مفارقات ومقاربات بين سوريا واليمن .. ثورة عن ثورة تختلف
تختلف الثورة السورية عن مثيلاتها، فخصوصيتها تنبع من أن لها أعماق استراتيجية في المنطقة وأبعاد طائفية ومذهبية. النظام السوري هو نظام عسكري أمني بامتياز وقد نجح خلال أربعة عقود في بناء آلة قمعية متوحّشة، ضخمة مرتبطة بعصبيّتين طائفية وقبلية/عائلية تؤمّن له حتى الآن تعبئة قتالية ورقعة جغرافية يستطيع الاعتماد إليها وتأمين وصول الدعم الخارجي له باطمئنان عبرها.
لقد اختلفت الثورة السورية عن المصرية والتونسية واليمنية في مسالة استخدام النظام الحاكم للقوة العسكرية في قمع الثورة، حيث استعمل الجيش السوري الأسلحة الثقيلة والأسلحة الكيماوية وصواريخ سكود، وارتكب المجازر الوحشية ضد شعبه، بينما لم يستخدم السلاح الثقيل في بقية الدول في مواجهة المتظاهرين.
وتختلف الثورة في سوريا سياسيا عن نظيراتها، بانها تجرى في بلد الحكم فيه عسكري وأمني مدرب على الاعيب وممارسات العمل العسكري الاستخباري. كما ان الثورة السورية تعيش في وضعية صراع مع نظام حاكم يلاقي دعم ومساندة ومشاركة إيرانية وروسية وعراقية وقتالية من حزب الله في قمع الثورة، وهذا ما يجعلها مختلفة عن كل الثورات العربية ولا يمكن تشبيهها بأي ثورة في أي بلد في العالم، اذ لا يمكن ان يوجد نظام في العالم كالنظام السوري بطائفيته وعنصريته ودمويته ... نظام جن جنونه فصار يقود قواته المسلحة في معارك ومجازر يقتل فيها ابناء شعبه يوميا .
تقوم الكثير من الجهات الدولية والصحف العالمية بدعوة الدول العربية إلى الاستفادة من التجربة اليمنية، والذي قد تكون سبيل الشعوب العربية للنهوض من جديد وعبور مأزق المرحلة الانتقالية، وتدعو بشكل خاص سوريا للاستفادة من التجربة اليمنية في الحوار الوطني من اجل وصول الى حل سلمي للثورة السورية من خلال مؤتمر جنيف 2. حيث قال الكاتب الأمريكي توماس فريدمان في مقاله الذي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية وتناقلتها وترجمتها مجموعة كبيرة من الصحف الدولية (أن اليمن قد يكون البلد الوحيد في دول ما يسمى بالربيع العربي الذي شهد العملية السياسية الأكثر تفردًا في مرحلة ما بعد الاضطرابات التي اجتاحته، وقال ان اليمن استطاع النجاح فيما فشلت فيه جميع بلدان الصحوة العربية، حيث بدأ حوار وطني جاد واسع النطاق شمل كل الفصائل السياسية المختلفة،.وأشار فريدمان إلى أنه على الرغم من انتشار السلاح في اليمن، إلا أن الانتفاضة اليمنية قد تكون توجت في نهاية المطاف بالحوار الوطني الأكثر شمولا، بل إن اليمن يعد بمثابة تذكير للثوار السوريين بأن الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد قد يتطلب سلاحًا أفضل).
وفريدمان هو ليس الوحيد الذي اقترح تطبيق التجربة اليمنية في سوريا حيث قام قبله السفير الأمريكي في اليمن والرئيس اليمني بتوجيه النصح لثوار سوريا للاستفادة من التجربة اليمنية في الحوار الوطني. وقال رئيس اليمن في حوار مع إذاعة صوت روسيا (هذا ما نتمناه وما طرحته على الرئيس بوتين، الحرب في سوريا لن تنتهي بمنتصر ومهزوم. فعليكم أن تأخذوا بالتجربة اليمنية . كما أوصى مؤتمر أصدقاء سورية عدة مرات باتباع التجربة اليمنية في سوريا)
هكذا تصريحات تؤكد انه حتى الآن لا يفهم الكثير من المحللين السياسيين والصحافيين والزعماء حقيقة ما يجري في سوريا، حيث يتعامل المجتمع الدولي مع الثورات العربية بشكل سطحي، يقولون ان العرب يتقاتلون تحت مسميات مختلفة ( ربيع عربي) (صحوة عربية) (حراك ثوري) (حرب أهلية) (صراع مسلح على السلطة) (حرب دينية طائفية ) ويعجزون عن فهم الحقيقة وبأنه لا يمكن المقارنة بين ما يجري في المنطقة العربية وبقية الثورات في العالم وبين أي دولة عربية ودولة اخرى فلكل دولة خصوصية لا يمكن مقارنتها بأخرى.
يتحدثون عن الربيع العربي ويشبهونه بالثورات بالدول الأخرى في العالم بدون النظر الى الخلفية السياسية والتاريخية وارتباطه بتدخل الدول الخارجية والوضع الاقليمي والصراع على الشرق الأوسط، ويعتبرون ان اي خطوة في التقدم للأمام هي انجاز ويتجاهلون امكانية (ان تكون النتائج كارثية).
يعتبر عدد كبير من النقاد والمحللين السياسيين ان الحوار الوطني اليمني انجازا وعلى كل الدول العربية التعلم منه، وعلى اليمنيين ان يقبلوا به حتى لو كان يقدم (انصاف الحلول). حيث قال فريدمان (ان اليمنيون بشكل عام يجمعون بان الحوار قد يوفر أرضية حوار للجميع وانه يتوجه لعقد اجتماعي يمني جديد بين كافة مكونات الشعب) ويستبق الأحداث ويعلن ان (المرحلة الانتقالية اليمنية هي نموذج يمكن الاستفادة منه في كافة الثورات العربية وخاصة في ايجاد الحلول للثورة السورية). وقد انتقد العديد من المحللين السياسيين توماس فريدمان وتسرعه في الحكم على نتائج الحوار الوطني اليمني حيث قال سامي غالب: (ان تحليلات فريدمان هي نموذج للأسلوب الأمريكي في التحليلات السياسية المبكرة وغير الناضجة للوضع العربي الراهن).
ومن أكبر الاخطاء التي تم ارتكابها هو تشبيه ما يحدث في اليمن بسوريا، فالوضع السياسي والعسكري والاقليمي ومستوى التدخل الدولي والمصالح الدولية والإقليمية مختلفة تماما عن السياق اليمني. ان الحل في سوريا لن يكون بالحوار السياسي بين الجهات المتصارعة، على العكس ان الحل خرج من ايدي السوريين وصار مرتبط بالصراع الاقليمي والطائفي والمذهبي وبالمصالح الدولية في المنطقة العربية بشكل عام وفي سوريا بشكل خاص، وهذا يحتاج الى حوار دولي لوقف التدخل الخارجي والصراع الدولي على سوريا. يحتاج الى ان تتوقف روسيا وايران والعراق وحزب الله من التدخل في سوريا بدعمها للنظام الأسدي ضد مصالح الشعب المشروعة في الحرية والكرامة. كما يتطلب ان تتوقف الدول التي تدعي بأنها أصدقاء سوريا من التدخل بثورة الشعب السوري والتلاعب بها والادعاء بأنها تدعمها (في الحقيقة هي تقدم دعم بالاسم وليس حقيقي ولا يقارن بدعم الروسي والايراني للأسد) وفق مصالحها المستقبلية .
ان مستوى التدخل الخارجي في سوريا تجاوز حدود القرار السوري فلا الاسد قادر على الحوار بمفرده بدون موافقة ايران وروسيا ولا القوى المعارضة قادرة على الحوار لوحدها بدون موافقة الدول الداعمة لها (أمريكا والاتحاد الأوربي وتركيا والسعودية وقطر وأصدقاء سوريا)
وقد اكد ذلك مبعوث الامم المتحدة الى اليمن جمال بن عمر عندما قال "الوضع في سوريا مختلف عن الوضع في اليمن حيث رغم التباين في وجود المواقف السياسية في اليمن كان هناك توحد على ضرورة الانتقال السلمي للسلطة أما في سوريا فالوضع مختلف تماما" .
الوضع الثوري في البلدين ارتبط بشكل أساسي في الوضع العسكري على الأرض، وهنا الاختلاف كبير بين البلدين حيث لم تكن المؤسستان العسكريتان في سوريا واليمن متشابهة، فانشِقاق بعض فرق الجيش في اليمن يختلف عما حصل في سوريا، فبينما تمترُس جزء كبير من الجيش اليمني في مقارعة وتهديد خصمه ودخول المؤسسة القبلية وبعض الأحزاب ومجموع الثوار في خندق واحد ضد رئيس النظام لم يكن على هذا النحو في الثورة السورية. فالجيش السوري رغم كل الانشقاقات ما زال يدافع عن النظام الأسدي بكل شراسة ويتلقى الدعم التقني والمادي واللوجستي والانخراط الكامل في القتال بشكل وثيق مع حزب الله والعراق والحرس الثوري الايراني، بالإضافة الى الدعم الروسي غير المسبوق. في المقابل ترك الجيش السوري الحر وحيدا بدعم سطحي (اسلحة غير فتاكة) مما ابقاه ضعيفا وغير قادر على الحسم العسكري.
ولكن بعد أكثر من عامين اصبح من الصعوبة المقارنة بين مستقبل الثورتين اليمنية والسورية، فاليمن قد دخل في معمعة التجاذبات السياسية بعيدا عن أصوات الرصاص وهذا بحد ذاته بداية حسنة رغم سلبيات وحساسية المرحلة، إلا إنها على الأقل أبعدت شبح الانزلاق لحرب أهلية وغدت العملية السياسية برمتها برعاية إقليمية ودولية وتحت المجهر، بينما الوضع في سوريا زاد تعقيدا بتمترُس الأطراف الخارجية في موقفهما سواء المؤيدة للنظام او المتحالفة مع المعارضة.
كما يختلف الوضع بالنسبة لرئيسي النظام، فالرئيس اليمني المخلوع أجبر وبعد مماطلة للرضوخ للضغوط الخارجية أكثر منها لاعتبارات داخلية فهو بدهائه معروف عنه الانحناء أمام العواصف التي مرت به في حياته السياسية لأنه يدرك بأن عواقب ذلك وخيمة له، قبل أن يفكر بمصير شعبه! بدليل أن الصراع لازال بين الإرادتين بغض النظر عن خروج الحاكم إلا انه يريد أن يعود بصيغة وواجهة أخرى! بينما يختلف الأمر في الثورة السورية تماما حيث الرئيس السوري لا يرضخ للضغوط الخارجية الجدية، عدا تصريحات من قبل بعض الزعماء تطالبه بالتنحي لا تتجاوز ان تكون مجرد تصريحات فارغة من أي مضمون، فهو متمسك بالحكم (الاسد او لا أحد) (الاسد للابد) فتسارعت التطورات وتزايد العنف المتبادل في كل المدن السورية، وتزايد الوضع تعقيدا وعنفا مما ادى الى استعمال النظام الأسلحة الثقيلة الفتاكة والاسلحة الكيماوية وصواريخ سكود. ولجأ النظام الأسدي الى التعامل مع الثورة بأسلوب طائفي مقيت وتدخلات اقليمية كرست الطائفية والمذهبية من خلال تدخل حزب الله والعراق وايران.
كل هذا يؤكد انه لا يمكن مقارنة ما يجري باليمن بسوريا بالإضافة الى ان التقييم السياسي للوضع اليمني واعلان نجاح الحوار الوطني مبكر جدا. النجاح الوحيد الذي يمكن التحدث عنه هو انه (استطاع ان يجمع اليمنيون حول طاولة الحوار) في غرفة واحدة يتناقشون حول مستقبل اليمن. ولكن هذا لا يعني انهم سيتفقون وانهم سيجدون حلولا لكل الصعوبات والتحديات التي تواجه اليمن.
المشاركون في الحوار قد لا يمثلون كل أطياف الشعب اليمني، سألت بعض الاشخاص العاديين (من عامة الشعب) في اليمن (ما رأيك في الحوار الوطني؟) كانت اجابة معظمهم (ما هذا وما يعني بالنسبة لنا؟ هل هناك فرص عمل؟ هل هناك طعام لمنع المجاعة والخروج من الفقر المدقع؟) وقد ظهرت الكثير من القصص المضحكة (النكت) عن الحوار الوطني اليمني والعبارات مثل (انه تسويق للوهم الوطني) و ( انه مؤتمر النوم الوطني) وتحدث البعض عن انه ( مؤتمر الغرباء والاجانب عن الحوار الوطني اليمني) ... التدخل الدولي كبير ويظهر بشكل واضح في الاعلام وفي توجيه الحوار نحو (المحاور الذي يريد المجتمع الدولي التركيز عليها). لقد تقاسم السفراء العشر المهام مع بعضهم حول المرحلة الانتقالية وذلك من خلال دورهم (كمسهلين للحوار) حيث تقوم (الولايات المتحدة الأمريكية) بقيادة الحوار حول ( اعادة هيكلة الجيش والأمن اليمني) وتسلمت (فرنسا) الدستور اليمني و(بريطانيا) الشرطة والأمن و(الأمم المتحدة) ادارة الحوار الوطني. المهم ان الشعب اليمني يشعر ان المجتمع الدولي يحاول ان يفرض ( اجندته الخاصة للحوار) عوضا عن ان يساهم ويدعم في (التحول الديمقراطي) حيث تؤكد الدراسات واستطلاعات الرأي ان 30% من اليمنيين غير مقتنعين بالحوار الوطني ويخافون من المستقبل وان 12% يعتقدون بأنه لن يكون هناك أي تغيير يذكر، و 8% يعتقدون ان المستقبل سيكون أسوأ من قبل .
على الرغم من مرور أكثر من شهرين على انطلاق مؤتمر الحوار الوطني الشامل في اليمن، إلا أن بوادر الحل للأزمة التي تعصف باليمن لا تزال غير واضحة المعالم ولئن كان الوضع العام يسير نحو الأخذ بخيار دولة اتحادية أو دولة فيدرالية بإقليمين أو أقاليم عدة، إلا أن هذا المشروع لا يزال في مراحله الأولى وسط مؤيدين ورافضين له بعضهم من القوى التقليدية والبعض الآخر من القوى التي لا تزال أسيرة الماضي وتحن لعودة اليمن إلى مربع ما قبل الوحدة التي تحققت في مثل هذه الأيام قبل “ 23 “ عاما .
التدخل الدولي والصراعات الدولية حول المنطقة العربية و(الحوار الدولي) هو الأهم في هذه المرحلة؟ نعم (الحوار الدولي هو أهم حاليا من الحوار الوطني) وخاصة في حال عجز مجلس الأمن عن اتخاذ القرارات الخاصة بحماية المدنيين، طالما الفيتو الروسي هو من يقرر المستقبل السوري بدعم أمريكي فلن تكون هناك أي جدوى للحوار الوطني واي جدوى لجنيف2. لقد أصبح حسم الصراع في داخل سوريا مرتبطًا بحسم الصراعات الإقليمية والدولية أو التوصل إلى تفاهم حولها. ولا يهدف اتفاق جنيف 2 إلا إلى فتح نافذة للتفاوض بين الدول الكبرى نفسها، مستغلة الصراع السوري للتوصل إلى تفاهم أصبح مقدمة ضرورية لوقف الحرب السورية.
على المجتمع الدولي ان يأخذ موقفا نزيها مجردا من المصالح الخاصة ودعم طرف على حساب الطرف الآخر بحجة (محاربة الأرهاب)، اما ان يلعب دوره الاساسي في حماية الأمن والسلم الدوليين وحماية حقوق الانسان، أو ان يترك الشعب السوري لوحده يقرر مصيره.
للتعرف أكثر على الحوار الوطني اليمني انظر المقالة (تطورات جديدة في مؤتمر الحوار الوطني في اليمن، د. شذى ظافر الجندي)