اخبار الساعة

لماذا لا يستوعب العرب قيم الديمقراطية؟

اخبار الساعة - عبدالوهاب العمراني بتاريخ: 20-11-2013 | 11 سنوات مضت القراءات : (2883) قراءة

الراصد لمآلات الربيع العربي من منظور معطياتها وفي جزئية النمو الديمقراطي تحديداً، تنتابه أحاسيس اليأس والقنوط، حيث كان المتوقع ازدهارها بعد أفول الأنظمة الشمولية، التي سعت منذ عقود لإدخال تعديلات شكلية لا تمس بحقيقة الديمقراطية، اعتقادا منها بتحجيم الضغوط الأجنبية الخارجية وإرضاء معارضيها في الداخل، والحال أن من يتابع ويرصد نمو الديمقراطية المتعثرة يطرح جملة من التساؤلات، حيث تبدو العلاقة بين العرب والديمقراطية متباينة في الرؤى والغاية في جوهرها لدى الحاكم والمحكوم وما بينهما النخب المثقفة، وغدت الديمقراطية فقط نصوصا نظرية في التشريعات والدساتير منذ خمسينيات القرن الماضي، ولم تترسخ كسلوك حضاري طيلة هذا الزمن رغم تنامي حالة الوعي وتطور ثورة المعلومات.

اللافت أن كل المختلفين في المشهد السياسي في بلدان الربيع العربي التي اجتاحتها موجة التغيير والتحولات يقرّون بأهمية الديمقراطية ـ فكل يدعي وصلا بليلى، وليلى لا تقر لهم بذاكا ـ ولكنها تبدو كما يرى البعض مثل علاقة قيس بليلى بمعنى حبا عذريا خالصا، فطالما تغزل المثقفون العرب بالديمقراطية منذ عقود، سبقتهم نخب كانت تحلم بعصر النهضة منذ مطلع القرن المنصرم، ولها نصوص ادبية في مقارعة الاستبداد، وكانت لتلك النخب أفكار ورؤى طوباوية وأخرى لامست هموم ذلك الجيل. ولم يكن متوقعا تعثر وتأخر الديمقراطية لما يقارب قرنا من الزمن.

ويبدو أن منتصف القرن الماضي، الذي جاء من فوهة البندقية وعلى ظهر الدبابة بالشرعية الثورية والمد القومي متجاوزاً القيم الديمقراطية المفترضة، وتبين بمرور الزمن خطأ تلك الأولويات، وعندما تعاملت الأنظمة العربية مع الديمقراطية كانت مكبلة بجيل مسخ تأثر بثقافة العسكرتارية والأنظمة الشمولية، وكانت مشبعة بهوس السلطة، وهو ما تبين جليا بعد ثورات الربيع العربي، حيث وأدت تلك القيم الديمقراطية لأسباب متباينة، منها الصراع والخلاف الفكري الذي يرتكز على تيارين، تــيار علماني وتيار الإسلام السياسي، فانقسمت المجتمعات في تلك البلدان.

والأخطر من ذلك أن الاختلاف شمل المحسوبين على التيار الإسلامي المنقسمين في ما بينهم مذهبيا، الأمر الذي زاد من تداخل الديني (المذهبي) بالسياسي، وبات سمة المشهد السياسي الحالي في اغلب بلدان الربيع العربي، التي اجتاحتها الثورات منذ أكثر من عامين، ودخلت في صراع مزدوج على النحو المشار إليه وسط ذهول وحيرة الأغلبية الصامتة في مستنقع ضبابية المفاهيم، وتاهت الشعوب التي تنشد الأمن والاستقرار والعيش الكريم في سوق النخاسة السياسية للأسف!

من سمات الربــــيع العــــربي خــــروج الملايين للشارع، ولكنهم عمليا في تطبيق الديمقراطية غير ذلك، سواء لدى النخب الحاكمة أو المحكومة، من المثقفين وسواهم، ومن هنا فلسان حال المتفرج اللبيب والساخر لما آلت إليه الثورات المجلجلة هو فشل للديمقراطية أم ديمقراطية الفاشلين.

وكذا يتساءل البعض هل العرب غير ناضجين ثقافيا وسياسيا، ولكن واقع الحال أنهم يصبحون على سياسية ويمسون عليها، ولاسيما في الألفية الثالثة التي سهلت ثورة المعلومات والاتصالات وتداولها في متناول الجميع وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي ونحو ذلك، ولكن بالمقابل فان النخب السياسية والثقافية في اغلبها انتهازية وطفيلية، وليست تلك التي يعول عليها الرأي العام، وهو ما يعبر عنه بالأغلبية الصامتة، فتلك الفئات جمعتها المصالح وتحالفت السلطة في تسخير التشريعات والدساتير لإغراض آنية سرعان ما تتبدل بتبدل النخب الحاكمة.

أسفرت موجة الربيع العربي عن تناقض صارخ لدى النُخب الثقافية المعوّل عليها حمل مشاعل التغيير والتنوير، فهي في الوقت الذي تتغزل بالديمقراطية لكنها في الوقت ذاته تحن لجزمة العسكر، وعجبي لشعب يتغنى بجلاديه، والأمثلة على ذلك كثيرة، سواء في مصر الكنانة وتونس أو حتى اليمن وغيرها، غير مدركين انه من السهولة بمكان تمرير وهم الديمقراطية في شعوب جاهلة جائعة بشراء أصواتها، بل حتى البعض بدون حتى إغرائها بالمادة، فالجهل مسيطر على عقولها بولاء تلك الشرائح وحنينها لجلاديها.

الإشكال الجوهري في التفكير الجمعي العربي أن الإنسان العربي غدا يفكر بعقلية حاكمه، ولا يتبين للبعض مدى حجم الفساد والظلم إلا بعد رحيله! فقد ينظرون لحياتهم وفق رؤية النخب الحاكمة التي يحلو لها الترويج لمثل تلك الثقافات ولم تتجرأ على إطلاق العنان لحرية الفكر بدراسة كل الظواهر وفق رؤية شخصية ومن ثم وطنية في قراءة تاريخهم.

الإشكال الآخر هنا ان البيئة المفترضة لنمو الديمقراطية غير متاحة عند شعوب يجتاحها الفقر والأمية، متلازما مع نزعات أنانية ونرجسية لدى قيادات معتقة لا تؤمن بحتمية التغيير، بل تمتاز بروح إقصائية ونزعات انفصالية، وهو ما تبين بعد هدوء عاصفة الربيع العربي، فرأينا الأقليات والإثنيات تتطلع للاستقلال، سواء اكانوا أكراد العراق او طوارق ليبيا وفي شمال اليمن وجنوبه. المفارقة في الحالة اليمنية هو التقاء النزعات الجهوية في جنوبه بالمذهبية في شماله، وكل منهما يريد تقرير مصيره، كل ذلك جراء غياب الديمقراطية الحقيقية، فبدلا من البحث عن الدواء يتجهون لبتر كياناتهم، فما ذنب الأرض والجغرافيا عندما تتعرض لسكاكين الساسة وذبح الأوطان فقط من اجل السلطة.

الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان … قِيمُ عظيمة ولم ينعم الغرب بها إلا بعد قرون من المعاناة من سيطرة الكنسية والإقطاع، وتطورت من خلال خبرات ومخاض طويل وعسير، والديمقراطية في الغاية والمنتهى ترمي إلى تحقيق توازن مجتمعي وتحقيق نوع من العدالة الاجتماعية، وهو الأمر الذي يقلل من حالة الاحتقان المفترضة.

لقد مرت أوروبا في تاريخها الحديث بفترة من عدم الاستقرار والنزاعات الإقليمية وحروب دامية، منها حربان عالميتان، ولكن هذه الفترة ولت إلى غير رجعة منذ نهاية النصف الأول من القرن الماضي، معلنة عهدا جديدا من التعايش وقبول الآخر بل وشهدت الخمسينيات بداية نواة الاتحاد الأوروبي.

أما التحول في بلدان أوروبا الشرقية التي انتقلت من الحكم الشمولي إلى الديمقراطي

قد نجحت، لوعى تلك الشعوب ومقدرتها على تخطي العقبات المحتملة ، وعدم انزلاقها الى الفوضى او الاقتتال والتنافس على السلطة إلا ضمن اللعبة الديمقراطية التي اقر بها جميع اللاعبين. وليس نجاح الديمقراطية حكرا على الغرب فحسب ولكنها اقدم النماذج، فهناك امثلة من دول آسيوية وفي أمريكا اللاتينية التي ذهبت الانقلابات العسكرية في بعضها إلى غير رجعة، فلماذا تعثر التحول الديمقراطي لدى العرب ونجح غيرهم؟

لعل من إفرازات ثورات الربيع العربي هو وصول أحزاب الإسلام السياسي إلى السلطة التي خلقت حالة من عدم الرضى من قِبل القوى المعارضة لها في بعض بلدان الربيع العربي، ولاسيما تلك التي تجذّر فيها الفكر الليبرالي والعلماني لدى البعض، كمصر وتونس، وكان يتوقع أنها أكثر من غيرها ستتناغم وتنسجم مع تلك المعطيات، ولكن الأمور سارت بخلاف ما كان متوقعا، فلا شفافية ولا حرية وإنما قمع الحريات الشخصية لدرجة الإقصاء ليس من المشهد السياسي فحسب، بل ومن حق الحياة. وحوادث الاغتيالات في تونس وليبيا كانت سلوكا مفاجئا في المشهد السياسي، وهنا عود على بدء لطرح التساؤل المحير، هل فعلا العرب غير مؤهلين للتحولات الديمقراطية؟!

 

‘ كاتب وسياسي يمني

اقرأ ايضا: