اخبار الساعة

في اليمن وسواه البحث عن مخرج آمن

اخبار الساعة - عبدالوهاب العمراني بتاريخ: 17-05-2014 | 10 سنوات مضت القراءات : (3059) قراءة

بعد أكثر من ثلاث سنوات من انطلاقة شرارة الربيع العربي من جنوب تونس، لازالت تلك البلدان التي عصفت بها رياح التغيير تراوح مكانها، بل وتتراجع على أصعدة مختلفة، فالدولة المركزية تتهاوى وهيبة الدولة تكاد تتوارى وتتلاشى، فغدا الأمن هاجس تلك البلدان وكأنه مقدر لها إما العيش تحت حكم استبدادي إقصائي او الفوضى التي تطبع بها المشهد السياسي في أكثر من دولة عربية.

تتزامن حالة تداعيات الربيع العربي بعد ثلاث سنوات عجاف مع ربيع انتخابات الرؤساء المعتقين، فهل هذا من قبيل المصادفة أيضا ما يجري من موسم الانتخابات في أكثر من بلد عربي، كما في العراق وسوريا ومصر والجزائر، او إعادة إنتاجهم فالدولة العميقة لازالت هي نفسها وبصيغ متحولة خادعة، والنخب تجدد ولاءها، حتى ما يجري في اليمن يصنف في هذا السياق ولو بصورة مغايرة، فتوافق النُخب والأحزاب على الرئيس اليمني الحالي المؤقت كان لفترة معينة انقضت بدون ان يتحقق شيء، وبعد حوار طويل افرز جملة من المخرجات التي لم تلق تفاعلا من الشعب بقدر ما فتحت الباب للتكهنات والجدل العقيم في كل تفاصيل ما تم الاتفاق عليه.

هل يعني اتجاه أكثر من بلد عربي للانتخابات الرئاسية في أوقات متقاربة نوعا من من الترتيب المسبق، اذا سلمنا جدلا بنظرية المؤامرة، أم ان مآلات الربيع العربي متشابهة ودخلت في طور التحول الجديد؟

وفق هذا المنظور يعتقد بعض المحللين بأن الدولة العميقة لازالت تنخر في جسد تلك الأنظمة التي عصفت بها محاولات رياح التغيير، وهي الان في طور إعادة تموضعها وتجديد شرعيتها بصيغ وأشكال مختلفة، وربما تغيرت بعض النخب الفاعلة او التي انقسمت على نفسها كما في اليمن، وهي في نهاية المطاف أنماط سلطوية تطمح لتبديل الأدوار ليس إلا، ولكن يبدو ان مؤسسات تلك الدول أنهكت وهي اضعف مما كانت عليه قبل بضع سنوات، بل بعضها يتجه لحلول فيدرالية، كما في العراق وليبيا واليمن، يأتي ذلك وسط جدل حول مدى دور المؤسسات العسكرية وتجديد دورها والارتهان الخارجي إقليميا كان ام دوليا، وكل شي يأتي وفق سيناريو جديد، ورغم ان اليمن لازال يتخبط بين تصارع القوى القديمة الجديدة المتحالفة بالأمس المختلفة اليوم، إلا ان خصوصية الربيع العربي في نسخته اليمنية يكاد يراوح مكانه بين التطلع لمساعدة الأشقاء والأصدقاء، سواء في حل الإشكال السياسي او شكل الدولة وصياغة الدستور الى جانب مساعدات المانحين، فالشارع اليمني فقد الأمل بساسته السابقين واللاحقين وغدا البعض مضللا يرسم أحلاما وردية للدور المفترض للراعي الإقليمي والدولي، وكأن لديهم عصا سحرية لحل مشكلات اليمن، ذلك ان التغيير الأساسي المؤمل لن يقوم به سوى اليمنيين انفسهم، فقد مضى نحو ثماني سنوات على مؤتمر لندن للمانحين، الذي عجز النظام السابق عن احتواء تلك المساعدات بسوء الإدارة وغياب الرؤية الاقتصادية بعيدة المدى، ولم تستفد اليمن سوى من مبالغ متواضعة مما كان قد رصد لها وفق ملتقى لندن السابق، وها هو المؤتمر الأخير في لندن نفسها، الذي يخشى البعض من أن يكون اقل تجاوبا من سابقه.

كيف يراد حل الإشكال الاقتصادي في بلدان الربيع العربي وسط تخبط سياسي محبط، وفي ظل شرعية مشكوك فيها؟ وفي ذلك يلاحظ المراقب والمتابع مدى التلاعب بالقوانين والجداول الزمنية التي التزم بها دعاة التحول الجدد في أكثر من بلد عربي، سواء في مجال الانتخابات، برلمانية كانت أم رئاسية، فقط من اجل إعادة إنتاج أنفسهم بصيغ أخرى.

تقدّم مصر، التي تعتبر دولة محورية، مثالاً لدور الدولة العميقة وكيفية استمرار الحكام الاستبداديين في التعاطي مع الأطر القانونية والدستورية لجعلها قوالب طيّعة كلياً. فالانتخابات الرئاسية ستُجرى قبل الانتخابات البرلمانية، الأمر الذي يقلب ما اتفق عليه بخارطة الطريق فلا خارطة ولا طريق سواء في مصر او الجزائر او العراق، هذه الأمثلة إنما تعكس بقاء سمة أساسية للأنظمة التي أطيح بها (وكأنك يابو زيد ماغزي) وكأن تلك الأنظمة تخير المواطن بين الاستمرار في الفوضى الخلاقة او العودة لأساليب الأنظمة التي قامت ثورة ضدها، حيث الامن النسبي والحزم المطلوب والدولة المركزية الصارمة.

في اليمن وسواه من بلدان الربيع العربي والعراق، حالات متشابهة من تدهور أمني غير مسبوق، متزامن مع حدة الاستقطاب المذهبي، بحيث تم تفكيك بنية تلك المجتمعات وزرعت الفتن فزادت من تعقيد المشهد السياسي في تلك البلدان التي تشهد تحولات سياسية وديمقراطية’لا زال بعضها يعاني مقاومة شرسة من قوى الثورة المضادة المناهضة لعملية التغيير، أو فرض قوى متشددة نفسها على المشهد السياسي في كل تلك البلدان.

وفي رؤية بانورامية لخارطة الربيع العربي وكذا العراق، يلاحظ المراقب والمطلع وكل من يتابع غزارة الإعلام المتصارع في ما بينه مدى خطورة الأحداث الجارية فيها، حيث تعاني من نزاعات، واغلبها تكون الدولة نفسها طرفا فيها، تحت مسميات شتي منها محاربة الإرهاب ونحو ذلك، واليمن أحد تلك البؤر المتوترة التي ابتليت بساسة انتهت صلاحياتهم وشرعيتهم، يرون اليمن يتمزق بهدوء وفي حالة موت سريري لغياب الدولة التي لم يؤسسوها، بعد ان استفردوا بالسلطة ونجحوا في تفريق أبناء الأمة.

وفي خضم هذه التداخلات وحدة الاستقطاب وعقدة الاخوان’او عقدة المذهب، في اليمن وسواه لن يثمر من ذلك سوى مزيد من التدهور. الإشكال الآخر هو الاستقطاب المذهبي الحاد الذي يعتبر ثقافة دخيلة على اليمن وبعض بلدان الربيع العربي، حيث يتقاتل اليمنيون وهم من ملة واحدة تجرهم أحقاد عقائدية تاريخية غير مبررة فتناسوا بأن القاتل والمقتول في النار، وأنهم فقط ينفذون أجندات سياسية خارجية، ليس هذا فقط بل هناك من يفتي للتحريض على استعداء الآخر. فهل اليمن بحاجة لفارس يجمع عليه كل اليمنيين في زمن تشتت فيه الانتماء. في هذه الأجواء المسمومة اليمنيون بحاجة إلى معجزة، وزمن المعجزات موجود فقط في الأساطير والكتب القديمة.

المصدر : القدس العربي
اقرأ ايضا: