مذكرات ليست شخصية ( 24 ) معاناة بلد والهجرة إلى المجهول
اخبار الساعة - عباس عواد موسى بتاريخ: 26-07-2012 | 12 سنوات مضت
القراءات : (35769) قراءة
مذكرات ليست شخصية ( 24 )
معاناة بلد والهجرة إلى المجهول
عباس عواد موسى
فور إلقاء القبض على راوي حكايته , إستدعاني المترجم المُحَلَّف لإعانته في ترجمة لائحة الإتهام . وكنت على علم مُسبق بأعمال كريم خلف جمعة وهو عراقي تركماني تعرفت عليه منذ منتصف عقد الثمانينيات من القرن الماضي , وسبق أن اعتقلته السلطات المقدونية يتهمة قيامه بتهريب عرب عبر حدودها إلى اليونان , وبعد أن أمضى مدة عقوبته في السجن تسلل إلى اليونان ومنها إلى أستراليا ليحصل على جنسيتها ليعاود نشاطه السابق عشية سقوط النظام العراقي . وقد منعتني الداخلية المقدونية من زيارتهما واللقاء بهما وإن عليّ احترام إقامتي وطبيعتها في البلد حسب رد المسؤولين على طلبي . وإنني إذ كنت أول عربي يعرف بقصتهما فإنني أول من سمعهما يتحدثان العربية بالقرب من مافروفكا على الطريق الرئيسي المؤدي للبيت بازار ( ألسوق التركي ) .
عاد من حيث أتى , وأما زميله في السفر فقد تم تهريبه إلى اليونان بمساعدة ألبان متخصصين . وأما المقصود بالسوري الذي خشي منه كريم مُتوجّساً بعلاقته مع المخابرات المقدونية فهو المهندس مازن الآغا ولكن الشخص ( قريبه ) الذي قدم مع راوي هذه القصة تم تهريبه هو الآخر لليونان . ولولا الذي تشهده سوريا لعاد من دولة أسقطها إفلاسها .
سأترك للراوي كتابة ما حصل مع صديقه لاحقاً في اليونان , وانطباعاته عن برّاكات اللجوء في مقدونيا , وغير ذلك من تفاصيل تمنعه المرحلة من تدوينها والتالي هو من كتابته حرفيّاً , وعلى العرب أن يفتحوا حدودهم جميعها أمام اللاجئين من البلدين العملاقين سوريا والعراق فهما قطبان إن تعافيا نهضت بهما الأمة والعرب جميعاً . وتانكم هي حكاية صاحبنا :
بتاريخ 15112006 وبعد معاناة حقيقية عاشها العراق كبلد , والعراقيون كشعب من قبل أكبر دولة مجرمة في القرن الواحد والعشرين وبتعاون جميع حلفائها خارج وداخل العراق والمنساقين في رحابها من الحاقدين على كل ماهو أصيل ووطني ومحب لبلده ودينه وأهله وإنجازات الحضارات التي بناها أجداده لأكثر من سبعة آلاف سنة .
وعام 2006 عام لاينساه العراقيون على مدار التاريخ لأن هولاكو حينما احتل بغداد , كان على الرغم من إبادة أهلها رحيماً مقابل الجرائم التي ارتكبتها دولة الحرية الأولى في العالم المتحضر والمنادية دائماً بالتحول الى الديمقراطية والتغيير وغيره من شعاراتها الكاذبة.
فقد كان شعارها مع إيران الصفوية يتمثل في إبادة العرب السنة بكل العناوين شيوخ
العشائر, الأطباء,العلماء,الأدباء,الأساتذة والمدرسين , الضباط الأحرار, الشرفاء , أهل الدين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والرافضين للبدع في العقائد وفي الأخلاق . ولكوننا من إحدى هذه الفئات ونعتبر أنفسنا من أهل العراق الأصليين . استُهدفنا ,وتعرضت شخصياً لأربعة محاولات اغتيال وتصفية جسدية من قبل أدوات الحرية الجديدة .
وكحال السُّنّة هربنا من وطننا الذي كان لابد أن نموت فيه , لأننا لم نكن نعرف ماذا كان يخبيء لنا القدر في طريق النجاة من الموت .
أخذنا الطريق إلى شام أهل العرب التي يعتبرها العراقيون بلدهم الثاني حقيقة لا مجازاً , فوجدناها أكثر عدواة من إيران الجارة الظالمة ورأينا ما لا عين ترى ولا قلب يحزن.
ساقني الطريق إلى الشام مروراً بالأردن متوجهاً إلى إسطنبول
مخلفاً ورائي عائلة تحلم بوصول ربها الى بر النجاة ليمد لهم حبله منقذاً إياهم من نار مستعرة . وأنا مقتنع باني قد أفقد أحدهم الى أن أصل هذا البر
أو ربما أني سأفقدهم جميعاً دون أن أستطيع أن أنقذ أحداً منهم .
وحتى لو كنت سأنقذهم فهل سأستطيع ان أنقذ عائلتي الأكبر من أب وأم وأخوة وأخوات وأطفالهم أم أن الخيارات ستكون للأقرب فالأقرب ,إمتحان رهيب , وتوقع الخسارة خسارة .
في ظل هذه الظروف يكون للمال قيمة كبرى لأنه الوسيلة للنجاة . وهذا أمر أكيد فلملمت ما أستطيع أن أتدبره من مال وكنت قد ضغطت على عائلتي بحيث لم أترك لهم إلا القليل منه لسد حاجاتهم .
قبل هذا التاريخ وأقصد 1511 كنت قد وصلت الى إسطنبول وفي ظل الأمان كم تمنيت أن تكون عائلتي برفقتي لم أكن أعرف أحداً في إسطنبول , ولكن لي صديق أو دعني أسميه كان صديقاً سبقني بالهجرة من العراق واستقر به المآل في الدنمارك .
تربطني به الجيرة فقد كانت بيوتنا متجاورة كنت أحتفظ ببريده الألكتروني فاتصلت به وأخبرته بأني في تركيا وتركت رقم هاتفي ليتصل بي حين يشاء .
وبالفعل اتصل بي وأخبرني بأنه سيساعدني وسيرسل لي أحد الأصدقاء ليتدبر موضوع هجرتنا كون شقيقه كان معي في هذه السفرة .
وادعى بأن إسم الشخص الذي سيساعدني يدعى (كيمو) وهو يتكلم العربية والكردية والتركية والإنكليزية والمقدونية واليونانية . بعد يومين إتصل بي رقم غريب وأخبرني بأنه كيمو وأراد أن يلتقي بي وأنه سينتظرني قرب محطة مترو اك سراي في مقاطعة سلطان أحمد في إسطنبول , وأنه يرتدي جينز بيجي اللون وحذاءاً رياضياً أخضروبالفعل التقينا واذا به شخص سمعت عنه من الصديق والجار السابق المقيم في الدنمارك واتضح لي بأنه شقيق لزوجته هذا يعني أن كيمو واسمه كريم خلف جمعة هو شقيق زوجة جاري المقيم في الدنمارك وهذا هو ماخبرني به كريم .فارتفعت نسبة الثقة به وبناءاً على هذا قلت له انا لا أعرفك جيداً وسأتصل بجاري لأعرف كيف ستستطيع مساعدتنا بالسفر إلى السويد خاصة ونحن لانملك تأشيرة دخول إليها . واتصلت بجاري وأخبرني بأن كيمو هو اليد السحرية المنقذة الذي سوف لا يتوانى عن ذخر في سبيل إنقاذنا . وسكنا سوية في أحد فنادق إسطنبول لينضم إلينا شاب سوري لنصبح ثلاثة . نحن نروم الذهاب الى السويد والشاب السوري يقصد اليونان وبالتحديد جزيرة كريت بقينا حوالي 22يوماً في إسطنبول ونحن ننتظر الفرج على يد السيد كيموالذي كلما عاد مساءاً اأخبرنا بأن الجو ممطر وبارد والطريق الى اليونان بوابة أوروبا التي علينا دخولها في طريقنا إلى مقصدنا غاية في الصعوبة في هذا الوقت من السنة وهذا يعني لنا هدر في أموالنا ومضيعة لوقت نحن في أمسّ الحاجة لكل دقيقة منه خاصة وعوائلنا تنتظر منا لإنقاذهم.
بعد كل هذه الأيام الطويلة اعتذر السيد كيمو عن اصطحابنا إلى اليونان برّاً
وعرفت أنه اصطحب عوائل مغربية وعراقية ادعى أن البعض منهم وصلوا والبعض منهم فشلت طريقة توصيلهم أثناء هذه الفترة .
واقترح أن نسافر بالطائرة إلى دولة أو إقليم يدعى كوسوفو ومنها إلى سكوبيا التي لم أكن قد سمعت بها من قبل . خشينا من هذه الرحلة خاصة وأنه لم يكن ينوي أن يرافقني وزميلي العراقي على أن يبقى السوري في إسطنبول .
إلى كوسوفو
حجزنا تذاكرنا إلى برشتينا عاصمة الإقليم يوم ذاك وكان قبل يوم قد أخذ جوازات سفرنا لغرض التهيئة لهذه الرحلة . وفي يوم السفرسلمنا جوازاتنا العراقية وقد وضع فيها سمات دخول بلغة لم أكن أعرف قراءتها فهي لم تكن بالإنجليزية التي أجيدها بشكل ممتاز , واستقللنا الطائرة إلى كوسوفو التي هي الأخرى لم أكن أسمع بها إلا من نشرات الأخبار فقط .
. وبعد حوالي ساعتين هبطت بنا الطائرة في مطار صغير لنعرف إن هذا المطار هو المطار الدولي لكوسوفو.
وذهلت حقاً حينما رأيت سيارات الجيش الأمريكي (الهمر) وهي قريبة من المطار يا أللّه لقد هربنا من بلد تقتل فيه هذه السيارات أبناء جلدتنا فماذا تفعل هذم السيارت هنا وهل احتلت أمريكا هذا البلد أيضاً ؟!!
وأظلمت بي الدنيا حينما رأيت الجنود الامريكان هناك.
عند وصولنا إلى نقطة شرطة التأشيرات البوردن كارت لم يقبل الشرطي أن يؤشر جوازاتنا وطلب منا التوجه إلى غرفة الأمن في المطار لملاحظة جوازاتنا , توجهنا ليصادفنا في باب الغرفة ضابط شرطة طويل القامة وأخبرنا عن حاجتنا . قلت له أرسلنا شرطي التاشيرات فقلّب أوراق جوازي وأخبرني بأني أملك فيزا إلى مقدونيا فلماذا لم أتوجه إليها مباشرة وماهو سبب الحضور إلى كوسوفو فانتهزت هذه الفرصة وقلت له لايوجد طيران في مثل هذا اليوم مباشرة من إسطنبول إلى مقدونيا ولكوننا مستعجلين آثرنا أن نسافر إلى كوسوفو ونستقل السيارة منها إلى مقدونيا فاقتنع الضابط وأخبرني كم نحتاج من الوقت لنغادر بلاده قلت له 24 ساعة تكفي ليؤشر ذلك على جوازاتنا ويطلب منا التوجه مرة ثانية إلى شرطي التأشيرات الذي قام بدوره بتأشير دخولنا إلى كوسوفو وعند خروجنا من المطار اتجهت الى أحد سائقي سيارات الأجرة لأطلب منه إن كان بالإمكان أن استخدم هاتفه بالإتصال فوافق على ذلك لقاء مبلغ من المال فاتصلت بكيمو الذي كان في إسطنبول .
وعند إخباري له بأننا الآن خارج المطار فرح كثيراً وطلب مني أن أتوجه وزميلي الى المقهى الموجود خارج المطار لتناول القهوة ليقوم هو بدوره بإرسال شابين ليصطحباننا معهما إلى سكوبيا وطمأننا بأنهما سيأتيان بسرعة . وبالفعل توجهنا إلى المقهى وانتظرنا ساعة من الزمن لتحضر سيارة من نوع أوبل موديل 1991 يستقلها شخصان توقفت بالقرب من المقهى وترجلا منها وصاح أحدهما ( أوو عرب ) رافعاً يديه كأنه يرحب بنا وتوجها مسرعين تجاهنا .
وقال( يالله يالله حبيبي ) هذا ماكان يعرفه من العربقلت له هل تستطيع أن تتكلم الإنكليزية فقال كريم كريم فعرفت أنهما من طرف السيد كيمو , حملا حقائبنا ووضعاها في السيارة وانطلقت بنا في طريق متعرج ليقوم أحدهما بوضع كاسيت للمطربة لطيفة التونسية في مسجل السيارة ويقول لنا عرب عرب حبيبي ضاحكاً .
وليخرج من جيبه موبايل ويتصل ثم يناولني إياه لأجد أنه السيد كيمو الذي بارك لنا سلامة وصولنا وليطلب مني ان أسلمهما مبلغ 4500 دولار أمريكي ليقوما باللازم فسلمتهم المبلغ ليتوجها بنا إلى أحد الموتيلات وتناولنا غدائنا فيه وطلبا منا البقاء فيه بعد ان استأجرا لنا غرفة بالطابق العلوي وطلبا منا أن لانخرج منه لأي سبب كان إلى حين عودتهما إلينا وسلمونا شريحة هاتف للإتصال بي .
بقينا ننتظر بعد ان غادرا يومين كاملين , وفي المساء وبحدود الساعة الواحدة ليلاً حضرا وطلبا منا أن نرتدي نفس الملابس التي وصلنا بها ولننطلق بسيارتهما إلى الحدود التي كانت كابينة الشرطة فيها بمنتصف الطريق وسلّما جوازات سفرنا إلى الشرطي وتكلما معه بلغة غريبة لا نفهمها إلا أني عرفت منهما انهما يقولان عراقيان فقط .
بعد هذه النقطة بمسافة 100 متر توقفت السيارة وترجل أحدهما وعرفت أن إسمه دولا وكان المقصود أن إسمه عبدالله إلا أنهم يلفظونه دولا, وطلب منا دولا أن ننزل من السيارة التي انطلقت بعد نزولنا منها وسرنا في شارع لم تكن فيه إنارة مسافة 100متر أو أكثر حيث كانت تتوقف سيارة نوع جولف وعند وصولنا إليها أشعل سائقها النور الداخلي فيها وطلب جوازات سفرنا وكان بمفرده وقد تكلم معه دولا ثم أعاد إلينا جوازاتنا , وانطلق , وأكملنا مسيرنا إلى نقطة حدود أخرى لنجد
سائق السيارة الجولف متوقف بالقرب من الشرطية المسؤولة عن التأشيرة ليأخذ منا جوازاتنا ويقدمها لها لتقوم بتأشيرها وتسلمها لنا بعد أن شكرها السائق . وانطلقنا مشياً بعد هذه النقطة مسافة قصيرة حيث كانت تتوقف السيارة التي يقودها زميل دولا السيارة الأوبل واستقليناها ثلاثتنا .
دخلنا الى مقدونيا وقلت أني لم أكن أسمع بها وكان الوقت ليلاً وفي حوالي الساعة الثانية او الثالثة صباحاً توجهت بنا السيارة إلى أحد الفنادق وتم إسكاننا في إحدى غرفه وأخذ دولا جوازاتنا لتأشيرها عند إدارة الفندق , وبعدها طلب منا أن نرتاح ونخلد إلى النوم , على أن يحضر في اليوم التالي وفي الصباح عرفنا أن هناك مطعم داخل الفندق وبعد الظهر حضر الشخصان واعطونا تلفون لنتكلم مع السيد كيمو الذي بارك لنا وصولنا فاستفسرت منه عن المدة التي سنقضيها وكيفية الرحلة التالية ومتى سيكون حضوره إلينا فأخبرني بأن المدة لن تطول أكثر من خمسة أيام
وسيرسل لنا مفاجأة . قضينا ثلاثة أيام وفي منتصف الليل طرق باب غرفتنا واذا بدولا يحضر الشاب السوري الذي كان معنا في تركيا فرحنا لكوننا تعودنا عليه هناك واستفسرت منه عن كيفية وصوله فقال جاء معي كيمو وسيحضر قريباً
في الصباح حضر كيمو واصطحبنا الى إحدى المقاهي وتناولنا الشاي وعرفت ان الفندق قريب من السوق. وكان هذا في يوم جمعة وأخبرني أن موعد سفرنا كان من المقرر أن يكون في يوم الإثنين القادم ولكنه تأجل إلى الخميس القادم لكون من سيقلنا في السفرة القادمة سيتزوج الإثنين وقال أعرف إن الموضوع سيطول قليلاً اإلا أن علينا التحمل والإنتظار وإنه سيرتب نقل الشاب السوري إلى اليونان وطلبت منه أن يرسلنا معه إلا أنه رفض وبعد أيام اتضح لي أن قريب الشاب السوري مقيم في هذه الدولة وهوصديق قديم لكيمو وهو من كلفه بنقل الشاب السوري الى اليونان للعمل هناك.
جاء هذا الرجل وأخذ قريبه السوري ليتناول العشاء في بيته , وبعد خروجه اتصل بي كيمو واستفسر عن الشاب فقلت له ذهب مع قريبه للعشاء فجن جنون كيمو وقال قريبه يعمل مع أجهزة الدولة وسيعرف بقصتكم وستكونون في خطر وعلى هذا سأختفي واختفى بالفعل في منتصف الليل .
عاد الشاب السوري وما إن طلع الصباح إلا وأحضر سيارة بي إم دبليو وأخذت الشاب.
من عيني
بعد أن فشلت محاولتنا الأولى أخرجونا من المطار قائلين لنا السفرة تأجلت وقد أخذوا منا الجوازات التي أعدوها , وأقصد كريم وجماعته بعد خروجنا مباشرة رفضت أن أعود إلى نفس الدار التي كنا فيها فقال مرافقنا يجب أن أتصل بكريم وأعلمه بأنك ترفض العودة إلى الدار بإنكليزية ركيكة .
إتصل بكريم وأعطاني إياه فقلت له : يا كريم أنا لا أريد السفر بالطائرة يا أخي , أريد الذهاب إلى اليونان براً , وأود أن أخبرك يا كريم بأن الجوازات التي أرسلتها لنا مزورة والدليل أن الشرطة كادت أن تودعنا السجن فلماذا تعمل معنا هكذا موضوع
ونحن أعطيناك المال؟
أين الوعود والعهود ! قال لي لاتحزن سأوجههم بأن يأخذوكم إلى مكان آخر ولاتتسرع فأنا أريد مصلحتكم .
وسأحاول إصلاح الموضوع أعطيني الشخص المرافق لكم وبالمناسبة الشخص المرافق لنا كما قلت إسمه نوهي وهو من الشرطة كما عرفت لاحقاً
أخذانا الى مكان ثانٍ في شارع جون كندي والمكان عبارة عن شقة في الطابق الثاني وتعود لصاحب الفندق الذي كنا نسكن عنده سابقاً وكانوا قد اتفقوا معه على أن نبقى فيها لأنه يعرف أن فترة نفاذ سمات الدخول الخاصة بنا قد انتهت واقترحا عليه تاجير الشقة لأنها بعيدة عن أعين الشرطة
في هذه الشرطة وجدنا عائلة عراقية من الديانة الصابئة وتتكون من زوج وزوجته وأطفال إثنان كان كريم قد استقدمهم ليقوم بتسفيرهم أيضاً وتكلمنا في الموضوع وأخبرت الزوج وكان يدعى عبدالرحيم بما جرى معنا وكيف هي الأساليب الرخيصة التي يتبعها كريم وجماعته وكيف يقومون بإلقاء الناس إلى التهالك
فأخبرني الرجل بأنه يعرفنا من كلام كريم معه الذي أخبره بأنهم سيقومون بالسفر بعدنا مباشرة وإن سفرتنا جِدّ مريحة ومرتبة وموثوقة وعملية وووو كله كذب وافتراء فقلت له هذا الكلام غير صحيح ونحن في ورطة ومالنا عنده وهو كاذب لايبالي إن أمسكت بك الشرطة أو غرقت أو تهت في المجهول
اقتادتنا الشرطة إلى المركز وبعد يومين من التحقيق , قلنا إننا عراقيان وقد جئنا من اليونان بطريق الخطأ .
وبعد أشهر من هذه المعاناة الطويلة والأمل المفقود تم إحالتنا إلى المحكمة لنلاقي حكماً بالسجن لمدة ثلاثة أشهر وغرامة مالية عالية وقد استفدنا شيئاً واحداً هو تعلم اللغة من السجناء.
بعدها وباعتبارنا غرباء تم إحالتنا الى الترانزيت سنتر وقد طلبنا اللجوء الإنساني والحماية الدولية وكنا اتصل باهلي من التلفون الموجود هناك بواسطة الكارت الذي لم أكن أستطيع أن اكمل الإستفسار عن أوضاع الأهل سوى لمعرفة إن كلينا لا نزال أحياء
ولمدة خمسين يوماً أخرى ,أضاعت فرص النجاة لعائلتي وذهبت آمالنا بغد افضل أدراج الرياح بيد الكاذبين الدجالين الذين ائتمناهم على حياتنا وأموالنا والنكاية أنهم من أبناء جلدتنا وجيراننا وأكثر الناس معرفة بأحوالنا
وبعد مرور الأيام عرفت إن في هذه الدولة أبناء جالية عربية كانوا يعرفون بأننا في السجن وإننا نعاني وقد حاولوا أن يمدوا لنا يد العون وهذه المحاولة فقط كنت ممتناً فيها لهم بعد أن خرجنا من السجن حيث التقينا بهم صدفة وأخبرونا بانهم سمعوا بقصتنا وقد حاولوا أن يساعدونا بطلب الإفراج عنا واعتذروا عن ضيق إمكانياتهم في ذلك وقد تفهمت ذلك وشكرت لهم سعيهم
وبعد أن عرفت أن لله في خلقه شؤون وأن لامناص من الهرب من الموت فقد كان محققاً ومكتوباً طلبت من السلطات أن تسمح لي بالعودة إلى سوريا لأقوم من هناك بالإتصال بأهلي أو محاولة إنقاذهم إليها , وهذا ما كان لأرجع بعد سنين الى أطلال دار وعائلة قتل اهلها وأُخفي عني خبرها
وحمدت الله حمداً كثيراً أن أبقى لي أطفالي بعد ان استشهد ثلاثة من أشقائي وجرح الآخر بجرح بالغ أعاقه عن الحركة واعتقل الآخر لفترة من السنين وأطلق سراحه ليعود مثلي مصدوماً مفجوعاً بإخوته وداره.
لنبقى نتذكر آلام شعب وأوجاع وطن كان وطناً وأحزان محنة لا تنتهي . وأتألم كلما رأيت أمي تذرف الدموع وأتألم أكثر لتقصيري في إنقاذهم , وأتألم كلما تذكرت اسم كريم .
المصدر : عباس عواد موسى
اقرأ ايضا: