تركمان العراق والدبلوماسية المتأخرة
إن فترة السبعة الأشهر التي مرت على ظهور نتائج الانتخابات في العراق أكدت على وجود سباق حقيقي على المناصب شاركت فيه جميع الكتل السياسية، وقد كان السباق صعبا والعملية كانت معقدة لدرجة ان اضطر الفرقاء الى اللجوء للدول الأخرى والقيام بزيارات مكوكية الى مختلف العواصم لكسب الدعم والتأييد، ولإظهار حقيقة أن المطبخ السياسي العراقي يقع خارج الحدود وليس داخلها، وما المبادرة التي أطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز عاهل السعودية بدعوة الأطراف السياسية للاجتماع في الرياض إلا دليل آخر على أن الحل العراقي يأتي من الخارج دائما علما بان الاتفاق الأخير على تقاسم المناصب السيادية لم يتم هو الآخر في العاصمة بغداد وإنما في مدينة اربيل وبرعاية كردية وهو أمر حسن على أي حال .
التركمان هم القومية الثالثة من حيث العدد في العراق ولهم تاريخ قديم في التهميش من قبل الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق بالرغم من بروز الكثير من الكفاءات التي اثبت قدرتها على العمل السياسي والقيادي في مختلف المجالات ، وكانوا يتطلعون الى وضع أفضل في ظل التغيير الذي حدث في العراق بعد 2003، ولكن ذلك لم يحدث حيث تم تقسيم العراق الى ثلاث مجموعات كبيرة وهي عرب سنة وعرب شيعة وكرد، ولا شك بان التقسيم الطائفي منبوذ غير مطلوب يجب على العراقيين التخلص منه آجلا أم عاجلا لأنه مدمر ومرفوض شرعا وعقلا ونقلا و في السر والعلن ولا معنى للإصرار على تكريس هذا الأمر مع إن المجتمع العراقي اقدر على التعايش بين المذاهب وله في ذلك تاريخ طويل ، وأما التقسيم القومي فهو أمر واقع يجب القبول به فالقومية العربية مثلا حركة عريقة ولها رواد ولا عيب في اعتبار التركمان قومية ثالثة لها استحقاقاتها السياسية والوطنية .
التركمان ينقصهم وجود مجلس سياسي أعلى يرعى شئونهم ويوحد خطابهم يضم جميع الفصائل والأحزاب التركمانية دون أن يضر ذلك بتحالفاتها مع القوى الكبيرة وانضواءها تحت مظلتها كما هو حاصل الآن ويحل هذا المجلس محل الصوت الغائب المشتت الضعيف لهم .أقول مرة أخرى بان تقسيم العراق الى سنة وشيعة وأكراد تقسيم غير صحيح فأما سنة وشيعة والأكراد فيهم سنة وشيعة وأما عرب وأكراد وتركمان ، واذا قيل أكراد فليقال عرب وتركمان ايضا و تقسم بينها المناصب السيادية الكبرى حسب الأكثرية العددية.
التركمان لم يكونوا طرفا في تأخير تشكيل الحكومة العراقية وقد نأوا بأنفسهم بعيدا عن الخلافات والمشاكل وهم قومية مسالمة لا تؤمن بالعنف وحمل السلاح بوجه الأخوة من أبناء الوطن الواحد وليس لهم ميليشيات مسلحة، وهذا المنحى السلمي جعل الجبهة التركمانية تنضوي تحت لواء القائمة العراقية برئاسة السيد أياد علاوي في حين انضم الاتحاد الإسلامي لتركمان العراق الى كتلة دولة القانون برئاسة السيد نوري المالكي ، وقد حقق الأخير مكاسب منظورة على الصعيد السياسي من هذا الانضمام بسبب السياسة الصحيحة المنتهجة والدبلوماسية الذكية التي بدأت منذ التغيير حيث اجتمع عدد من قياديي الاتحاد مع السيد اشرف قاضي المبعوث الخاص للأمم المتحدة في بغداد باعتبار أن الأمم المتحدة معنية مباشرة بمراقبة أوضاع الأقليات وإنصافهم ، واستمرت هذه الدبلوماسية الهادئة الى يومنا هذا وكان آخر حلقاتها الاجتماع في القاهرة مع أمين عام جامعة الدول العربية حيث طالبه النائب التركماني عباس البياتي بالعمل على أن يكون للتركمان منصب نائب رئيس الجمهورية أو نائب رئيس الوزراء، والتركمان يعلمون بان مصر دولة مهمة لها عمق عربي ودولي ، وان التحرك الدبلوماسي المتأخر ليس متأخرا شريطة أن لا يتوقف حتى ضمان تحقيق الأماني ولو في المستقبل البعيد، وعلى التركمان أن يأخذوا وجهة نظرهم الموحدة الى كل دول العالم وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا بالإضافة الى إيران وسوريا وتركيا والسعودية والكويت وغيرها لان لهذه الدول اثر خفي في تسيير الأوضاع في العراق.
التركمان مكون أساسي وبعد مهم من الأبعاد السياسية والاجتماعية في المعادلة العراقية حسب قول النائب البياتي وأي تجاهل متعمد لهم قد يؤدي الى ظهور مظاهر متطرفة عير محببة على الساحة.
إن الكلام عن إشراك التركمان في المناصب السيادية كلام قديم جديد وكانت القوى السياسية قد اتفقت في عهد السيد إبراهيم الجعفري على تعيين شخصية تركمانية لمنصب نائب رئيس الوزراء وتم اختيار الدكتورة أنيسة آوجي لشغل المنصب وهي تركمانية سنية ، ولكن تم تجاهل هذا الأمر وتغييبه بالكامل دون معرفة المسئول عن هذا التهميش الغير مبرر مع أن الشخصيات التركمانية التي تسلمت مناصب كبرى كالوزارات اثبتوا كفاءة ونزاهة وقدرة على النجاح في العمل السياسي والمجال الإداري ولمع منهم وجوه عديدة كان لهم أثر بارز على التاريخ العراقي المعاصر.
يمكن للتركمان أن يلعبوادورا أساسيا في الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي في العراق بفضل الموقع الجغرافي والسكاني لهم حيث تقع مناطقهم ضمن شريط يفصل بين مناطق العرب والكرد، ويرى زعماء التركمان بان حكومة الشراكة يجب أن تستوعب التعددية المجتمعية بعدالة وتوازن والتهميش القسري سيكون له نتائج غير مرضية لان الكبت يولد الانفجار.
ويذكر بان مجلس الأمن الوطني الذي تشكل في السابق من 19 عشر عضوا لم يكن بينهم تركماني واحد على أن المطالبة الحالية بمنصب سيادي واحد ليس هو غاية الطموح بل يجب العمل للحصول على وزارتين وعدد من وكلاء الوزارات والسفارات حسب النسبة السكانية ويمكن أن تكون لأمريكا باعتبارها راعية العملية السياسية في العراق دور في هذا المجال كما يجب على تركيا ايضا أن تقوم بواجبها القومي تجاه التركمان ابتداء وتمارس ضغوطا منوعة لتمكينهم من الحصول على حقوقهم المشروعة كمواطنين أصليين ، وتظل الحاجة لتوحيد الصف التركماني من الداخل من خلال تشكيل مجلس أعلى للتركمان يضم جميع الأطراف يقوم بوضع استراتيجيات وخطط لمواجهة التحديات المستقبلية ، وبقي أن نقول بان الوقت ما زال في صالح التركمان شريطة توحيد الكلمة.