اخبار الساعة

حشرجات في حنجرة الوطن

اخبار الساعة - منصور النقاش بتاريخ: 10-09-2012 | 12 سنوات مضت القراءات : (2420) قراءة

لقد ساد مفهوم أن تأطير المثقف النخبوي بإطار أيدلوجي هو تكبيل لمعرفته وتوجيه حريته,وهذا يعني أن تجنيد فكره في سبيل قضية ما قد لا يكون مؤمناً بها تماماً ,فإنه يعادي نفسه, وإن خالفها في أفكاره وألتزم موقفه من قناعاته وتناول هذا الإطار الأيدلوجي بالنقد ,فإنه سيواجه بعداء أصيل أشد من العداء الذي قد يواجهه لو أنه أنتقد هذه الإيدلوجية من خارجها , ولهذا ظل المثقف والمؤسسة المدنية يتحدان تحت سقف معرفي عالي مما أعطى كل فرد او جماعة قوة معرفية قادرة على الانجاز والتعبير عن ذاتها ومواقفها بإستقلالية ولكنها ظلت في معزل عن بعضها من التيارات وأصحاب التوجهات الآخرى وهذا ما دفع بها لأن تشكل في مجموعها جزر معرفية غنية الى حد ما بمعطاها وقراءاتها للمشهد الا ان هذه الجزر المعرفية فتحت مكان لماء الماضي الذي انبثق الى السطح محملا بكل الرواكد والترسبات العقدية تحت قوة الارث الديني والقبلي وبالتالي وطغى عليها ,و غُربت تلك الجزر عن بعضها البعض ,وأتسعت الهوة فيما بينها وفقدت معطاها وتأثيرها ,لقد تمكن المشروع الديني والقبلي من خلال تموضعه سواء في السياق الإجتماعي أو الثوري وما لعبة من دور في إنتاج وصياغة الخطابين وتأثيره السلبي على المنظومة المعرفية بما فيها الثقافية والأدبية والسياسية في عزل المثقف المناوئ له بالتنكيل به وتكفيرةوإقصاءه عن المشهد السياسي والثوريوأخذ يشكل خطرا بالغاً على السلم الإجتماعي والوضع الإنساني برمته.

إن الزاوية الضيقة التي حُشرت فيه الثورة دلل على الاثر البالغ على خطورة تأثيرالقوى الراديكالية على نمط الخطاب الثوري الذي صادر الجهد العقلي الفردي في مؤسسته وكفر كل من أيقض هذه الثورة او من أيقضته وذهب بهم في نكستهم محلقين في افلاكهم الأنسانوية خارج إطار الثورة وصبغتها اللاهوتية المكتسبه بعد ان سيطر عليها الخطاب الديني الذي شيعها بالخوف والحذر .

لقد كانت الثورة قفزة نوعية في مرحلة التحول الاجتماعي وقد فرضت تحديات على الواقع في مدى استجابته للمتغيرات واستثمار قواها الإيجابية في تحرر المواطن من رتابة الوضع والواقع الميؤس منه وتحديد علاقته بالسلطة وتهيئته لقفزة تحول حضاري نحو المدنية إذ أن المدنية لا بد وان تتشكل فكرياً قبل أن يبلورها الفكر إلى واقع ,ولا يمكن أن نغير طرق تفكيرنا ما لم نغير تصوراتنا حول التركيبة الاجتماعية والتي ستنطلق منها على اعتبارها قيمة إنسانية ثابتة إلا أن الثورة التي كانت في لحظة ما , أملاً في التحول الحقيقي للمدنية صارت عقبة كأداء تقف في طريق المشروع الديمقراطي ودخل الثائر الحالم في حيرة وحزن تجاه مآل الثورة وذلك العنفوان الثوري الجميل غدا كتل من القهر والجمود تقف أمام كل محاولة للتغير المنشود وصارحلم (مشروع الدولة المدنية ) غريباً ودعاته .

لقد كان العقل مغيباً عن الثورة ولهذا غفلنا اللغة التي استخدمت في نقل سياسات الثورة للجماهير الثورية والتي كانت لغة دينية وقبلية بعد أن تم مصادرت الشعارات الوطنية الحقيقة التي أنطلقت بها القوى الثورية ولهجت بها حناجرهم وأرتسمت في شعاراتهم ولهذا تمكنت من من تبرير الأخطاء والتجاوزات والتلاعب في مسار الثورة لأنها استخدمت في خطابها لغة قادرة على "جعل الأكاذيب تلبس ثوب الحقائق"

 

القوى القبلية والرجعية

تشكلت علاقتها ببعضها وفق توجهات ومصالح وإحتياجات لا علاقة لها بالمسار الثورى , إلا أننا تعاملنا مع تلك القوى بطريقة التفاعل الإنفعالي ولم تدرك القوى الثورية ذلك المزلق التاريخي التي وقعت فيه الثورةحتى الأصوات التي أدركت الفخ ونادت بإعادة الثورة الى مسارهاقوبلت بالزجر والتخوين والإهانات وقد تجلى ذلك في واقعة الإعتداء على الناشطات بتاريخ 16ابريل 2012م حيث لم يكن هناك أي مبرر لذلك الإعتداء سوى قتل القوى النسوية الثورية الحرة مقابل إطلاق الدخيل الإصلاحي بقيادة توكل كرمان لقد أعلن الجناح الأخواني (الإصلاح القبلي ) من خلال ذلك الإعتداء غير المبرر رفضة للمشروع المدني وإيذاناً بالدخول في مصادمات ميدانية ناتجه عن تضادات في العقليات نفسها العقلية المدنية الحداثية والأخرى ذات الطابع التراثي الماضوي بشقية القبلي والديني والذي مثل الثورة لاحقاً ومثل بها لقد أعُيد إنتاج فكر وكلاء السماء وصراعهم في الارض الأمر الذي عُدَ بمثابة إيقاف للتاريخ..

فتكفير الفضاء الفاعل في الثورة كبشرى المقطري وفكري قاسم وسامي شمسان وغيرهم كان تصفية للقيادات في مؤسسات المجتمع المدني والقوى الثورية وكل منتجات القوى المدنية, من حراك معرفي ولد هذا الحراك الثوري..

هيمنة الدولة الدينية بمفهومها الحاضر وشرعية الثورة التي إكتستها يعني بإختصار هو النظر للمستقبل بعين الماضي أو بالأحرى نقل المستقبل الى الماضي والعكس صحيح أيضاً..

وهذا بحد ذاتة تعطيل للجدلية الثورية,وهذا يعني أيضاً أن الشعب ثار ضد نفسه وليس ضد سلطة أو نظام بل غدت الثورة ضد قوانين الطبيعة وممكنات التطور فيها..

ونحن بهذا كمن يضع المجتمع في صندوق محكم ويقفله ويعزلة تماما عن الحركة والتطور المأمول فما نشاهده اليوم من صراعات طائفية تنامت مع الثورة ومشاكل جلبتها أو ايقضتها الثورة يدرك إننا واقعون في أزمة نفسية مجمتعية تؤثر على سلوكياتنا وقراراتنا وفكرنا أيضاً,فقد كانت الثورة فضيحة وعي ثقافي بإميتاز.

اقرأ ايضا: