قرية «بيت بوس»في صنعاء عمارة حضارية تعاني من الضياع
على قمة جبل صخري مرتفع في ضواحي صنعاء على بعد 10 كم من مركز العاصمة اليمنية صنعاء تقع قرية «بيت بوس» التاريخية رابضة على تلة تخفي في ثناياها تاريخا عريقا وامجاد ارائعة .. تعاني من الاهمال الذي ادى الى تهدم الكثير من بيوتها الاثرية .
نظرة تاريخية
يقول الصحفي اليمني في وكالة الانباء اليمنية وهيب الانصاري تقع قرية بيت بوس في الجهة الجنوبية الغربية من صنعاء على بعد نحو ( 10 كيلومترات ) ، وقد اتصلت بها صنعاء نتيجة للزحف العمراني وهي قرية وفرت لها طبيعة الموقع الجبلي الذي أقيمت عليه تحصيناً دفاعياً جعلها بمنأى عن الغزاة والهجمات ، فهي محمية من ثلاثة اتجاهات الشرق والشمال والغرب ، ولها بوابة واحدة فقط في الجهة الجنوبية ، وموقع قرية بيت بوس يعود تاريخه إلى عصور ما قبل الإسلام ، وكان يندرج ضمن أملاك قبيلة « مأذن « ، ومن بقايا آثار عصور ما قبل الإسلام وتاريخيها منقوش على احد حجارتها اثناء دخولك للقرية كتب بخط المسند يقع على الصخور في الجهة الغربية منها.
هناك أراء من خلال نقوش حميرية كثيرة فوق باب الكهف في عرض جبل الفرضه بان باني هذا الحصن هو الملك الحميري ذي بوس بن ايرل بن شرحبيل (ذكره نشوان بن سعيد الحميري المتوفي سنة 573هـ «أم أين ذويهر وذو يزن, وذو بوس وذوبيح وذو الأنواح»), وهو معروف ومذكور وله تاريخه وكتب عنه الكثير من المؤرخين وسمي هذا الحصن باسمه (بيت بوس) وقد اتخذه مقراً لإقامته ووجد اسمه على الكثير من الأحجار وكان بناء هذا الحصن قد تم في حوالي القرن الثامن قبل الميلاد.
وفي بيت بوس يـوجـد مسـجـد جـمـيـل بناه الإمـام « يحيى بن الحسين الرسي « (892 - 911 ميلادية) ، وقد كانت واحدة مـن مراكز المطرفية في (أواخر القرن الرابع وأوائل القرن الخامس للهجرة) إلى جانب سناع ، وبيت حنبص . ويوجد في المنطقة الغربية من القرية نقوش يقال إنها باللغة الحميرية، وتقول المراجع إن القرية كانت خاصة باليهود لكنهم كانوا متجاورين مع المسلمين في نفس المنطقة.
وبحسب روايات متعددة فإن القرية يعود تاريخها إلى أكثر من ألف عام، وتقول روايات أخرى إن اليهود خرجوا من القرية بعد أن طلب منهم الإمام يحيى بن حميد الدين الخروج من القرية والتنازل عن أملاكهم. وتحولت قرية اليهود إلى أطلال مهجورة، إلا أن بعض الأسر اليمنية المسلمة الفقيرة لا تزال تعيش في القرية.
مبنية على شكل تاج
عند دخولك إلى تلك المنطقة وما ان تشاهد أطراف تلك القرية سترى منظراً رائعا سترى جبلا شامخا مرتفعا تكسوه الاشجار والخضرة التي نبتت حتى على الصخور، وفي اعلى قممه منازل متراصة وكأنها تاج ملكي من طراز قديم وكأسطورة خالدة عبر الزمان تروي حكاياها، وعند الاقتراب منها يفاجئك منظر تلك القرية المحزن الذي اكل منها الزمان تعاني من الاهمال فهي محرومة من أدنى حقوقها الجمالية والخدمية دون ابداء الاسباب كما يقول لنا مرافقنا الطفل الذي يقطن القرية هو واهله .
تم تشييد بيوت القرية على قمة الجبل على صخرة ضخمة وبالاسفل تم تشيد قرية اليهود والتي كان يقطنها يهود اليمن وامامها سد مائي تاريخي رائع تم تشيد الحصن والقرية من أحجار الجبل نفسه، بطريقة منظمة متناغمة في شكل تاج يعلو هامة المرتفع الجبلي، بطريقة رائعة توضح مدى عبقرية التصميم والمعمار اليمني القديم والمبدع.
وتطل القرية على واد يضم مجموعة من الحقول الزراعية على امتداد البصر، كان يملكها سكان القرية، الذين شيدوا بيوتهم على هذا الجبل من أجل التحصين، قبل أن يلتهم العمران الحديث تلك الحقول في السنوات المتأخرة.
المستمع إلى قصص تلك المنطـقة سيــقــف مستغربا لـتلـك القصص التي تقول أن تلك المنطقة كانت أشبه بجنة الله على الارض بسبب انتشار الأشجار والبساتين والزراعة ، وهو ما أضفى عليها جمالاً طبيعياً آسراً.. وكان ساكنوها من اليهود والمسلمين اليمنيين البسطاء الذين تعايشو معا لقرون .
قلة المياه احد الاسباب
يقول احد سكان القرية عن اسباب تراجع سكان القرية وهجرها ان المياه هي السبب الرئيسي ولأنها منطقة جبلية صعبة وجد ساكنوها صعوبة استمرار العيش على هذه المنطقة خاصة عندما بدأ منفذ الماء الوحـيد الذي يعتمدون عليه بالجفاف، وهو عبارة عن سد ضخم كبير يحجز الأمطار يدعى حاليا ( سد كمران) كانوا يستفيدون منه على أن الجفاف كان قد بدأ بالتسلل.. وبدأت الأرض بالبوران وبدأت الماشية بالهلاك، واستمر الحال هكذا حتى عصر الإمام الهادي الذي اقترح علـيهم الهـجرة وبـيع أراضيهم بصكوك و بصائر، ومـن ثم قام بنقلهم إلى تجمعات أكبر في صعدة وريدة وباجل .
ومع تعرض القرية للإهمال وبدأت بعض مبانيها تتهدم وجدرانها تتصدع، ويقول سكان في المنطقة إن القرية كانت تحفل بعدد من الصناعات التقليدية والفخار والآثار التاريخية التي تم نهبها خلال السنوات الماضية ومنا صناعة الفضة والفخار. عدد من الشواهد التاريخية مثل مخازن الحبوب التي لا يعرف متى بالضبط تم بناؤها، حيث تم تقسيم أحد المخازن إلى غرف صغيرة توضع فيها الحبوب من "المال العام"، وعندما يشتد القحط على أهل القرية يذهبون إلى المخازن ويأخذون حاجتهم ثم يعيدونها عندما يزرعون.
اهالي القرية الذين غادروها يعرضون على الزوار ترميم منازلها والجلوس فيها في محاولة لانقاذ ما تبقى منها في ظل اهمال الدولة والإعلام لهذا الصرح التاريخي.
اثناء مغادرتنا للقرية تشعر بالحزن ان مثل هذا المعلم التاريخي العالمي قد لاتجده بعد فترة بسبب الاهمال ليتحول الى قصص او روايات عن وجود قرية بيت بوس في هذا المكان.