نايف وباشراحيل.. وفاجعة الرحيل
محمد حسين النظاري
نايف وباشراحيل.. وفاجعة الرحيل
إنا لله وإنا اليه راجعون.. فقدت المملكة العربية السعودية قيادة وشعباً رجلها الثاني ووليّ عهدها ووزير داخليتها.. انه الامير نايف بن عبد العزيز –رحمه الله- الذي لاقى ربه عن عمر ناهز 78 عاماً، قضّى معظمه كوزير للداخلية منذ عام 1975، اي منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود ونصف، كان فيها رجل الامن الاول في الجارة الكبرى، وشهدت المملكة خلال توليه هذا المنصب قفزات كبيرة في هذا المجال ادى الى استتباب الامن في اكبر دولة مصدرة للنفط، فقد أثمرت جهوده ـ يرحمه الله ـ عن تنمية شاملة لقطاعات العمل الأمني بالمملكة منها المديرية العامة للدفاع المدني وحرس الحدود، والأمن العام، والمديرية العامة للمباحث، كما ظهر دوره في تنظيم عمل المديرية العامة للسجون، وقوات الأمن الخاصة وأمن المنشآت ومكافحة المخدرات.
وتمكن خلال قيادة لقطاع الداخلية من تطوير القدرات البشرية بالتعليم والتدريب المستمر، وعصرية الإدارة وتحديث الأنظمة بكل ما هو جديد، إضافة الى اهتمامه بالبنى التحتية، وكذا التطوير والتحديث التقني المستمر لأهم القطاعات التي تحفظ امن وسلامة المملكة، وهو ما انعكس ايجابياً لتأمين بلاد الحرمين الشريفين.. فقد برز اداءه على وجه الخصوص في تأمين الحجاج والمعتمرين، ليس فقط من خلال الواجب الامني بل من خلال الخدمات الكبيرة التي تقدمها وزارته لأكثر من 3 مليون مسلم يتواجدون على صعيد واحد في زمن محدد.
جزى الله الامير نايف عن خدمته لحجاج بيت الله الحرام وزائري قبر نبيه عليه افضل الصلاة وازكى السلام. فقد من الله عليّ - وله الحمد والمنّه ولوالدي الاجر الجزيل- بالحج لثلاث مرات ناهيك عن عمرات كثيرة، وخلالها كلها ادركت قدر ما تبذله القيادة السياسية ابتداءً بالملوك الراحلين - يرحمهم الله- ووصولاً لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وخلالهم جميعاً كان الامير نايف رجل المهمة الصعبة التي يؤديها على اكمل وجه، فنجاح موسم الحج ليس بالأمر السهل ولا الهين، بل هي غاية في التعقيد.. فإذا كانت الدول تجند نفسها لاحتضان مباراة او تظاهرة رياضية، فما بالنا بهذه الملايين التي تتوافد على السعودية باختلاف لهجاتها وجنسياتها وألوانها، يجمعهم قول لا اله إلا الله محمد رسول الله - صلى الله عليه واله وصحبه وسلم- .
رحم الله الامير نايف الذي لا قى وجه ربه في يوم وليلة عظيمة، انها ليلة الاسراء والمعراج، وهو امتداد روحي بين اولى القبلتين وبلد الحرمين الشريفين، ومناداة الرجل في اكثر من محفل على تحرير الاقصى الشريف من براثن اليهود الغاصبين، ونسأل الله العلي القدير ان يحقق اُمنيته وأمنية كل مسلم باستعادة مسرى رسولنا الكريم الذي يتصادف مع هذه الليلة الجليلة، وان يفك اسر إخوتنا وأخواتنا في فلسطين الحبيبة، آمين اللهم آمين.
لم تخسر المملكة وحدها بفقد الامير نايف فالعرب أيضاً خسروا واحداً من أبنائها.. فقد ترأس فخرياً مجلس وزراء الداخلية العرب، والذي تم من خلاله إقرار العديد من المشاريع والاتفاقيات الأمنية بما يخدم أمن الإنسان العربي، ومن بينها الاستراتيجية الأمنية العربية في بغداد عام 1404هـ / 1984م، والخطة العربية الأمنية الوقائية في تونس عام 1405هـ / 1985م، والاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب الموقعة من قبل وزراء الداخلية والعدل العرب عام 1998، ومشروع الاستراتيجية العربية لمكافحة الاستعمال غير المشروع للمخدرات والمؤثرات العقلية .
كما كانت جهوده - يرحمه الله- جليّة في دعم جهود الإغاثة للشعب الفلسطيني الشقيق، واعتماد وتنفيذ العديد من المشروعات الإنسانية للمتضررين في الحروب، وكذا تقديم المساعدات الغذائية ودعم الأسر الفقيرة والجرحى والمعوقين وكفالة الأيتام ودعم التعليم الجامعي، وبناء المساكن الخيرية، وتقديم الأدوية والمستلزمات الطبية وبناء المراكز المتخصصة لعلاج الأورام السرطانية، بالإضافة الى اغاثات مماثلة لكثير من الشعوب بما يعكس مساعدة المسلم لأخيه في الانسانية .
اعطى الامير نايف عناية فائقة بالميادين العلمية فأنشئ جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، والتي كان يترأس مجلس إدارتها، فقد قامت الجامعة بتطوير الخبرات الأمنية والعدلية وتقديم برامج ومؤتمرات دولية تستفيد منها الدول العربية ، وتمنح شهادات الدبلوم والماجستير والدكتوراه، اضافة الى انشاءه جائزة عالمية مخصصة لدعم الباحثين والعلماء في مجالات السنة وعلومها، منها المسابقة المعنية بحفظ الحديث الشريف في عام 2006م، وإنشاء قسم الدراسات الإسلامية بجامعة موسكو 1416هـ / 1995م، كما اسهم في اشاء الكراسي العلمية وتقديم العديد من المنح للسعوديين والعرب، فقد كان محباً للقراءة بشكل عام وخصوصاً في العلوم الشرعية والتاريخ والآداب، والسياسة.
اليمن ومن منطلق انها مجاورة للمملكة، وتتقاسم معها الروابط والثقافة والعادات المشتركة، وبحكم العلاقات المتينة التي تربط بين البلدين الشقيقين، والجهود الكبيرة التي تبذلها السعودية في استعادة اليمن لأمنه واستقراره، وليس ادّل على ذلك من رعايتها للمبادرة الخليجية ودعمها اقتصادياً خلال هذه الازمة عبر توفير المشتقات النفطية.. ولهذا فإن ما ألَمَ بالمملكة من مصاب جَلّل، قد اصاب اليمن أيضاً، فما يفرح اشقائنا يفرحنا وما يحزنهم يحزننا.. فرحم الله الامير نايف وأسكنه فسيح جنته وألهم أهله ومحبيه والشعب السعودي الشقيق الصبر والسلوان.. إنا لله وإنا اليه راجعون.
كذلك فقدت اليمن عموماً والأسرة الصحفية والإعلامية على وجه الخصوص علماً من أعلامها.. انه الاستاذ هشام باشراحيل -ناشر ورئيس تحرير صحيفة الأيام اليومية- في مدينة برلين عن 69 عاماً قضّاها في خدمة الوطن في الميدان الإعلامي، إثر المرض العضال الذي لازمه في السنوات الأخيرة.. بعد حياة إعلامية وصحفية حافلة بالنجاحات المهنية لقد خسرنا رجلا كان صوته مسموعاً، بل وذائع الصيت على مستوى أرجاء الجمهورية اليمنية.. رجل جنّد قلمه ليكشف عورات ومساوئ الفاسدين عبر صحيفته التي وصل صداها الى من به صمم، وأبصر حروفها حتى من فقد البصر، إلا اولئك الذين فقد حاسة الانصات للاخرين او ابصار الحقيقية، فوحدهم فقط من كانت تمثل لهم الايام كليالٍ سود مليئة بالكوابيس، تفزع مضاجعهم وتؤرقهم. لم تفعل حكومة الوفاق شيئا لباشراحيل ولا لصحيفته، حتى وان خرج علينا وزير النقل –با ذيب- ليزف لنا نبأ تخصيص طائرة خاصة لنقل جثمان الفقيد من المانيا لليمن.
هكذا هم أصحاب الرأي لا يُنظر اليهم ولا تمتد اليهم يد المساعدة الى لحمل جثامينهم –على مضض- وكم كانت احزاننا متجددة ففي اليوم الذي نشهد فيه تأبين الفقيد العصار ها نحن نودع عملاقاً من عمالقة الاعلام اليمني.
فرحم الله فقيدنا الاعلامي الكبير، وجعل مثواه الجنة وحشره مع النبيين والمرسلين والصديقين والصالحين، وانزل على قلوب اسرته ومحبيه الصبر والسلوان.. إنا لله وإنا إليه راجعون..