اخبار الساعة

حوار خاص مع الدكتور عماد الدين الجبوري

الدكتورعماد الدين الجبوري
اخبار الساعة - بونوارة فريد شرف الدين بتاريخ: 14-04-2012 | 13 سنوات مضت القراءات : (4103) قراءة

 

اجرى الحوار .. اردلان حسن

دكتوراه في الفلسفة وصاحب مؤلفات عديدة باللغتين العربية والانكليزية ومحلل سياسي في عدة قنوات تلفزيونية منها تلفزيون الشرقية نيوز والمستقلة ومستشار تحرير مجلة معارج الالكترونية ...وفوق هذا وذاك صوت من اصوات المقاومة العراقية ومن المطلوبين على قائمة الاغتيالات الايرانية في العراق. هذا هو الدكتور عماد الدين الجبوري الذي رحب بنا في لقاءه معنا ليكشف فيه عن افكاره وآرائه للوضع السياسي العراقي ورؤيته المستقبلية للوضع المتأزم، وكذلك رؤيته للواقع الثقافي والتعليمي والفلسفي العربي الحالي وما تواجهها من تحديات صعبة في ظل الهيمنة الغربية وتفشي الفساد والجهل والظلم في كافة أرجاء الوطن العربي.....

  بادرنا الدكتور عماد الدين بالسؤال عن القمة العربية وان نجحت في تحقيق اهدافها كما كانت تطمح اليه الحكومة العراقية والدول العربية المشاركة؟

أن القمة العربية في بغداد لم تضيف إلى القمم السابقة في العقدين المنصرمين غير المزيد من الفشل. بل أنها الأضعف والأسوء، ولأسباب داخلية وخارجية. فمن الداخل وجدنا كيف أن نوري المالكي أنفق أكثر من مليار دولار، والشعب أولى بها، لكي يكسب شرعية سياسية عربية؛ وأيضاً لكي يمهد لتمييع أي قرار عربي مستقبلي ضد النظام السوري المرتبط بإيران (وقبيل إنعقاد القمة، قلت هذا القول على قنوات: المستقلة والشرقية نيوز والرافدين). وهذا ما جرى بعد ثلاثة أيام من إنتهاء مؤتمر القمة، ومجابهته لموقف قطر والسعودية تجاه ثورة الشعب في سوريا. أما الجانب الخارجي، فأن الترشيح الرئاسي للإنتخابات الأمريكية أوجبت على إدارة باراك أوباما أن تضغط على الأنظمة العربية لكي تحظر القمة في بغداد، بغية التسويق الإعلامي داخل أمريكا لكي تصب في صالح سياسة أوباما الذي أمر بسحب قواته من العراق.

هذا إن لم نشير إلى ما قاله أهالي بغداد: هذه نقمة وليست قمة، لِما حاق بهم من إعتقالات ومداهمات عشوائية طالت الآألاف، بدعوى الإحتراز الأمني المسبق. علاوة على نشر مئة ألف عسكري، وتقطيع الشوارع والطرقات عبر نقاط السيطرة والتفتيش والأسلاك الشائكة، فجعلت بغداد سجناً كبيراً. ناهيك أن العطلة التي فرضتها حكومة المالكي أضرت البلاد إقتصادياً، حيث وصلت الخسارة إلى مليارين دولار.

 حكومة المالكي الى اين تتجه بالعراق وهل هناك اية حظوظ ان يستقر العراق في ظل حكم رئيس وزراء هو برأيي الكثيرين طائفي ؟

أن حكم المالكي صار متميزاً بالإستبداد والتعسف والإضطهاد، وهذا النهج السلبي طال حتى الذين يشاركونه في العملية السياسية. ولنا في قضية طارق الهاشمي وصالح المطلق والموقف الأخير ضد الكتلة الكردستانية خير مثال. وبالتالي فأن العراق يسير نحو الهاوية أكثر فأكثر. كما وأن المالكي طائفي مرتبط بالمشروع الإيراني الصفوي في المنطقة، ولذلك لم تجده يرد على تصريحات السفير الإيراني حسن دنائي فر الأخيرة في بغداد قبل القمة، ولا على قول المستشار العسكري لخامنئي رحيم صفوي الذي أعترف بقوة إبران أكثر من أمريكا داخل العراق، أو رئيس فيلق القدس الإرهابي قاسم سليماني الذي أكد على أمكانية إيران بقيام نظام إسلامي في العراق وجنوب لبنان.

 ماهي ابرز تحفاظاتك ككاتب سياسي ومتابع لمجريات الأمور في الداخل العراقي على اداء حكومة المالكي والحكومات التي سبقتها ؟ اين اخطأت واين يمكن ان تكون اصابت؟

أن حكومة المالكي وسابقاتها مسلوبة الإرادة، كونها حكومات إحتلال تخضع لأوامر واشنطن وطهران. علاوة على أن المالكي نفسه طائفي الفكر والتفكير. ويكفي جوابه على سؤال صحيفة الغارديان البريطانية منتصف ك1 2011، أنه كيف يرى أو يشخص نفسه. قال: أنا شيعي أولاً. وعراقي ثانياً وعربي ثالثاً. وعضو في حزب الدعوة رابعاً. فماذا نتوقع من سياسي يضع هويته الوطنية درجة ثانية، وهو يحكم شعب متنوع الطوائف والمذاهب والأديان؟ أن مناؤتنا لحكومات الاحتلال لا تنبع من مبدأ المعارضة السياسية، بل كونها غير شرعية من ناحية، ومن ناحية أخرى لم تقدم للشعب العراقي غير المزيد من التراجع والتدني في مختلف المجالات والميادين الخدمية والعلمية والصحية والتجارية والثقافية الخ. فلو نظرنا، علي سبيل المثال، إلى السنوات السبع الماضية من حكم المالكي؛ فأن مجموع الميزانيات السنوية قد تجاوزت مبلغ 470 مليار دولار أمريكي. ومع ذلك مازال المواطن العراقي يشكو العوز والفقر والحاجة. علاوة على إستمرار النقص في الماء والكهرباء والغذاء والدواء الخ. والأنكى من هذا، لاتوجد مطابقة حسابية سنوية لٍما تنفقه الحكومة!! وهذا لم يحصل في أي بلدٍ في العالم.

 ما هو رأيكم في الانسحاب الامريكي من العراق ..وهل هو انسحاب تكتيكي ام فعلي ؟

أولاً يجب أن نعرف ونعترف بأن سبب إنسحاب القوات الأمريكية من العراق لم تكن من تلقاء نفسها، ولا بمحض إرادتها؛ وإنما جاءت نتيجة لضربات المقاومة العراقية الباسلة. وفي النصف الثاني من عام 2008 أدركت الإدارة الأمريكية، عبر قادتها الميدانيين في العراق، بفشل فرض الحل العسكري. ولكي تتفادى إدارة أوباما الهزيمة المنتظرة التي أورثها لهم جورج الصغير، عملت على إجلاء قواتها بطريقة تحفظ بها ماء وجهها.

أن الإنسحاب الأمريكي ليس مراوغة أو تمويه، بل هزيمة عسكرية واضحة؛ ونصرٌ حققته المقاومة العراقية المظفرة. ومع ذلك فأن الولايات المتحدة كقوة عظمى تتحمل الخسائر الجسام، فهي مازالت تمسك بزمام الأمور في العراق، لكنها لن تكسب المستقبل. إذ الوقائع والمعطيات والمستجدات تؤكد منطق التاريخ على زوال المحتل مهما طال الزمن.

  كان الكثيرون يتوقعون ان تسيطر المقاومة العراقية على الارض والموقف بعد الانسحاب الامريكى الرسمي ..لكننا لا نرى نشاطا واضحا على الارض فما هي الاسباب؟

قبل ذي بدء، يجب أن تكون توقعاتنا ضمن ما تقوله وتفعله المقاومة العراقية، لكي يكون إستنباطنا مقبولاً وصحيحاً؛ والأخيرة لم تنص على السيطرة أو الهيمنة بعد عملية الإنسحاب العسكري الأمريكي، بل نصت على إستمرارها بالجهاد الميداني ضد الأوكار التي يختفي فيها المحتل. ومن هنا صنعت الصواريخ المحلية أرض-أرض التي تمطر بها تلك الأوكار. ولنا بالصواريخ النقشبندية "النذير" و "النصر" خير دليل.

هذا وعلينا أيضاً أن نأخذ بالحسبان السطوة الإعلامية الأمريكية وحكومة الاحتلال التي تعمل على إخفاء ضربات المقاومة العراقية، ولا تنشر منها إلا ما هو ظاهر للعيان، أعمدة الدخان المتصاعدة من المنطقة الخضراء نموذجاً، فالمقاومة الوطنية المسلحة مستمرة ومتواصلة في نهجها التحرري حتى تحقق النصر المبين بعون الله تعالى.

 اشرفت الحكومة العراقية بعد الأحتلال على وضع خطط للنهوض بقطاع التعليم من خلال وضع الأكاديمين واصحاب الفكر والثقافة في مراكز السلطة واتخاذ القرار في الجامعات والمعاهد والمدارس , مع ذلك لم يشهد التعليم في العراق نهوضا يذكر؟ برأيك ماهو السبب؟

دعني أخالفك في صياغة هذا السؤال. فحكومة الاحتلال الخامسة، مثل سابقاتها، فشلت في توفير الأمن والأمان ومحاربة الفساد، فهل تجدها قد نجحت في التعليم. العراق الآن بحاجة إلى ستة آلاف مدرسة، معظم المدارس الحالية بحاجة إلى صيانة، ومنها معدومة الماء والكهرباء. الأمية تزداد وتنتشر بسبب قلة التعليم! وهذا الوضع لم يكن في السابق رغم الحصار الجائر على العراق، بل بدأت بعد الاحتلال وأستفحلت بطريقة تدل على أنها مدروسة ومقصودة في تأخير العراق علمياً. أما بخصوص الأكاديميين وأصحاب الفكر والثقافة في مراكز السلطة، بصراحة لا أدري من أين أستقيته؟ فلو كان ذلك كذلك لنجح التعليم دونما أن تتفاقم المشكلة أصلاً.

