اليمن: انقسامات المعارضة تعزّز نفوذ الحوثيين
لم يتردّد المشاركون في "اللقاء الوطني الموسع"، المناهض لانقلاب الحوثيين، والذي عقد في مدينة عدن، جنوبي البلاد، في تأكيد تمسّكهم "بشرعية الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي كرئيس منتخب لليمن"، داعين إلى رفض "الإعلان الدستوري" واعتباره "إعلاناً انقلابياً مرفوضاً من كل شرائح المجتمع".
ولم تتمكّن اللجنة المنظمة للمؤتمر، والذي شارك فيه ممثلون عن مؤتمر الحوار الوطني الشامل، ولجنة صياغة الدستور، والهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات الحوار، ومجلسي النواب والشورى وأعضاء مجلس الوزراء السابقين والحاليين والسلطة المحلية في الأقاليم الرافضة للانقلاب والحراك الجنوبي السلمي، من عقد مؤتمرهم في المكان الذي كان محدداً مسبقاً، لتزامنه مع دعوة مكونات الحراك الجنوبي إلى يوم غضب، احتجاجاً على قمع مسيرات مناوئة للحوثيين، في خطوة تعزّز ضبابيّة المشهد السياسي في اليمن، إذ تؤشّر إلى مدى الانقسام الحاد، داخل الأوساط المعارضة للحوثيين الذين باتوا يديرون دفة الحكم في البلد.
وإزاء تظاهرات الحراك الجنوبي، استعاضت اللجنة المنظمة عن عقد مؤتمر شامل وموسّع، بعقد لقاء خاص في نادي ضباط الشرطة في جزيرة العمال وسط عدن، انتهى بإعلان المشاركين وفق بيان تلاه محافظ عدن عبد العزيز بن حبتور، تشكيل المحافظات الرافضة للانقلاب "قيادة إدارية وأمنية وسياسية موحدة، وإنشاء هياكل وترتيبات مؤقتة للأقاليم، إلى حين إقرارها بعد الاستفتاء على الدستور الجديد، وتكليف المحافظين باستكمال إجراءاتها".
ودعا المجتمعون الحوثيين إلى "الوقف الفوري لكافة أشكال القمع والعنف والترهيب"، وأبدوا "رفضهم كل الحروب العبثية لجماعة الحوثي المسلحة واستغلالهم لشماعة الإرهاب من أجل التوسّع والتمدّد في المحافظات"، ملوحين في حال "بقاء الأوضاع في العاصمة صنعاء على حالها، تحت الاحتلال وسيطرة المليشيات، باتخاذ قرارات هامة بشأن نقل العاصمة مؤقتاً إلى حين إنهاء الانقلاب". ودعوا "المجتمع الدولي إلى تأييد ومساندة هذه الخطوة"، منوهين "بالموقف الإقليمي والدولي الرافض للانقلاب، لا سيما موقف الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي".
وكانت مكونات الحراك الجنوبي الرئيسية، الهيئة الوطنيّة الجنوبيّة المؤقّتة للتحرير والاستقلال، والمجلس الأعلى للحراك، ومجلس الإنقاذ الوطني، قد أعلنت يوم غضب، أمس الأحد، تخلله سقوط عدد من الجرحى، على خلفية قمع قوات الأمن لمسيرات الحراك في عدد من مدن عدن. وتقدّمت التظاهرات شخصيات وقيادات سياسيّة بارزة، نددت بما وصفته "نقل الصراعات السياسية والدينية والطائفية إلى الجنوب"، مبدية رفضها تحرّكات الأحزاب السياسيّة لإقامة مؤتمراتها في عدن، في إشارة الى اللقاء الموسّع.
ويرى مراقبون أن معارضي زعيم جماعة "أنصار الله"، عبد الملك الحوثي، باتوا يقدّمون له خدمات جليلة، لا يحتاج معها إلى جهد كبير لإفشال مؤتمر مماثل، بعدما تكفّل خصومه بإفشاله، في هدية من النادر أن يحصل عليها خصم سياسي بهذه السهولة. ولا يقتصر الأمر على عدن فحسب، إذ يحصد الحوثيون هدايا مماثلة في محافظات عدة، بدءاً من عمران، وصولاً إلى الجوف وصنعاء والحديدة، وأخيراً البيضاء، ما يمكّنهم من تحقيق مكاسب سياسية واستراتيجية والتقدّم بخطواته. ويحصل ذلك في وقت لا يحرز فيه خصوم الحوثيين أي تقدّم في حواراتهم، الأمر الذي يجعل الكثير من المراقبين، يستغربون الطريقة السريعة والسهلة التي يتقدم الحوثيون بموجبها، من دون أن يجدوا من يوقفهم أو يعترضهم.
في المقابل، أعفى المجلس الأعلى للحراك الجنوبي، عدداً من قياداته، بعد انضمامهم إلى "الهيئة الوطنية الجنوبية المؤقتة للتحرير والاستقلال"، وهم كل من علي هيثم الغريب، والشيخ أحمد بامعلم، وعلي ثابت العولقي، وبجاش الأغبري، وأحمد باعوضه، وعلي باثواب، مؤكداً أنّ "خياراتهم تتنافى مع خيارات المجلس".
ويرى مراقبون أنّ جماعة الحوثيين لم تعد تحتاج إلى كثير من الأدوات والوسائل، لاستخدامها في صراعها الجاري، ضد خصومها السياسيين، من الأطراف السياسيّة اليمنيّة، سواء الشماليّة أو حتى الجنوبيّة، لإفشال تحرّكاتهم ومساعيهم المناهضة لها. تصبّ تحركات هذه الأطراف كلّها، في مصلحة مساعي الجماعة، لوضع قبضتها على كلّ مفاصل الدولة والبلد شمالاً وجنوباً. وتُظهر جماعة الحوثيين، يوماً بعد يوم، أنّها القوة الأكبر التي لا ندّ آخر لمواجهتها في البلد، بسبب الانقسامات في صفوف معارضيها، بما فيها أحزاب اللقاء المشترك، ومكون الحراك، وحزبا الرشاد والعدالة، إضافة إلى حزب المؤتمر، التي تخوض حوارات ومفاوضات يومية، فيما أوراقها السياسيّة مشتّتة كلياً.
ورغم أنّ تصرفات الحوثيين، وطريقة تعامل الخارج معهم، والتي باتت تشبه إلى حد كبير مقاربة دولة "داعش" في العراق وسورية، فضلاً عن الأوضاع المعاكسة لتوجّهات الجماعة والضربات التي توجّهها وتطال جميع الأطراف من دون استثناء، وهذا كان وحده كفيلاً بتوحيد موقف المعارضة، إلا أن المشاريع السياسيّة والخلافات، وعدم الثقة بين أطراف المعارضة، زادت من تعقيد الوضع أمامها، في مواجهة الحوثيين، لا بل يسهّل ذلك كلّه عملية الانقضاض عليها وعلى تحركاتها.
وفي حين كان من المتوقّع أن يكون الجنوب موحّداً في مواجهة الحوثيين لكن يبدو أنّ مرض الانقسامات الذي طال الأحزاب السياسية، نال من الحراك الجنوبي والمكوّنات الجنوبية الأخرى أيضاً.
وتظهر المعطيات الميدانيّة أن الحوثيين استفادوا كثيراً من الانقسامات بين خصومهم، ليتوغلوا في السلطة وفي محافظات ومناطق اليمن، حتى وصلوا إلى حدود الجنوب الذي بات مهدداً بوصاية جديد، أشدّ من الوصاية السابقة، ويرى سياسيون جنوبيون أن "ذلك ما كان ليحصل لو تجاوز الجنوبيون خلافاتهم ومشاريعهم وأجلوها إلى حين استعادة الدولة الجنوبيّة".
ونظراً إلى الانشقاقات بين مختلف الأطراف السياسيّة، تبقى القبائل وحدها من تحاول صدّ تحرّكات الحوثيين وتوسّعهم، ليس في الجنوب فقط، بل حتى في الشمال، بعد تخلي الأحزاب عن دورها، وباتت عاملاً يخدم الحوثيين أكثر مما يواجههم، ما يدفع أنصار هذه الأحزاب إلى اتهامها بـ "شرعنة" ما يقوم به الحوثيون.
في المقابل، وعلى الرغم من أنّ ما يجري يخدم الحوثيين، إلا أنه يأخذ اليمن نحو الهاوية أيضاً، نتيجة الفشل الذريع الذي يرافق كلّ تحرّكات الأحزاب، والمكونات اليمنيّة، بما فيها حزب المؤتمر، جناح الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح. وحتّى إن فضّ الحزب تحالفه مع الحوثيين، لكنّ شوكته قد انكسرت مرات عدة، وبات مجزّأً، بسبب الصراعات الداخلية والانقسامات، والاختراقات التي طالته ولا تزال تطاله.