اليمن ومعركة البقاء، فمن ينتصر؟
على الرغم من ان اليمنيين سجّلوا النموذج الأرقى من بين شعوب دول ماسميّ بالربيع العربي، فهم لم ينجروا الى صراع مسلح من أجل السلطة، ولم ينحر بعضهم بعضاً كما هو الحال في سوريا، ولم يتشرذم بنيان الدولة والمجتمع كما حصل في ليبيا، ولم ينقلب العسكر على الرئيس المنتخب كما هو الحال في مصر الكنانة.
لكنهموبعد مضي سنتين على تسليمالسلطة سلميا منقبل الرئيس السابق على عبد الله صالح الى نائبه الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي وفقاً للمبادرة الخليجية، لم ينعم اليمنبالاستقرار ولا بالأمن، ولم يتحقق شيء من الاحلام العريضة التي راودت اليمنيين، فقد انتشرت الجريمة، وعم القتل، وضربت الفوضى اطنابها،واتسع الفساد حتى لم يترك بيت مدرٍ ولا وبرٍ الا ودخله.
لا اقول أن الاوضاع كانت وردية في عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالحأو أن اليمن كان سويسرا الشرق، وواحة للأمان، بل لأن شيطان التفاصيل غيب على اليمنيين الكثير من الحقائق في لحظةالسّكرة ، وكما قيل ” فإن الشيطان يكمن في التفاصيل” والعبرة بالقادم!
سارع المنتصرون خلسة الى الزحف على مقدرات الدولة، فتملكّوا الوظيفة واحتكروها، وزجوا بعشرات الالاف من اعوانهم الى المؤسسات الامنية والعسكرية والديبلوماسية والاقتصادية والمالية، فأثقلوا كاهلها الهزيل، فتعثرت وخارت قواها واوشكت على الغرق.
والى جانب ذلك لم يكن هيناً على الرئيس صالح ان يترك خَلفَهُ عبد ربه منصور هادي ليحقق ماعجز عنه ، فعمد الى وضع الفخاخ والعراقيل امامه، واستنفر كل شياطينه ليعيقوا كل حركة اصلاحية يقوم بها، وجيش اعلامه وماله للتشكيك في كل خطواته.
القبيلة برؤوسهاتحاول بانتهازية مفرطة مساومة الرئيس هادي ووضعه تحت مقصلة التهديد والوعيد، والمنّ عليه انه لولاها ما كان رئيساً، والمعارضة التي تشارك في نصف السلطة مع المؤتمر الشعبي العام الذي يمتلك النصف الاخر، تلجأ الى حيل رخيصة لتشويهه، وتشويه انجاله واتهامهم بأنهم يديرون الدولة وليس ابيهم، في كذب بواح، وافتراء ليس فيه مرية. مع الاخذ في الاعتبار ان هؤلاء انفسهم كانوا يتلقون الأوامر من اصغر طفل في الاسرة الحاكمة السابقة، يتلقون ذلك بالترحاب بل وكتابة القصيد في مآثرهم وبطولاتهم،وحكمتهم، وصوابية قراراتهم.
كل ذلك يأتي في الوقت الذي يخوض فيه الجيش اليمني بقيادة هادي أشرس المعارك ضد تنظيم القاعدة، جنباً الى جنب مع معارك انقاذ الدولة من الغرق وابقائها موحدة، ومعركة الاقتصاد المنهار، ومعركة الملفات التي تفجرت تباعاً في وجه هادي.
ندرك ان الانتهازيين لا يسرهم ايّ تقدم او اصلاح، فلكل معركة تجّارها وفجّارها، فهي تجّارة رابحة بالنسبة اليهم.
ناهيك ان يكون الرئيس من الجنوب، حتماً ستسعى تلك القوى الى افشاله كما افشلت الوحدة التي كان روادها ومحققوها من الجنوب ايضاً.
لايخامرني ادنى شك بأن هادي في وارد الاستسلام، ولاهو من النوع الذي يقبل الخضوع، تربيته العسكرية وطبيعته الابينية، وتاريخه كمحارب، تثبت بأنه عصي على ذلك كله.
فمعادلة الدولة والأمن والوحدة والقانون خطوط حمراء لايقبل اللعب في فنائها، مع التسليم المطلق بأن طموح انشاء وبناء الدولة شيء، وأن تملك ادوات البناء شيء اخر.
فقبل هادي مرّ اليمن بتجربتين للبناء قتلتا في سِن مبكرة.تجربة “سالم ربيع علي ” الذي حكم الجنوب اليمنيبين عامي 1969 –1978أسس خلالها لدولة قوية، فازدهر الاقتصاد وعم الأمن والعدل، فانقلب عليه اعداء الدولة واعدموه واجهضوا حلم جيل بأكمله راهن على مسيرته دهراً.
وتجربة الشهيد ابراهيم محمد الحمدي الذي حكم شمال اليمن بين عامي 1974 – 1977فكانت سني عهده من افضل فترات الحكم التي عرفها اليمن، وما لبث ان اغتيل في ظروف مأساوية لا يزال اليمنيبكيه حتى هذه اللحظة.
وها نحن الان امام رئيس ثالث وتجربة ثالثة فهل تتكرر المأساة؟ ام ينقذ الله اليمن واهله من عذابات حكامه وخيانة بعض ابنائه ؟
(إن مع العسر يسراً )
كاتب واعلامي عربي – مقيم في واشنطن
abbsawa@hotmail.com