فوضى تشهدها عاصمة الرئيس هادي
حين اغتيل محافظ عدن اللّواء جعفر محمّد سعيد بسيّارة مفخّخة اعترضت موكبه صباح 6 كانون الأوّل/ديسمبر الماضي في مدينة عدن جنوب اليمن، كان ذلك تأكيداً قاطعاً أنّ الفوضى الأمنيّة الّتي تغرق فيها العاصمة المؤقّتة لحكومة الرئيس عبد ربّه منصور هادي قد بلغت حدّاً مريعاً.
جاءت هذه الحادثة في اطار سلسلة من الحوادث الامنية شملت عملية اغتيال رئيس المحكمة الجزائية المتخصصة بقضايا الإرهاب القاضي محسن علواني في مدينة المنصورة، بعد وقت قصير من اغتيال مسلحين مجهولين المسئول في جهاز الشرطة العسكرية في مديرية المعلا العقيد الخضر علي الحقيري.
لقد أعلن تنظيم الدولة الإسلاميّة في بيان بثّه على الإنترنت بعد العملية بأربع ساعات ، وقوفه وراء اغتيال اللّواء جعفر محمّد سعيد، الّذي لم يكن قد مضى على تعيينه سوى شهرين، إلاّ أنّ ذلك لا يعني أنّ التّنظيم المتطرّف هو مصدر الفوضى الوحيد، فهناك فصائل وجماعات مسلّحة عدّة اشتركت في القتال ضدّ قوّات الرئيس السابق علي عبدالله صالح والحوثيّين في العام الماضي مثل أنصار الشريعة والحراك الجنوبي وتطالب بما تراه استحقاقات لها ، فأنصار الشريعة تطالب باقامة ما تسميه "امارة اسلامية"، بينما يرفع الحراك الجنوبي شعار الاستقلال للدولة الجنوبية.
ورغم حوادث السطو على المحال والاغتيالات الّتي طالت ضباطاً عسكريّين وأمنيّين يتبنى تنظيم الدولة بعض حوادث الاغتيال بينما تبقى بعض العمليات مجهولة المصدر ، إلاّ أنّ اغتيال سعيد صدم سكّان المدينة الساحليّة، بما حمله من رسالة مفادها أنّ نيران الفوضى الأمنيّة نالت من أهمّ مسؤول حكوميّ بعد الرئيس.
وقبل اغتياله بيوم واحد، كانت عدن قد شهدت عمليّة اغتيال القاضي محسن محمّد فرحان، وهو رئيس المحكمة الجزائيّة في مدينة عدن، الّتي كانت قوّات الرئيس السابق علي صالح والحوثيّين اجتاحتها في آذار/مارس من عام 2015، قبل أن تخوض قوّات التّحالف العربيّ وجماعات مسلّحة موالية لعبد ربّه منصور هادي معركة طاحنة لاستعادتها.
وباتت مدينة عدن، الّتي توشح أبناؤها السلاح أخيراً مسرحاً لعمليّات دمويّة تتمّ في وضح النهار. وفرضت هذه المتغيّرات نمط تنقّل خاصّاً لهادي ورئيس حكومته وبعض الوزراء، حيث استعان هادي بطائرة هليكوبتر من أجل التنقّل بين قصره الرئاسي وميناء عدن الاستراتيجيّ، الّذي لا يبعد سوى أقلّ من نصف ساعة في سيارة رباعيّة الدفع.
وفي هذا الإطار، قال مسؤول حكوميّ رفيع المستوى لـ"المونيتور"، فضّل عدم ذكر اسمه: هناك إجراءات تقوم بها السلطة المحليّة في عدن للحدّ من الإنفلات الأمنيّ".
وأشار إلى أنّ تلك الإجراءات "نجحت خلال الفترة الماضية في تثبيت جزئيّ للأمن، إضافة إلى إيقاف تصاعد الهجمات الإرهابيّة"، لافتاً إلى "وجود خطّة أمنيّة، بالتّعاون بين السلطة المحليّة والجيش اليمنيّ وقوّات التّحالف العربيّ المتواجدة في مدينة عدن".
وفي الخامس من الجاري، نجا المحافظ الجديد لعدن عيدروس الزبيدي، الّذي تمّ تعيينه في السابع من كانون الأوّل/ديسمبر الماضي وثلاثة مسؤولين بارزين من تفجير انتحاريّ بسيّارة مفخّخة استهدف موكبهم، وأدّى إلى مقتل ثلاثة من حرّاسهم في مدينة عدن.
وفي هذا المجال، أشار مسؤولون محليّون في عدن إلى أنّ انتحاريّاً يستقلّ سيّارة مفخّخة فجّر نفسه أثناء مرور موكب عيدروس الزبيدي ومدير أمنه العميد شلال شايع ومحافظ لحج ناصر الخبجي.
وعلى أثر الحادث، فرضت السلطات حظراً للتجوال في المدينة من الثامنة مساء حتّى الخامسة صباحاً، إلى أجل غير معروف، لكنّ هذ الإجراء الأمنيّ لم يمنع من وقوع عمليّة اغتيال أخرى استهدفت عضو المجلس المحليّ في محافظة عدن محمود السعدي.
وفي هذا السّياق، أشار شاهد عيان إلى أنّ مسلّحين على متن درّاجة ناريّة أطلقا النار على محمود السعدي في مديريّة الشيخ عثمان، وأردياه قتيلاً على الفور.
وعقب كلّ عمليّة عنف، تقوم السلطات الأمنيّة في المدينة بالقبض على مجموعة من الباعة، الّذين ينتمون إلى المحافظات الشماليّة، تزعم أنّ بعضهم يعمل كمخبر و"خلايا نائمة" تقوّض استقرار المحافظة.
وفي مطلع الشهر الجاري، شهد محيط ميناء عدن الاستراتيجيّ اشتباكات عنيفة بين قوّات عسكريّة من الجيش اليمني وتشكيلات مسلّحة، تزعم أنّها من المقاومة الجنوبيّة رفضت تسليم المطار والميناء إلى الحكومة اليمنيّة.
وفرض المسلّحون سيطرتهم على أهمّ منشأتين في المدينة منذ خمسة أشهر هي مطار عدن الدولي وميناء عدن الاستراتيجي قبل أن يتمّ دحرهم بعمليّة عسكريّة سقط على أثرها مدنيّ وأصيب ثلاثة آخرين.
وقبل ذلك، في تشرين الأوّل/أكتوبر من العام الماضي اضطرّ رئيس الوزراء خالد بحاح للانتقال إلى المملكة العربيّة السعوديّة بعد أربعة تفجيرات استهدفت مقرّ إقامته ومواقع عسكريّة تابعة لقوّات التّحالف، تبنّتها الدولة الإسلاميّة وأسفرت عن مقتل 15 شخصاً، من بينهم أربعة جنود من الإمارات العربيّة المتّحدة.
وكان تنظيم "داعش" قد ظهر في اليمن مع اندلاع الحرب الأهليّة مطلع عام 2014 ليبرز اسمه بجوار تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وكانت داعش متمايزة عن الاخيرة ولا يوجد مؤشرات عن تنسيق مشترك للجماعتين.
ولم تف الحكومة بوعودها الّتي أطلقتها عقب طرد المسلّحين الحوثيّين في الصيف من مدينة عدن، وكان في مقدّمها إعادة الإعمار وفرض الأمن، وبدا الأمر للسكّان كأنّه تداول لدائرة العنف بين الحوثيّين والمسلّحين المتطرّفين، وسط غياب واضح لأجهزة السلطة.
وأشار سعيد عبد الله، وهو صحافيّ يهتمّ بشؤون الجماعات الإسلاميّة إلى أنّ "الوضع الأمنيّ في عدن يمثّل تحدّياً كبيراً بلا شكّ"، وقال لـ"المونيتور": "هشاشة الحال الأمنيّة ليست وليدة اللّحظة، لكنّها زادت سوءاً بسبب الحرب ودخول ميليشيا الحوثيّين إلى عدن، الأمر الّذي حفّز المجموعات المسلّحة وأعطاها بعداً شعبويّا مثل جماعة تنظيم القاعدة وانصار الشريعة في عدنً".
وتوقّع انحسار هذه التّنظيمات-القاعدة وأنصار الشريعة والدولة الاسلامية - لافتاً إلى أنّ "غياب المحفّز الطائفيّ عن المناطق الجنوبيّة المتمثّل بالحوثيّين، الّذين يعتنقون المذهب الزيديّ"، وكذلك المحفّز الجهويّ المتمثّل بالجيش الخاضع لسلطة صنعاء، أفقد الجماعات المسلّحة غطاء جماهيريّاً مهمّاً، وجعلها في مواجهة مع المجتمعات المحليّة مباشرة. ولهذا، عادت هذه الجماعات إلى المربّع الأوّل، وهو عمليّات الإغتيال والتفجيرات".
وكان مسلّحو تنظيم الدولة الاسلامية قد اقتحموا جامعة عدن في نهاية تشرين الأوّل/أكتوبر من العام الماضي، وهم يطلقون النار في الهواء لمطالبة الطلاّب والطالبات بعدم الإختلاط.
وفي العاشر من يناير الجاري اطلق مسلحون مجهولون النار ناحية عقيد في الامن السياسي واردياه قتيلاً.
وقال مصدر صحافيّ فضل عدم ذكر اسمه لـ"المونيتور": إنّ مسلّحين على متن درّاجة ناريّة اغتالا ظهرا الأحد العقيد علي الناخبي في مديريّة المنصورة وسط مدينة عدن ولاذا باالفرار.
وينصّب متشدّدون اسلاميون نقاط تفتيش ليلاً في بعض مناطق مدينة عدن، فضلاً عن سيطرتهم فعليّاً على أجزاء واسعة من محافظة حضرموت الشاسعة في شرق اليمن.
ولا يعرف المواطنون في اليمن ما المصير الذي ينتظرهم ، اذ لا يلوح في الافق سوى الفوضى ، بينما تدق منظمات دولية ناقوس الخطر حيال تدهور الوضع الانساني ، فيما تقف الحكومة عاجزة عن فعل شيء.
نقلاً عن موقع المونيتور