أحلام الخارجة.. طفلة ومرشدة سياحيّة
ما إن تصل بوابة المياح القديمة في مدينة ثُلاء اليمنية التاريخية، حتى تستقبلك أحلام الخارجة (13 عاماً) بابتسامة عريضة وكلمات إنكليزية، ترحيباً بقدومك إلى مدينتها. بعدما تستقبل ضيفها الأجنبي، تحاول تحديد البلد الذي جاء منه، لتكلمه بلغته. تعلمت سبع لغات أجنبية بسبب احتكاكها الكثير بالسياح الذين يقصدون المدينة باستمرار.
لأسباب عدة، تركت أحلام الدراسة في عمر مبكر، على الرغم من أن منزلها يقع بجوار المدرسة التي كانت تتعلم فيها. فضلت العمل مع شقيقاتها في إرشاد زوار المدينة الأجانب إلى الأماكن التاريخية، للحصول على المال ومساعدة أهلها. ورثت مهنة الإرشاد السياحي والترجمة من والدها الذي كان يملك متحفاً خاصاً لبيع التحف والهدايا للسياح في هذه المنطقة. تقول: "شقيقاتي الأكبر سناً كن يعملن في المهنة نفسها، لكنهن تزوجن. لذلك، كان لا بد أن أعمل وأساعد أسرتي". خلال مرافقتها السياح، تحمل أحلام علبة تراثية تحتوي على بعض الإكسسوارات التي تصنعها وأخواتها.
تبدأ يومها بالتجول مع أختها الأصغر (7 أعوام) في الأحياء، على أمل إيجاد زوار في المدينة التي تقع على بعد 50 كلم إلى الشمال الغربي من مدينة صنعاء، وتتبع إدارياً إلى محافظة عمران. كانت الوفود الدبلوماسية وشركات السياحة تتعامل مع مدينة ثلاء بوصفها إحدى الوجهات السياحية الأكثر أمناً وقرباً من العاصمة. وكان يأتي إليها كثير من الزوار إلى حين اندلاع المواجهات المسلحة بين أنصار الله (الحوثيين) والجيش اليمني العام الماضي في عمران، ما أثر سلباً على الحركة السياحية في ثلاء وعدد من القرى المجاورة.
بسبب احتكاكها الدائم بالسياح الأجانب، صارت أحلام تعرف بعض الكلمات والعبارات بسبع لغات مختلفة (الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والصينية والإسبانية واليابانية). تنحصر بالمفردات المتعلقة بالسياحة، بالإضافة إلى الجمل التي تستخدم للترحيب بالزوار. تقول إنها "تفهم ما يقال لها في أغلب الأحيان". تؤكد أنها وأخواتها يقمن بالبحث وتعلم كثير من الكلمات بين الحين والآخر، لتطوير قدراتهن على التعامل مع السياح. "لكن هذا لا يعني أنني أجيد هذه اللغات بطلاقة"، عازية السبب إلى ضيق الوقت الذي يجعلها غير قادرة على متابعة دراستها أو إتقان اللغات التي تتحدث بها مع الأجانب.
وفي ما يتعلق بالمعلومات التي تقدمها للسياح، تقول لـ "العربي الجديد: "أرشدهم إلى الأماكن الأثرية والمساجد والمتاحف وآبار المياه، والسلم الحجري الذي يقود إلى حصن ثلاء الشهير. أعرفهم بتاريخ هذه المناطق ونشأتها والأحداث التاريخية التي مرت بها ثلاء، والتي كانت المعقل الأخير للملك المطهر الذي استفاد من تضاريسها الجبلية الصعبة للتغلب على إحدى الحملات العثمانية الثلاث على اليمن، ولينطلق منها ليسيطر على مدينة صنعاء عام 1567".
على الرغم من أن أحلام وأخواتها من بيئة محافظة، لكن هذا لم يمنعها وأخواتها من العمل. سكان المدينة يتقبلون عملها ويشجعونها. تقول: "كان هناك فتاة اسمها زمزم سلامة. كانت تكبرني بسنوات وتعمل في المجال نفسه. بدأت بعض المنظمات بتسفيرها إلى خارج اليمن مراراً، حتى تزوجت من شاب أميركي جاء إلى المدينة للسياحة. اليوم تعيش خارج اليمن وتحمل الجنسية الأميركية".
"لم تعد هناك فائدة". بهذه الكلمات تعبّر أحلام عن حزنها بسبب تراجع أعداد السياح نتيجة المشاكل الأمنية والسياسية. تقول: "سابقاً، كنت أحصل على 20 إلى 30 ألف ريال يمني (150 دولارا) في اليوم. لكنني أحصل اليوم على ثلاثة آلاف ريال (15 دولاراً). وفي أحيان كثيرة أعود إلى المنزل في المساء من دون ريال واحد". تتقاسم أحلام ما تحصل عليه مع والدها وأخواتها. لا يجبرها والدها على إعطائه كل ما تجنيه. يحق لها وشقيقاتها شراء ما يحتجن إليه.
شكلت المواجهات المسلحة في محافظة عمران منتصف عام 2014، وفي منطقة ثلاء، وسقوط بعض القذائف على أحد المنازل فيها، بالإضافة الى انتشار المسلحين في الطريق المؤدية إلى المدينة، سبباً رئيسياً في عزوف السياح عن زيارة هذه المدينة.
لدى أحلام خمس شقيقات. جميعهن تزوجن باستثناء شقيقتها الصغرى. يتدربان معاً على إتقان العمل، ويسعيان إلى حفظ المزيد من المفردات الإنجليزية والفرنسية.
تجدر الإشارة إلى أن عدداً كبيراً من أطفال القرية يعملون في حقل الترجمة للسياح، على غرار بعض الفتيات اللواتي عملن في هذا المجال خلال السنوات العشر الماضية.