الاجتياح الحوثي.. تنشيط للقاعدة و"شرعية وجود"
قطف تنظيم القاعدة في اليمن ثمار التمدد الحوثي صوب المحافظات، فبعد سنوات من الانزواء في الجبال والكهوف كجماعة منبوذة بات التنظيم أكثر جرأة وانخرط عناصره علنا في الأيام الماضية لمواجهة ما يصفونه بـ"الغزو الحوثي" لمناطقهم.
وبحسب مراقبين فإن جماعة الحوثي التي تخوض قتالا في محافظات إب والبيضاء وسط البلاد بدت وكأنها قد حقنت تنظيم القاعدة بـ"جرعات تنشيطية"، ومنحته المبررات الكافية للظهور العلني والاستقطاب الشعبي.
ووفقا لسكان محليين ومعلومات ميدانية يتصدر المواجهة مع الحوثيين حاليا في محافظتي (البيضاء، وإب) رجال قبائل لا ولاء لهم لأي حزب وقبائل موالون لحزب الإصلاح الإسلامي وتنظيم القاعدة، إضافة إلى سلفيين يحملون احتقانا مسبقا منذ أخرجتهم جماعة الحوثي الشيعية من بلدة "دماج"، مطلع العام الجاري.
وكانت جماعة الحوثي المعروفة بـ"أنصار الله" قد أسقطت العاصمة صنعاء في 21 من أيلول/ سبتمبر الماضي دون مقاومة، وهو ما جعل لعابها يسيل جنوبا لاستكمال ما تبقى من الجغرافيا الزيدية التي تتكون من محافظات (صعدة، عمران، حجة، صنعاء، ذمار)، وبعد سيطرتها على ذمار انفجرت الأوضاع في وجهها عند الوصول إلى محافظة إب جنوبا، ورداع عاصمة البيضاء شرقا، وهي المناطق التي يصفها باحثون بـ"نقطة التماس التاريخية"، حيث ذاكرة الحروب الطائفية السياسية.
وقال الكاتب اليمني أحمد العرامي إن "وجود الحوثي يُنمّي القاعدة من حيث كونه يمثل لها شرعية وجود في نظر المجتمع الذي يرى أن الحوثي يستعديه ويعتدي عليه، بل إنه يُكسب القاعدة تعاطفاً شعبياً، والتفافاً قبلياً".
وأضاف "في هذه الأثناء، تُعقد تحالفات قبلية، آخرها تحالف قبيلة "آل عباس" في رداع مع قبيلة " قيفه"، ومثلها في الرضمة بمحافظة إب، حيث تحتشد القبائل حول الشيخ عبد الواحد هزام الدعام الذي كان قد خاض مع الحوثيين حروباً سابقة، وبين هذه القبائل التي بايعت الدعام: إصلاح، وسلفيون، وقبليون لا ولاء لهم لأي طيف سياسي".
ومنذ نجاحها في تفكيك منظومة قبيلة حاشد في محافظة عمران والقوة العسكرية للجنرال علي محسن الأحمر (الفرقة الأولى مدرع) بالإضافة إلى جنوح حزب الإصلاح الإسلامي للخيار السياسي، لم يعد أمام جماعة الحوثي من عدو سوى "تنظيم القاعدة"، الذي قال إنه سيذهب لقتاله في "رداع"، لكن القتال معه كبده خسائر فادحة عكس ما حدث في محافظات أخرى التي أسقطها بسلاسة.
وتابع العرامي "القاعدة ليس لديها أهداف إستراتيجية مهمة يمكن أن تقضي عليها جماعة الحوثي، وتقوض وجودها، وحين سيطر الحوثي على رداع قبل حوالي أسبوع ونشر مسلحيه فيه، تركه تنظيم القاعدة يفعل ذلك، واكتفى بحرب المفخخات، ومنذ ذلك الحين وحتى الآن وصل قتلى المفخخات من الحوثيين أكثر من 100 قتيل".
وبعيدا عن البيضاء، التي تعد من أبرز معاقل القاعدة منذ فترة، وكذلك محافظة إب، بدأ تنظيم القاعدة يزدهر أيضا في قلب الدولة بالعاصمة صنعاء بشكل لافت، حسب سكان محليين.
ووفقا للباحث العرامي، فإن ثمة "حركة انضمام ملحوظة تشهدها القاعدة في صنعاء من قبل شباب متدينين وغير متدينين، إصلاحيين وسلفيين، وطلاب مدارس، فقط لأن الحوثي هنا".
وحاول تنظيم القاعدة طمس الصورة السيئة المطبوعة في ذاكرة اليمنيين عنه وخاصة في عمليات ذبح الجنود في حضرموت وقتل الأطباء في مستشفى العرضي بصنعاء حين بدأ بتقديم نفسه في الحرب الأخيرة ضد الحوثي كـ"أنصار الشريعة"، وليس فرع لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، بحسب العرامي.
ولاقت عمليات ذبح الجنود في الفترة الأخيرة سخطا شعبيا واسعا جعل الناس يؤيدون بقوة الحرب التي شنتها الدولة على معاقل القاعدة في محافظات شبوة وأبين قبل أشهر، لكن يبدو أن حروب الحوثي الأخيرة قد شتت تلك النقمة تجاه أكثر من جماعة مسلحة.
وقال الكاتب والمحلل السياسي اليمني المقيم في الإمارات عبد الفتاح حيدرة "مدد الحوثي المسلح كأنما حقن الجماعات الإرهابية الأخرى بجرعات تنشيطية، ومنحها مبررات جديدة للاستقطاب وجذب لها المزيد من الأنصار".
وأضاف "القاعدة الآن تنتشر وتزدهر في الكثير من المناطق بسببه، وما يفاقم الوضع أكثر أن الاستقطاب بين الطرفين يؤسس على خلفية مذهبية قاتلة، واستمرار الوضع بهذا الشكل يوسع من مساحة الصراع في البلد على هذا الأساس ويحطم أية آمال بالخروج من المأزق الذي نعيشه كيمنيين".