المبحوح: خفايا وأسرار الاغتيال (الحلقة الثانية)
اخبار الساعة - المجد بتاريخ: 28-01-2014 | 11 سنوات مضت
القراءات : (6700) قراءة
نتنياهو يتعشى في مقر الموساد
عندما قرأ نتنياهو ملف محمود المبحوح قال بصوت خافت "أريد رأس هذا الرجل" وصمت برهة وعاد إلى الكلام بصوت مرتفع "أريده بأي ثمن" في هذا التوقيت المناسب والمشحون بالغضب والإصرار على القتل تقدم مائير دوجان رئيس الموساد بورقة يطلب فيها مصادقة رئيس الوزراء على عملية قتل المبحوح.
رفع نتنياهو رأسه يريد التأكد من توفر كل عوامل نجاح العملية فلما وجد نظرة ثقة من داجان قام على الفور بتوقيع القرار تاركاً التفاصيل لرئيس الموساد.
تقول صحيفة صاندي تايمز البريطانية أن نتنياهو صادق شخصياً على عملية اغتيال المسؤول الحمساوي محمود المبحوح في دبي، وذلك خلال زيارة قام بها نتنياهو لمقر قيادة جهاز الموساد في مطلع شهر كانون الثاني/ يناير 2010.
وحسب الصحيفة البريطانية التقى نتنياهو هناك عدداً من كبار قادة الموساد والأجهزة الأمنية الأخرى، وقال لهم إن الشعب الصهيوني يعتمد عليهم في التخلص من صداع هذا الرجل الخفي متمنياً لهم النجاح، وبعدها تناول معهم طعام العشاء.
ونشرت الصحيفة اللندنية تقريراً وافياً لمراسلها في تل الربيع المحتلة عوزي محانيمي عن عملية اغتيال المبحوح ووقوف الموساد وراء العملية – بحسب الصحيفة.
وقالت الصحيفة أن سيارتي ليموزين فاخرتين سوداوين من طراز (أودي) دخلتا في مطلع يناير 2010 البوابة الرئيسية لمبنى مقر الموساد المعروف باسم (مدراشاة – أي مدرسة) والكائن على تلة صغيرة في ضواحي تل الربيع الشمالية، وقد خرج بنيامين نتنياهو من إحدى السيارتين وكان في استقباله في البوابة رئيس الموساد مائير داجان، وبعد حديث هامس دخل نتنياهو بسرعة إلى المقر ومن خلفه بنصف خطوة كان داجان يتابعه، كان كل شيء معداً بالداخل، معلومات بسيطة عن عملية الاغتيال والمشاكل التي يمكن أن تترتب عليها لكن داجان كان واثقاً من نجاح العملية، لذلك لم يكن صعباً في أن يحصل على موافقة رئيس الوزراء الضرورية "وبدونها لا تتم العملية إطلاقاً" خاصة وأن نتنياهو اعتبر أن اغتيال المبحوح هو هدف قومي لدولة الكيان الصهيوني على حد وصف الصحيفة البريطانية.
وكتب المعلق العسكري الصهيوني يواف ليمور حول هذه الحادثة يقول إن عملية اغتيال المبحوح لم تنفذ من أجل الثأر للجنديين فحسب، كما تتصور حماس، ولكنها نفذت من أجل تحقيق هدفين: إظهار قوة الاستخبارات وذراعها الطويلة حتى في مدن بعيدة عن تطورات الصراع مثل دبي من جهة، وإفشال عمليات أخرى للحصول على أسلحة متطورة كان المبحوح يجهز لها، من جهة ثانية، وإلى ذلك أضاف أن المبحوح كان يخطط لأسر أكثر من جندي صهيوني حتى يتم مبادلتهم بالأسرى الفلسطينيين في سجون الكيان الصهيوني وعددهم يفوق 11 ألف معتقل، على غرار ما فعل حزب الله، وأن المبحوح التقى في عاصمة غير عربية مع مسؤولين من حزب الله وناقشوا معه الفرص الممكنة لأسر جنود صهاينة وهي ضربة قاسية للقيادة الصهيونية، وأشار ليمور إلى أن تنفيذ عملية اغتيال المبحوح سيترتب عليها أن تقوم حماس بمراجعة حساباتها ووقف خططها لأسر جنود إلى حين إيجاد بديل آخر يحل محله.
محاولة اغتيال بالسم
ومن مزايا حركة حماس في المجال الاستخباراتي أنها لا تثرثر كثيراً عن عملياتها أو العمليات التي تنفذ ضدها ولم تسرب شيئاً مفيداً عن المبحوح، وكما عاش في الظل أرادت أن يستشهد في هدوء استناداً إلى أن كل معلومة عنه ولو بسيطة سوف يستفيد منها العدو، لذلك ندرت التصريحات العملياتية المرتبطة بالرجل وأدواره ونشاطاته سواء في حياته أو حتى بعد استشهاده.
تقول مصادر فلسطينية مطلعة أن محمود المبحوح تعرض قبل ستة أشهر من اغتياله أي في يونيو 2009 لمحاولة تسميم نجا منها بفضل عناية الأطباء، كما تعرض لمحاولة خطف أو قتل أثناء وجوده في دولة عربية، لكنه قاوم الخاطفين وأجبرهم على الفرار ولم يشأ أن يُسجل ذلك في محاضر رسمية حتى لا يكشف نفسه.
جواسيس في طائرة وزير صهيوني
وإذا كان الأمر كذلك فإن السؤال المنطقي هو: كيف وصل كل هذا العدد من الجواسيس أو العملاء الذين شاركوا في الاغتيال وهم 26 شخصاً؟
وما هي المهام الموكلة لكل شخص وكيف شاركت بعض النساء في العملية وما هي أدوارهن؟
الكيان الصهيوني دولة خارج القانون ... هذا ما يقوله رجال القانون الدولي ويرصدون عشرات المرات التي تجاوزت فيها القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن والمواثيق الدولية، فالكيان الصهيوني عبارة عن عصابات صهيونية تؤدي دورها كبلطجي في نظام رأسمالي عالمي، ولا يستبعد أن تمارس عدواناً على سيادة الدول من أجل تنفيذ عملية إجرامية، لذلك كان طبيعياً أن يخطط الموساد لاغتيال المبحوح بعيداً عن أرض فلسطين فمن الصعب اغتياله في أرضه فظل يتربص به ويجمع معلومات صغيرة عنه ظلت تتراكم في ملف خاص إلى أن شكلت لوحة لاحتمالات خروجه إلى دبي وكانت هذه هي الفرصة السانحة لاغتياله.
وقد ارتبط بتوقيت الاغتيال مناسبة هامة ساعدت الموساد على بلوغ الهدف في سرية مطلقة، كانت المناسبة هي زيارة وزير الطاقة الصهيوني عوزي لانداو إلى الامارات للمشاركة في اجتماعات الوكالة الدولية للطاقة الجديدة والمتجددة، وقد جاء على متن طائرة خاصة، وكانت تلك فرصة لإدخال ستة من رجال الموساد إلى بطن الطائرة من ضمن الوفد الأمني والإعلامي المرافق للوزير وقد أيد محللون صهاينة ما أعلنته حركة حماس من أن عملاء الاستخبارات الخارجية (الموساد) تمكنوا من اغتيال القيادي المبحوح في دبي بعد أن وصلوا إلى أبو ظبي برفقة وزير البنى التحتية عوزي لانداو الذي شارك في مؤتمر بيئي في الإمارات العربية المتحدة قبل أيام من عملية الاغتيال.
لماذا الاغتيال في دبي وليس الخرطوم؟
لكن السؤال الذي طرحه رجال الاستخبارات في فلسطين وفي عواصم أخرى هو: لماذا اختار الموساد "دبي" بالذات مع أنه كان في خطة المبحوح الذهاب إلى الصين والسودان؟ وكان يمكن الإيقاع به في السودان على أساس وجود صراعات عرقية أو مناطقية وتتوفر إمكانية اغتيال القادة في بلد مضطرب أمنياً حسب التقديرات الصهيونية؟
ربما كان من السهل الإجابة بأن الاستخبارات السودانية قوية وهي اكتشفت من قبل بالتعاون مع جهاز استخباراتي عربي وجود الفدائي كارلوس المطلوب في عدة عواصم أوروبية من بينها فرنسا، أو أن الاستخبارات السودانية هي التي طلبت من أسامة بن لادن في التسعينيات مغادرة البلاد خشية تعرضه لعملية اغتيال، كما أن ظهور عناصر الموساد وكذلك العملاء وهم من ذوي السحنة البيضاء سيجعلهم محط الأنظار والمراقبة، لكن اختيار دبي كان نموذجياً في نظر الموساد فمن الطبيعي أن يأتي إلى دبي رجال أعمال وسياح من جميع أنحاء العالم، ولن يلفت نظر الجهات الأمنية تواجد كل هذا العدد من الرجال أو النساء الشقراوات في بهو الفندق أو بين الغرف فهذا أمر طبيعي.
حرب خارج الحدود
ماذا بعد مقتل المبحوح في دبي؟
اغتيال المبحوح لن يمر بسهولة بل ينذر ببدء مرحلة أخرى من الحرب خارج الحدود بين حماس والكيان الصهيوني، مماثلة لتلك التي وقعت قبل عدة عقود بين الكيان الصهيوني ومنظمة التحرير الفلسطينية، وتعهدت حماس بعملية انتقام مشابهة، حيث هددت بتوسيع نطاق عملياتها إلى مناطق في الخارج ضد مسئولين صهاينة، وصرح واحد من كبار مسئولي حماس، "لقد التزمنا من قبل بأن تكون المواجهة بيننا وبين العدو الصهيوني داخل الأراضي المحتلة، وتريد دولة الكيان تغيير قواعد اللعبة وفتح الساحة الدولية للمعارك وبالتالي سوف تكون مسؤولة عن رد فعل ملائم ومماثل من جانبنا".
اقرأ ايضا: