اخبار الساعة

بين سلطة القانون والبندقية ( حرب الجميع ضد الجميع )

اخبار الساعة - منصور النقاش بتاريخ: 11-10-2014 | 10 سنوات مضت القراءات : (3381) قراءة

لا زلت أذكر  جيداً  ملامح  ذلك اليوم الذي أصدرت  فيه المحكمة  الإدارية بصنعاء  حكماً   ضد الرئيس  هادي
قضى الحكم بإلغاء قرار الرئيس عبد ربه منصور هادي المتضمن تعيين أعضاء الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد،لمخالفتها للقانون وحمل الحكم القضائي ( المدعى عليه) الرئيس هادي مبلغ 200 ألف ريال مقابل «مخاسيرالتقاضي».

احتفل الناس يومها بالحكم – الجريء -  الذي طال رئيس الجمهورية  وعُد سابقةً في تاريخ  القضاء اليمني , ولم ينتظر  أحد تنفيذ الحكم  ..الرئيس هادي  لم يحرك ساكناً,  الهيئة ( غير الشرعية بحكم القضاء ) لا تزال تمارس مهامها حتى اللحظة , إلى هنا  وينتهي الأمر  تقريباً  .

ولكن  تواتر الأحداث الأخيرة يعود بنا الى تلك اللحظة  التي أصبحت اليوم فارقة في مزيج التصرفات التي يقوم بها هادي   بصفته  صاحب أعلى  سلطة للدولة وإذعانه لقوة الواقع التي فرضتها جماعة الحوثي

قراران رئاسيان  إن لم يكونوا   ثلاثة   يلغيهما  الرئيس  هادي  مذعناً  لسطوة  زعيم جماعة الحوثي   ناهيك  عن قرار  تسمية حديقة  (21 مارس ) الذي استبدله عبد الملك الحوثي في أحد خطاباته  عقب سيطرت مليشياته على صنعاء باسم ( حديقة  21 سبتمبر  )   مخلداً  دخوله صنعاء  دخول الفاتحين  وسيطرت  مليشياته  على أجهزة ومؤسسات الدولة بظرف يوم بعد تسليمها  من قبل السلطات ضارباً بقرار هادي عرض الحائط .

إهانة  بليغة  تعرض  لها هادي  بالتأكيد تفوق إهانته لحكم  قضائي  ألغى  أحد قراراته

نسى  معظم الناس  حكم  القضاء المعطل  لكنهم  لن ينسوا أبداً  قرارات الرئيس التي أعطبها الحوثي  أمام  مسمع  ومرأى عشرات الملايين  من اليمنيين والعالم

هادي  خسر سلطته القانونية منذ تجاهله الحكم  الصادر  بحقه  لم ينتصر للقانون    متماهياُ  مع نشوة القوة التي منحها له منصبه   وحين تلقفت عصى الحوثي  الأشد غلظة  عصا  سلطته  الهشة فزع  للقانون  لكنه  وجده  مهشماً بأفعاله .

كان بوسع هادي يومها  الانكسار  أمام  منطق الحق القضائي   لينتصر للقانون ويؤسس بدوره  لمرحلة قائمة على احترام العلاقة القانونية المنظمة  للمجتمع .
وضعنا موقف هادي المتصلب من الحكم القضائي   أمام   إعدام  ( رمزي ) لعلاقة السلطة بالقانون   حيث يفسر  موقف  الرئيس هادي بأنه موقف يستند إلى سلطة القوة وليست قوة السلطة  لأن سلطة القوة  تقوم على المتاح وقوة السلطة  تقوم على النظام 


تجاوز  هادي  لتلك القواعد المنظمة لسلطته  أسس  لسلطة  عقاب فردية  أنتجت بطبيعة الحال آثاراً
لسلوك الحاكم  الذي نظر  إلى السلطة  كأداة  للهيمنة لا تنسجم مع ذلك  الهرم القانوني  الذي يشكل نسيجاً من العلاقات  المنظمة لآليات السلطة من القاعدة صُعداً  إلى هرم السلطة , والذي يمثل  بمجمله  الهيمنة  الكلية للمصالح العامة.


ما يحدث  اليوم  على الخارطة اليمنية    هو وليد طبيعي  لذلك  الواقع الهش الذي أنتجه نظام  الرئيس هادي على امتداد ثلاث   سنوات عجاف امتدت  منذ استلامه   زمام السلطة  عقب المبادرة الخليجية .

ما يحدث اليوم  أشبه  ما يكون ب ( حرب الكل ضد الكل )    على اعتبار  أن السلطة  هي القاسم المشترك  في الصراع الذي تغذى كثيراً على الأحقاد والأطماع .
 





لقد أصبحت  سلطة هادي  عائلاً  لعلاقة شرسة بين القوى التي أفقدت المجتمع  بنيته الأساسية ( الديمقراطية ) في الدفاع  عن  نفسه إزاء  هيمنتها  تحت سطوة القهر  والإخضاع  .

بوسعنا القول  أن الصراع السياسي  تحت مفهوم الديمقراطية  هي  حرب مدنية ولكنها حرب تخضع لسلطة الانضباط القانوني   أما الحرب القائمة  اليوم   ........ فإنها الحرب ببساطة .

اليوم تتصدر الحركة الحوثية  مجمل الأحداث وترتبط   بذهنية المواطن اليمني بعلاقة الحرب التي تتحكم فيه هذه الجماعة بزمام الأمور 
الأمر الذي يبين بجلاء  غياب الصورة الأخرى  عن الدولة  التي تمتلك مؤسسات السلطة بما فيها  المؤسسة العسكرية التي مهما بلغت هشاشتها وما يقال  عن ولاءاتها  ستظل  رمزاً  للتعالي  عن العنف العرقي أو العنصري أو الطائفي وتلك هي أكثر صفات الجيوش  النظامية طهارة

 

 

ولأن العنف   هو المنتج الأعلى في هذا الصراع فقد كان لأدوات  القوة  لغتها  الحاضرة على حياة  المجتمع حيث  سقط تماماً   الحامل الحقيقي للسلطة  هو(  النظام القانوني و الاقتصادي )

وهو ما يتجلى  واضحاً  في موقف   زعيم جماعة الحوثي  من السلطة هي الهيمنة  عن طريق   الحرب
ولذا هو لا يفرق  بين آلية العمل  القضائي   وبين الإجراءات العقابية التي تمارسها  جماعته المسلحة في  صنعاء


لا أنطلق بمعارضتي  ( للحوثية ) من الوجوه   المخالفة لها نمطياً
وإنما استنادا للوقائع الملموسة   فالمزاوجة بين مشروعي العنف والسلطة  يجعل من السلطة  أداة قمعية تفتقر للتوازن الاجتماعي  في الوقت الذي أصبح لدى المجتمع   اليمني  ثقافة سياسية   ووعي بالمفاهيم الديمقراطية وحقوق  الإنسان  القائمة على  النظام القانوني  والحقل القضائي  اللذين يشكلان الأرضية الدائمة  التي يتخذها المجتمع ضد ( العدو الاجتماعي )

يتساءل فوكو  في كتابه ( يجب الدفاع عن  المجتمع ) ما إذا كانت الحرب هي المحلل الأساسي للسلطة ,بمعنى آخر   هل الحرب تحقيق للسياسة بوسائل أخرى أم العكس إن السياسة  هي الحرب بوسائل أخرى .

           
مبيناً علاقات القوة  والسلطة , من خلال ( التصور  القانوني والاقتصادي للسلطة )بوصفها كما يقتضي العقد الاجتماعي  من جهة   ومن خلال تصور مغاير   للسلطة  بوصفها قمعاً وحرباً من جهة أخرى .
حيث  يؤكد  أن على أي  سلطة افتراض الحرية  في علاقتها  بالأفراد وحتى حين يكون هناك قمعاً  يوجب وجود  حق للأفراد  في التعبير  والانتفاضة والتمرد والثورة
 

السلطة بمفهومها  المؤسسي   لا تمثل حلاً جذرياً للأزمات والنزاعات ولكنها بما تمتلك من نظام قانوني  يحد من  الحروب ويسهم في ترسيخ السلم المدني الذي قد لا يعني بالضرورة  السلم المطلق  بقدر  ما يعني حالة  ألا  حرب
إذاً النظام القانوني  للسلطة  يساعد  على حل النزاعات والأزمات  دون اللجوء  الى حرب


 الأمر الذي يتنافى  مع  ما تقوم به جماعة الحوثي بإفراغها العمل المؤسسي والإطار القانوني  لأعمالها  وتخضع السلوك الجمعي  لمشيئتها دون اعتبارات  لمسألة انهيار الدولة ,وتورطها في ادارة شئون الناس دون مرجعيات باستثناء  المرجعيات العرفية التي تستند لها وهي في الغالب  مرجعات حرب وعنف قبلي .


 

اقرأ ايضا: