قائد القوات المصرية التي ساعدت في إنجاح ثورة 26 سبتمبر باليمن يتحدث عن بعض أحداثها "نص الحوار"
اخبار الساعة - حاوره: اسكندر الأصبحي بتاريخ: 26-09-2012 | 12 سنوات مضت
القراءات : (5015) قراءة
نشرت صحيفة 26 سبتمبر الصادرة عن الجيش حواراً مع الفريق أنور المصري الذي كان قائداً للقوات المصرية التي شاركت في دعم الثورة اليمنية ضد نظام الإمامة في 26 سبتمبر 1962.
جاء صوته على التلفون بشوشاً ودوداً اتفقنا معه على موعد للقاء صحفي.. كان ينتظرنا في منزله .. تأخرنا عن الموعد نصف ساعة.. فتح لنا الباب استقبلنا كأنه يعرفنا لزمن طويل وكان أن بادره زميلي ياسين الشيباني بالاعتذار قائلاً: انه في القاهرة يكفي أن يكون زحام المواصلات عذراً مقبولاً.
في مكتبه علق على الجدار صورتين فوتوغرافيتين كلتاهما تسجلان لحظة تسلمه وسامين أحدهما من المشير السلال والثاني من الرئيس السابق.
ووقعت عيني على مجموعة من الكتب والأوراق كانت معظم الكتب تحمل عناوين عن الثورة اليمنية والقضايا اليمنية المختلفة.
> يبدو أن الفريق أنور القاضي بصدد كتابة مذكراته عن اليمن حيث قال:
>> الواقع أنني فكرت بذلك كثيراً وفعلاً كنت قد بدأت الا أنني بعدما قرأت كثيراً من المذكرات والكتب حول الثورة اليمنية والدور المصري في اليمن وجدت أن كتابة مذكراتي في اليمن تحتاج الى كثير من التأني.
> قلت له: فما رأيك أن نعود بذاكرتك الى ربع قرن من الزمان منذ أن عينت قائداً للقوات العربية في الجمهورية العربية اليمنية وحتى عودتك الى مصر؟
>> كان يصغي للسؤال.. ويقلب الأوراق بينما ابتسامة عريضة كانت ترتسم على شفتيه وأدرت شريط التسجيل..
قال: كنت نائب رئيس هيئة العمليات في القوات المسلحة المصرية في تلك الفترة التي تفجرت فيها الثورة اليمنية، وفي يوم 20 اكتوبر 1962م دعيت لحضور اجتماع برئاسة المشير عبدالحكيم عامر وحضره رئيس أركان حرب القوات المسلحة وقادة القوات البرية والبحرية والجوية وكان موضوع الاجتماع هو اليمن ولم تكن لدي معلومات عن هذا البلد الشقيق غير أن ثورة اندلعت فيه في 26سبتمبر 1962م ودار في الاجتماع أن الموقف صعب في اليمن وهو أن ضابطاً استشهد «نبيل الوقاد» كما استشهد علي عبدالمغني إثر حصار القوات المشتركة في صرواح.. والخ واتجهت الانظار الى هل عندك مانع أن تذهب لتقدير الموقف في اليمن؟.. فأجبت بالموافقة وقيل لي هل تستطيع السفر الى صنعاء الآن، وفعلاً في نفس الليلة سافرت على طائرة «انتينوف» الى صنعاء.
(فاطعته).. ألم يكن لديك معلومات بالقوات المصرية التي سافرت قبلك الى اليمن؟
>> قال: أذكر أنه بعد قيام الثورة ببضع أيام أخذني صديقي صلاح الدين الحديدي مدير الاستخبارات العسكرية الى السويس فوجدت حوالى مائة جندي مصري بالزي المدني ويستعدون للسفر بالسفينة، وسألت صلاح ما هذا؟ فقال لي سنبعثهم الى اليمن .. قلت لماذا؟ فقال هذا بناء على طلب اخوتنا القائمين بالثورة في اليمن.
وفعلاً وصلت الى صنعاء في صباح اليوم التالي نزلنا في مطار ترابي وليس فيه أو حوله أي معالم ونزلت في مسكن العميد علي عبدالخبير والذي سافر مع القاضي محمد محمود الزبيري وبعض الاخوة اليمنيين ثالث يوم الثورة.
يتوقف قليلاً كأنه يريد أن يتذكر شيئاً.. ثم قال:
>> تصور أنني في زيارتي الاخيرة لليمن حاولت أن أصل الى هذا المسكن ولم استطع.. هو كان في حارة صغيرة لكن صنعاء الآن تطورت وتوسعت اضعاف الاضعاف، بما لم يكن تصوره كانت صنعاء مجرد قرية تنتمي الى القرون الوسطى، ولذا يصعب الآن وصف التحولات التي قطعتها.
يعود لمواصلة ذكرياته:
أخبرني علي عبدالخبير أن أعداء الثورة بدأوا يتكالبون على الثورة وأنها بحاجة للعون المصري للاسهام في الدفاع عنها.. ثم جاء الزعيم عبدالله السلال وهو أول من تعرفت عليه في صنعاء وبعده وصل حسن العمري وحسين الدفعي وبعض الاخوة ومن خلالهم بدأت أعرف ما هي اليمن وما هي المشاكل التي تعوق الثورة. وبدأنا نخطط لإنجاز مهمة تأمين القوات العسكرية بعد عملية صرواح..
تأمين القوات المصرية
وبعد بضعة أيام وفي أثناء زيارة المشير عبدالحكيم عامر لليمن شرحت له كيف تعاملنا مع الموقف فقال لي: أنت القائد هنا واعمل الذي تراه..
> هل كان هذا أمر تعيينك قائداً للقوات العربية في اليمن؟
>> نعم وكان في أواخر اكتوبر 1962م.
ثم بدأت عملي كقائد للقوات العربية في اليمن لإنجاز مهمة تأمين الثورة اليمنية وشرعت في عمل تقدير الموقف على الأرض.. الامكانات والاحتياجات للجيش الثوري لقوتهم.. الخ وفي المقابل القوى الإمامية من يدفعها ويدعمها بالمال والسلاح .. الخ.
وقد عانينا في الحصول على خريطة اليمن وخريطة احداثيات وأخيراً استطعنا الحصول على الخرائط من لندن.. تصور.. ووقفنا على المخطط الآثم الذي كان يريد الاجهاز على الثورة ووأدها في مهدها.. دبرت له قوى دولية متحالفة لا تريد لليمن الخير والتقدم.. كان هم الثورة اليمنية وهمنا ان ندحر قوى الردة والتخلف عن اليمن.. فاليمن أصبحت ثورية وجمهورية كل اليمنيين كانوا مع الثورة والجمهورية.. لكن قوى الظلام بدعم خارجي حشدت قواها لتنال من الثورة وتعيد الشعب اليمني الى ماضي الإمامة لكنها فشلت.
> فكيف واجهتم الموقف إذاً؟
>> بدأ تدفق القوات العربية من مصر ورأينا ضرورة تأمين كل المناطق التي تتسلل منها قوات الإمامة والمرتزقة والمغرر بهم وشكلنا القوات المشتركة «اليمنية - المصرية».
كانت خطة أعداء الثورة السيطرة على السهل الساحلي بهدف منع أي إمداد مصري من الموانئ اليمنية ولمواجهة خطتهم وإفشالها قمنا بإجراءات ممتازة لتأمين السهل الساحلي كاملاً وذلك بوحدات يمنية ومصرية وبعض المواطنين الذين يعيشون في مناطق هذا السهل وانهزم المعتدون، وقد قام الاخوة المواطنون اليمنيون في مناطق عبس وحرض وميدي والصليف والمحابشة وغيرها بدور عظيم في تأمين السهل الساحلي طبعاً في تلك الايام كان كل شيء صعباً تماماً أمام العتاد الثقيل بالنسبة للجيش الحديث وكانت هناك مداخل صعبة لكن أمكن التغلب عليها من خلال عون الاخوة المواطنين في هذه المناطق كما أشرت.
معركة حرض
> ويتحدث الفريق أنور القاضي عن معركة حرض قائلاً:
>> الإماميون في ذلك الوقت جمعوا بعض أفراد القبائل المغرر بهم وبعض من الجنود المرتزقة بهدف السيطرة على حرض وبالتالي الوصول الى الحديدة، فكانت المواجهة من القوات المشتركة اليمنية - المصرية معركة قوية جداً مُني العدو فيها بخسائر فادحة في منطقة حرض وتم السيطرة على الموقف وكانت المشكلة في المناطق الجبلية والتي وصل اليها الإمام المخلوع «شهارة ووشحة» وهذه المناطق كانت صعبة.
ليس هزلاً فهم أعداء الثورة
ان الموضوع ليس هزلاً هناك ثورة وجمهورية.. هناك شعب.. هناك قوة وإصرار على حماية الثورة والجمهورية والمحافظة على الارض والتراب.
> يتابع حديثه عن تطور الموقف بالقول:
>> كانت القوات اليمنية في ذلك الوقت تدافع عن صعدة دفاعاً مجيداً وكانت القوى الامامية قد ألبت بعض القبائل حول صعدة ويريدون إسقاط صعدة ووصلت اليها والتقيت بعبدالرحمن الترزي في القيادة هناك وهو ضابط في النظام الثوري واتفقنا اننا سندعمه.
وبدأنا نحشد قواتنا لتأمين منطقة صعدة وكان التعاون عظيماً مع القوات اليمنية تقدمت القوات المشتركة من ريدة الى حوث الى الجوف الى مضيق العمشية الى الصبرة الى مضيق سحار، وقد كنا قد أنزلنا كتيبة مظليين. مهندسين في مدينة صعدة لتمهيد أرض لتكون مطاراً والتقت قواتنا المصرية اليمنية المشتركة في هذا المحور في معارك ضد القوات المتخلفة والمرتزقة لتسجل انتصاراً مجيداً على قوى التخلف.
وبذلك نكون قد أمنّا الى جانب السهل الساحلي محور صعدة.. طبعاً لا أنسى أن قبائل حاشد وبكيل والحدا ساندتنا مساندة عظيمة في دحر الأعداء والعملاء..
انتهى الاشكال في المنطقة السهلية الشمالية والجبلية القريبة منها كل الناس ثوريون جمهوريون الا من بعض الجيوب التي كانت متمركزة في وشحة وشرار.
أما المناطق الجنوبية فليس ثمة إشكال كلهم جمهوريون ثوريون.
المتسللون
يعود ليتحدث عن المتسللين من الشطر الجنوبي أثناء الاستعمار البريطاني.. حيث قال:
>> كان الاستعمار الانجليزي في عدن وأعوانه يعمل على تسريب الاسلحة والدعم للقوى الإمامية عبر الربع الخالي وكانوا يصلون الى الجوف والمناطق الشمالية الشرقية ووجدنا أنه لابد من إيقاف هذا التخريب والدعم الموجه ضد الثورة، وكنت قد درست المنطقة جيداً والتي لم يستطع الأئمة أثناء حكمهم السيطرة عليها فما الذي تم؟
يتابع الفريق أنور القاضي حديثه: تم فتح هذا الجوف ورفع فيه علم الثورة وتأمين هذا الجوف للثورة ومع الثورة تم الحزم ومنها الى مأرب، حيث صفتها من قوات الأعداء في 26 فبراير 1963م على ما أذكر وبعدها الجوبة وحريب فأصبحت الثورة في مأمن.. أصبحت في كل مكان الجمهورية علمها يرفرف في كل الوطن.
> إذن يمكننا القول إن الثورة استطاعت أن تبسط نفوذها خلال 6 أشهر من قيامها وخيبت آمال قوى التخلف والطغيان؟
>> هذا صحيح سادت إرادة الشعب اليمني في الثورة والجمهورية في كل جزء من أرضه خلال ستة أشهور وبالتحديد في 26فبراير 1963م تاريخ انتصار هذه المعركة التي ذكرت الا من بعض الجيوب التخريبية المتسللة تدعمها قوى خارجية استعمارية.
كان الدعم ضرورياً للثورة اليمنية بناء على طلب قيادتها لتأمين الثورة التي كان الاعداء يتكالبون عليها بهدف تصفيتها لكن ها هي الثورة صامدة قوية وأصبحت بعد 6أشهر من قيامها تسيطر على أرضها.
ويتحدث عن بناء الجيش اليمني القوي لحماية الثورة ومكتسباتها.. قال:
>> كانت قيادة الثورة تعمل على بناء قواتها المسلحة والأمن على أسس علمية حديثه.. القادرة على حماية الثورة وصون مكتسبات الشعب.. وفعلاً أصدر الرئيس السلال قراراً جمهورياً في 26 ديسمبر 1962م بفتح باب التجنيد للراغبين في خدمة الدفاع الوطني وتشكيل لجنة عسكرية تتولى الإعداد لبناء جيش يمني قوي.. وفقاً لأحدث الاساليب وفعلاً بدأنا نتعاون في إنشاء وحدات حرس وطني يمني في ديسمبر 1962م وتم تدريب سرايا الحرس الوطني اليمني الذي كان نواة للقوات المسلحة والأمن اليمنية الحديثة.
> بعد هذه المعركة كيف تطور الموقف حيث كان لايزال الاعداء يحشدون محاولاتهم للنيل من الثورة والجمهورية؟
>> اتجه التفكير الى خطوة ثانية وهي اللجوء الى السلام في ظل الوضع الحالي الذي تسيطر فيه الثورة والجمهورية على الموقف كاملاً، واتجه الفكر الى هيئة الأمم المتحدة التي أرسلت قوات سلام في يونيو 1963م لليمن لتزاول أعمالها في تنفيذ اتفاق فصل القوات.. ولكنها بعد فترة وجيزة عادت لتقول إن طبيعة الارض اليمنية صعبة وكان هذا بتأثير من المتدخلين وظللنا في معركة السلام هذه حتى آخر عام 1963م.
القوى الإمامية ومن وراءها لم يكونوا يريدون السلام ولذا سعوا لتعكير صفو السلام فبدأت القلاقل تعود مرة أخرى في بعض المناطق الجبلية الشمالية الغربية.. ازداد تلقيها للمعونات وازداد خطرها يمتد لتهديد قطع طريق صنعاء - الحديدة وهو الشريان الرئيسي للقوات المشتركة اليمنية المصرية.
كانت هذه القوات محتشدة حول منطقة حجة واستمرت المعارك حتى تم طرد الإمام المخلوع وبهذا تم تنظيف هذه المنطقة.
اقرأ ايضا: