لسان حال الشهيد علي عبدالمغني زعيم تنظيم الضباط الأحرار
أنا الملازم علي محمد حسين عبدالمغني، من مواليد عام 1937م في قرية بيت الرداعي مديرية السدة محافظة إب، تلقيت تعليمي الأولي في مكتب «تبعان» وختمت القرآن الكريم وأنا في السابعة من عمري قبل وفاة والدي بأشهر.
وفي عام 1946م انتقلت إلى صنعاء لمواصلة دراستي.. وفي صنعاء ذهبت إلى منزل حسين الكبسي في «بستان السلطان» لطلب مساعدتي بدخولي مكتب الأيتام, والذي رحب بي وطلب مني البقاء في منزله واعتبرني كأحد أولاده، وبعد أيام ألحقني بمكتب الأيتام وقررت لجنة الاختبارات في مكتب الأيتام أن يدخل علي عبدالمغني الصف الرابع- حسب مستواي- وواصلت دراستي بتفوق.
وفي ثورة 48م كان ولي العهد أحمد قد وصل حجة ومعظم القبائل تجتمع معه وقد بدأت بالزحف على صنعاء، ذهبت إلى منزل السيد حسين الكبسي أحد رموز ثورة 48، فوجدت عنده في المنزل الرئيس جمال جميل العراقي "قائد الثورة" والذي حدثت لي قصة طريفة معه؛ فما إن وصلت وسلمت عليهما حتى دعاني الرئيس جمال جميل وأجلسني بجانبه وسألني: فيم تكون السعادة؟ فأجبته بسرعة وبدون تردد: السعادة تكون في الحرية. فضمني جمال جميل إلى صدره، وقال وهو ينظر إليّ بتأمل كبير:«لو فشلت ثورتنا- لا سمح الله- فهذا الشبل هو الذي سيسحقهم ويكمل ما بدأناه».. هكذا كان تفاؤل الرئيس جمال جميل بي رغم صغر سني, فحينذاك لم أتجاوز الحادية عشرة من عمري.
وأعطاني الرئيس جمال جميل مبلغ «ألف ريال فرانصي» ماري تيريزا - عملة فضية- وكان هذا مبلغاً كبيراً وخرافياً، وقال لي: هذا المبلغ لك جائزة، وعليك أن تهتم بالعلم ولا يشغلك عن التعليم شيء. وظل هذا المبلغ معي أصرف منه طيلة أيام الدراسة؛ حيث أودعته عند العم عبده قاسم (من السدة) وكان معه بيت وفرن للخبز في باب السباح، وكنت آخذ منه ريالين فقط في كل شهر.
وبعد أن فشلت ثورة (48) واعتلى الإمام أحمد عرش الإمامة وأباح صنعاء للقبائل لنهب وسلب ممتلكات أهاليها وقبض على الثوار وأنزلهم السجون في صنعاء وحجة وأمر بإعدامهم، ومنهم الرئيس جمال جميل الذي كان في سجن القلعة بصنعاء, وأمر بإعدامه في ميدان شراره (ميدان التحرير) حالياً.. وقبل إعدامه قال للإمام والحاضرين: قد «حبّلناها وستلد». وفعلاً كان أمل جمال جميل في محله، فكنت- وبلا فخر- في مقدمة الضباط الأحرار الذين سحقوا عرش الإمامة, وانبلج نور الحرية والجمهورية بالثورة السبتمبرية الخالدة, وتحقق النصر الذي كان يريده الشهيدان جمال جميل وحسين الكبسي.
أكملت دراستي في مكتب الأيتام وانتقلت إلى المدرسة المتوسطة، درست فيها ثلاث سنوات بتفوق، وانتقلت بعدها إلى الثانوية وكان نظام الدراسة في المدرسة الثانوية أربع سنوات.
في سنة ثالث ثانوي توفى مدير المدرسة وأجمع المدرسون والطلبة أن أكون قائماً بأعمال مدير المدرسة، ووافقت وزارة المعارف (التربية والتعليم) على ذلك. وفي السنة الرابعة دمجت المدرسة التحضيرية مع المدرسة الثانوية وتعيَّن علي عبدالكريم الفضيل- مدير التحضيرية سابقاً- مديراً للمدرسة الثانوية بعد الدمج, وتخرجت من المدرسة الثانوية في ذلك العام وحزت المرتبة الأولى بامتياز.
وفي العام 1958م التحقت بالكلية الحربية ضمن الدفعة الثانية المعروفة الآن باسم دفعة علي عبدالمغني، وتخرجت بتقدير الأول بامتياز, وأقامت الكلية الحربية حفل التخرج وألقيت كلمة الخريجين، وعند تسليم الجوائز والشهادات لأوائل الخريجين استلمت جائزتي وشهادتي ثم تفاجأت بأن ولي العهد (البدر) أهداني (قلمه الخاص) وهو قلم من الذهب.. وبهذا القلم قمت بصياغة أهداف الثورة اليمنية.
وكنت أردد دائماً: «اللهم أسمعني إعلان الجمهورية وأموت» وقد تحقق لي ذلك وسمعت إعلان الجمهورية لمدة سبعة أيام قبل أن أنال الشهادة في منطقة صرواح بمأرب.
وبعد تخرجي من الكلية الحربية التحقت بمدرسة الأسلحة, ثم بدأنا في التحضير للثورة وتشكيل "تنظيم الضباط الأحرار" وتواصلنا مع العلماء والمثقفين والمشائخ وكل الأحرار داخل اليمن وخارجها.
وفي شهر يوليو 62م التقيت بالزعيم جمال عبدالناصر على متن باخرة مصرية في البحر الأحمر بشرم الشيخ؛ حيث سافرت إلى هناك على ظهر الباخرة اليمنية (مأرب) التي كان قبطانها الرائد محمد علي عبدالمغني, وكان انطلاقنا من المخا، وقد رتب لهذه الزيارة محمد عبدالواحد القائم بأعمال السفارة المصرية بصنعاء، حينذاك.
وحصلت على وعود من الزعيم جمال عبدالناصر بدعم ونصرة الثورة اليمنية.
بعد عودتي من مصرنظمنا مظاهرة الطلبة في كل من صنعاء وتعز والحديدة, في شهرأغسطس62م, لأنني أدركت أن هذه المظاهرة هي الجرس الذي سيجعل جميع اليمنيين يصحون من نومهم وإذا صحا الشعب من نومه فهو القادر والمتكفل بحماية الثورة؛ خاصة وأننا كطلبة ننتمي إلى كل المناطق اليمنية.
وفي ليلة الثورة السبتمبرية اجتمعنا مع مشائخ اليمن الذين وصلوا صنعاء لمبايعة الإمام وأشركناهم مع الضباط في تفجيرالثورة ليلة السادس والعشرين من سبتمبر 62م. وللمصادفة فقد كتبنا أهداف الثورة باسم "الجمهورية اليمنية"!
وكان معي العديد من زملائي الضباط الأحرار، ومنهم على سبيل المثال المناضل الكبير محمد مطهر زيد وأحمد أحمد الكبسي وناجي علي الأشول وعبدالله عبدالسلام صبرة وعلي علي الحيمي ويحيى المتوكل ومحمد الوشلي ويوسف وطاهر الشهاري وأحمد قائد العصري وناجي المسيلي ومثنى الحضيري وغيرهم.
لقد قمنا بالثورة ضد الحكم الإمامي بهدف التحرر من الاستبداد والظلم والقهر والجوع والمرض.. من أجل حرية وكرامة المواطن اليمني.. من أجل إزالة الفوارق الطبقية في المجتمع.. من أجل إزالة مظاهر التخلف في التعليم والصحة والاقتصاد والبنية التحتية وغيرها..
نحن نفّذنا الثورة التي خطط لها العباقرة الأوائل من الثوار، ولكن للأسف الشديد فقد استغلها الجبناء الذين ركبوا موجة الثورة، وقاموا بتجييرها لمصالحهم الشخصية والعائلية والمناطقية.. واكتفوا بتنظيم المهرجانات الخطابية في كل سنة يبيعون الكلام للشعب ويرمون الهاشميين بأقذع الشتائم، وينسبون إليهم مسؤولية فشلهم الذريع؛ بينما ثورتنا كانت ثورة قيم وأخلاق وعمل وبناء؛ بالإضافة إلى أن من أبرز الثوار كانوا من الهاشميين مثل الوزير والمطاع والموشكي، وزميلي ورفيقي محمد مطهر زيد، وأحمد مطهر زيد وأحمد الكبسي وغيرهم.
الثورة أيها السادة ليست مهرجانات أو خطابات أو كرنفالات.. كلا، إنها تغيير حقيقي للأفضل.. تطور وتقدم وعمل وإنتاج وبناء وإخلاص وقيم وأخلاق. الثورة ليست عبارات وكلمات وإنما حقائق وأرقاماً اقتصادية وعلمية. الثورة ليست مجرد كتب وندوات لما يسمى بالتوجيه المعنوي, وادعاءات كاذبة تحت لافتة "توثيق أحداث الثورة".. الثورة تضحية وإيثار وتسابق إيجابي لاجتراح المنجزات الحقيقية.
بالله عليكم، خمسين سنة منذ اندلاع الثورة ولم تتحقق حتى بعض أهدافها! انتقلنا من إمام واحد إلى أكثر من إمام وأكثر من ملك تحت غطاء جمهوري! لا يزال الاستبداد هو السائد, والحروب القبلية والأهلية هي اللغة المتسيدة. الجيش تحول من "جيش حافي" إلى جيوش شخصية وأسرية ومناطقية!! التعليم في تراجع مستمر، وكلما زاد بناء المدارس أو وضعت أحجار الأساس لها ارتفعت نسبة الأمية!! لا تزال الأمراض القديمة مستوطنة في بلادنا! وحتى الطرقات التي يفاخر بها البعض فباستثناء الطرق التي شيدها الشهيد الحمدي وجمهورية الصين فقد تحولت الطرق إلى أدوات قتل جماعية، وأصبح عدد ضحايا الحوادث المرورية يضاهي أعداد ضحايا حرب إقليمية!!
أما الوحدة اليمنية فقد تم تجييرها واستغلالها ذريعة لممارسة القتل والنهب والاستحواذ، وقضيتم حتى على الوحدة المجتمعية في قلوب أبناء اليمن جنوباً وشمالاً.. ثم ها أنتم الآن تتفاوضون ليس لإعادة التشطير فحسب، بل لتمزيق اليمن وتجزئتها إلى أقاليم ومخاليف ودويلات ومشيخات وسلطنات!!
لا نريد محاسبتكم على التخلص من رموز الثورة.. لا نسألكم عن هوية قتلة الشهيد الزبيري.. لا أعاتبكم على تضييع مكان دفني (القبر) لمدة 25 عاماً, ثم أقمتم ضريحاً على قارعة الطريق يتبول عليه المارة ويرمونه بالقاذورات!!
أليس من المعيب والمخجل على حكام اليمن أن يستمروا في امتهان التسول المادي ومد أيديهم للخارج.. وهذا لم يفعله حتى الحكم الملكي البائد!!
أليس من العار أن يفاخر بعض اليمنيين بعلاقاتهم غير الشرعية بدول خارجية واستلامهم أموالاً معلنة وبكل بجاحة، وكأن العمالة غدت عملاً وطنياً!!
ثم كيف تثقون بدولة كالسعودية بأنها تساعد اليمن، بينما هي في الحقيقة لا تريد أي خير لليمن مطلقاً.. وهذا معروف وواضح على مدى التاريخ ولا يحتاج إلى أدنى دليل؟! وإذا كان ولا بد من دليل فعليكم أن تسألوا أنفسكم عمن احتضن بيت حميد الدين؟ ومن دعم الملكيين في حصار السبعين يوماً؟ ومن يمتهن المغتربين اليمنيين في السعودية؟ ومن الذي استولى على جزء كبير من الأراضي اليمنية من خلال شراء ذمة وضمير الرئيس السابق- مع احترامي لمواقفه المادية تجاه أسرتي وإن كان هدفه من وراء ذلك هو الظهور الأخلاقي في وسائل الإعلام؟! وبالمناسبة لم أستطع رفض قراره بمنحي وسام 26 سبتمبر من الدرجة الأولى في عام 94م؛ لأنه أصلاً لم يتم تنفيذه وتسليمه!!
وفيما يتعلق بالثورة الشبابية الشعبية فأنا أتقدم بالشكر الجزيل لشباب ثورة 11 فبراير 2011م، على عدم نسيانهم لثوار 26 سبتمبر، ومواصلة مسيرة الثورة الشعبية ولكن بطريقة سلمية أثبتت قدرتها على خلع رأس الاستبداد، وكاد خيرها أن يعمّ كل مفاصل ومؤسسات الدولة لولا التدخل الخليجي لإنقاذ عملائهم من النهاية المحققة. وكنت أتمنى عدم الوقوع في أفخاخ المبادرة الخليجية، وعدم الوثوق بالدور السعودي؛ لأن السعودية لا تتفق إلا مع المستبدين والإماميين والبائعين لأوطانهم وشعوبهم!