جمال شمهان: إلى إحبائنا.. في جنوب الوطن
إلى أخواننا في المحافظات الجنوبية من الوطن ، لاتنفخوا النار من تحت الرماد.فالنار التي تحرق شوارعكم هي تشتعل داخل قلوبنا ، ولهيبها يؤلم أرواحنا قبل أن يحرق مبانيكم ، وأرواحكم التي أزهِقت قد قتلت أرواحنا ألف مرّة ، وآهات أنينكم نسمع صرخاتها في ضمائرنا ، فنتألم ضعف ماتصرخون بألآف المرات ، وأوجاعكم تسيل دمائها في أعماقنا.
إننا نعيش ألآمكم لحظةً لحظه ونحسّ جراحاتها تُدمي وجداننا.فأنتم لستم جرحاً في فؤاد الوطن ولستم أرواحاً أزهقت وأجساداًأدمِيَت ، أوشوارعاً تهدّمت ، ومبانٍ تدمّرت ، وأحياءً تمزقت ، وأسر تناثرت.
فانتم من سيزرع اليمن في ملامح جغرافيا الشعوب ، ومن سيغير التأريخ في عناوين الأمم ، وأنتم من ملأ رئة الوطن بأوكسجين المحبة ، ونحن في الشمال لسنا أكثر منكم حباً للوطن ، ولسنا أكثر منكم ألماً على تمزقه ، لكنكم أكثر منا أوجاعاً منذ أن قدّمتم وطن الجنوب قرباناً للوحدة ، ووهبتم أرواحكم قدّاساً لطقوس تلاحمها ، وظللتم تقدمون التضحيات تلو التضحيات ، لكي لا تتعرض الوحدة لأي تهديد ، وكانت تضحياتكم هي السياج المنيع الذي حمى الشعب اليمني من التمزّق والشتات.
فلا تبتئسوا من دمار مبانيكم وخراب شوارعكم ، فدمارها قد دمّر فينا أروع معاني التطلع للمستقبل المشرق الجميل الذي طالما حلمنا به صغاراً ، وكبر معنا يوماً بعد يوم لكنه تحطم حين أصبحنا كباراً فلم نرَ منه إلا الحطام.فأحلامكم وأحلام أطفالكم نحن من أطفأ شموع بريقها ، ونحن منجعلناكم تنسون كيف تحلم الشعوب وكيف يتفائل بنو الإنسان؟.
ونحن من سلبنا من أفواهكم بريق الإبتسام. لكننا مع هكذا إعتراف..ننحني لنقبِّل جراحكم التي تنزف فيكم ونتلمس أوجاعها بداخلنا ، ونجثم على ركبتَينا أمامكم لا مطئطئين الرؤوس..ولكن مطئطئين النبض والفؤاد ، ونستجمع ما استنزف منا من شجاعة الرجال الذين لا يشعرون بالإنكسار حين يعتذرون لإخوانهم وأهلهم وعشيرتهم.
فحين نقف بين أيديكم معتذرين إنما نقف بين يديّ ذاتنا فتعتذرذاتنا لذاتها ، لأننا أنتم وأنتم نحن ، وليس استنقاصاً أن يعتذر المرء لنفسه.ثم إننا ندرك ما توارثتموه من قيَمِ الفضيلة ونُبل الشكيمة وشهامة الرجولة ، فلن تأتي منكم إلا محاسن الأخلاق وسمو النفس وطهارة القلب ، فكل هذه السجايا التي تمتازون بها كفيلة بأن تجعلكم تقبلون اعتذارنا ))مرتين((.الأولى: لأن مكارم أخلاقكم تمنعكم من إذلال المعتذر.
والثانية: لأن كل مالحق بكم من قتلٍ وخرابٍ ودمارٍ وتشريد ، وكلماتعانوه من أوجاعٍ وألآم ووو نحن نعانيها مثلكم ، وليس لنا نحنأخوانكم في الشمال أي ذنبٍ فيها.فنرجوكم أن لاتكرهونا بأفعال غيرنا ولا تمقتونا بسوء تدبيرهم.وتعالو نستفيد مما لم نستفد منه فيما مضى وننبذ الأحقاد والضغائن ، ونداوي الجراح ونحيا في وطنٍ جديدٍ تملؤه المحبة والسلام.
وسدّوا آذانكم عن سماع مايشتتنا ويمزّق تلاحمنا ، فالمتربصونبنا وبوطننا كثيرون وبأشكالٍ وأنماطٍ ورموزٍ متعددة.وكونوا كما عهدناكم أولئك العظماء أول الباذلين التضحيات في سبيل وحدة الشعب والوطن ، والصادقون بالفعل قبل القول ، وأول من يذود دفاعاً عن الوحدة ، وكونوا السياج المنيع في وجهكل مايمزق أوصال الوطن.
وتذكروا أن أخوانكم في الشمال كانوا هم الصدور الحانية التي كانت تحتضن أبناء الجنوب عند كل محنة.وأننا مثلكم ضحايا مؤامرات تحاك ضدنا جميعاً من خارج أسوار الوطن فخذلنا من وثقنا بهم لحمايتنا ، ولم يتنبّهوا أنهم ضحايامثلما نحن ضحاياهم حين طنوا أنهم يستسخفون عقولنا ، وتوهموا أنهم أرباب القرار دوننا.وسلامي بقدر احترامي.... ...