثيين بعدم الاعتداء على مساجد أهل السنة ومراكزهم التعليمية، كما ألزمت الطرف الآخر بعدم الاعتداء على مساجد الحوثيين، والتزام كل طرف برد المنهوبات وتحمل ديات القتلى والجرحى، وتحميل الطرف الذي ينتهك اتفاق الصلح مسؤولية أي تداعيات.
وألحق اتفاق الصلح بوثيقة تضمنت التزام الطرفين بوقف القتال ورفع المتاريس والإفراج عن الأسرى من الجانبين مع تسليم الجثامين وإعادة المنهوبات أو تعويضها على أن يتاح لكل طرف حرية الفكر والمعتقد ووقف عمليات التحريض وتقديم ضمانات بعدم الإيذاء للطلاب الدارسين في مراكز التعليم السلفية ورفع المواقع العسكرية المستحدثة، بما يؤدي إلى إخماد الفتنة والعودة إلى التعايش والاحترام المتبادل بين المذاهب والأفكار والمعتقدات.
لكن القادة الميدانيين في جيش النصرة من القبائل والتيارات السلفية رأوا أن بنود الصلح والوثيقة الملحقة لم تلب الحد الأدنى من شروطهم التي حصروها سابقاً في المواطنة الصالحة والتعايش السلمي بينهم والحوثيين، بل اعتبروا أنها تلبي مصالح الحوثيين ومآربهم من الاستعلاء وإرادة التسلط وفرض السيطرة على هذه المحافظة المنكوبة بالصراعات.
وحيال استمرار جبهات الصراع مشتعلة فإن لدى الحوثيين مبرراتهم كما لدى تحالف النصرة مبرراتهم أيضاً، ففي مقابل مطالب للحوثيين باخلاء جبهة كتاف في صعدة من معسكرات التدريب ومستودعات السلاح التابعة لتحالف القبائل والتيارات السلفية فإن هؤلاء يرون أن وجودهم في هذه المناطق جبهة مسلحة صار أمراً حتمياً، كما يؤكدون أن التخلي عنها يعني السماح للحوثيين بالتمدد وتنفيذ مشروعهم.
ويقول الشيخ مهيب بن سيف الأحمدي الضالعي، الناطق الرسمي لقبائل حلف النصرة، إن «على الحوثيين أن يدركوا أن معنى مجيئهم إلى كتاف هو الموت والقتل، ونحن سنظل في الجبال حتى يعودوا مواطنين صالحين لا سبيل لهم على أحد».
المصدر : الخليج الاماراتية