 تشكلت الحكومة العراقية بعد الاحتلال. بأغلبها من معارضين سياسيين للنظام البائد في بلاد المنفى. هل ترى انهم اولوا العراقيين المغتربين اهتماما واولوية تذكر ؟ سيما وانهم عايشوا نفس الظروف من التهميش والنسيان عقودا طويلة؟

لا أبداً، فكل الذين كانوا يمثلون المعارضة العراقية، ثم جاؤوا مع المحتل الأمريكي، لم يهتموا ولم يكترثوا إلى العراق أرضاً وشعباً. بل فضلوا مصالحهم الشخصية والفئوية والحزبية على مصالح الوطن والمواطنة. ولذلك تجد أن العملية السياسية تنحدر من سيء إلى أسوء، حتى وصلت في السنة العاشرة من الاحتلال إلى التصفيات السياسية، وإستخدام المادة الشهيرة 4 إرهاب كمطرقة تدق أعناق المتضادين في هذه العملية السياسية البائسة التي أوجدها المحتل الأمريكي.

 كيف يمكن ان يغير العراقي الاكاديمي والمثقف المغترب بلده الى الأفضل من خلال تطويره بأحترام حقوق الانسان ودعم مفاهيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق المواطنة والمساواة واحترام المراة ككائن مستقل؟

دور الأكاديمي والمثقف العراقي في المهجر مهما كانت له فاعلية معينة في تطوير بلده، فإنها تقترن بالوضع الداخلي عموماً. فالعراق يعاني من إحتلال مزدوج أمريكي-إيراني. وهناك قتل وإرهاب وتعذيب وتهجير وهدر لأموال الشعب وسرقة لثروات البلد الخ. وعليه فأن دور المثقف الوطني ينحصر في مجابهة هذا الوضع والمشاركة مع بقية القوى الوطنية المسلحة والمدنية من أجل إرجاع العراق إلى وضعه الطبيعي وطنياً وأقليماً ودولياً. وأن شأن المرأة لايقل خطورة وأهمية عن شأن الرجل بالمشاركة في هذا الدور المطلوب تجاه الوطن والمجتمع.

 الكثيرون من التكنوقراط كانوا في العراق في حكومة علاوي ولكنهم فشلوا في بناء عراق قوي وغير فاسد ماذا كانت اسباب الفشل بنظركم؟

أستغرب من هكذا سؤال، فحكومة الاحتلال الثالثة التي ترأسها أياد علاوي كانت حكومة إنتقالية أستمرت لمدة سنة، فما الذي تستطيع تقديمه خلال هذ الفترة القصيرة؟ ثم لم يكن هناك الكثير من ذوي الإختصاصات، حيث القتل على الهوية والتشريد والتهجير عبر فِرق الموت الصفوية، جعلت الكثيرين منهم يهربوا خارج العراق. وبصراحة أكثر، أن علاوي الذي وافق المحتل الأمريكي بضرب الفلوجة بالفسفور الأبيض المحرم دولياً، والهجوم على النجف، لا يمكن أن ينتهي إلا بالفشل. وهذا يسري على كل مَنْ تحالف أو تعاون مع الاحتلالين الأمريكي والإيراني.

 لديكم كتب فلسفية ( الله والوجود والإنسان) و( الخروج عن الزمن) ... اين ترى مستوى الفلسفة العربية وماذا حققت؟ هل لدينا فلسفة خاصة بنا ام لا زلنا نطور من فلسفات اخرى ونأخذ منها؟

هذه الكُتب بالعربية، ولي أيضاً مؤلفات بالإنكليزية، منها: تاريخ الفلسفة الإسلامية، 2004، الفكر الإسلامي، 2010. عموماً، أن الوضع الفلسفي العربي الحالي أصعب، إن لم يكن أقل مستوى، من مراحل معينة من القرن العشرين. وهذا يعود إلى تراكمات الأوضاع السياسية على الساحة العربية، خصوصاً في العقود الثلاث الماضية. حيث أصبح المثقف أما بوقاً للحاكم، أو قابعاً في السجن، أو مهاجراً في الغربة. والفلاسفة والشعراء وغيرهم لا يبدعون إلا بمناخ سياسي مستقر، وحرية ملموسة، وعيشة كريمة للجميع.

وبحكم التقدم العلمي والحضاري في العالم الغرب، فأن المذاهب الفلسفية الغربية لها تأثيرها على العقل العربي. وهكذا كان حال بعض الفلاسفة العرب أمثال: زكي نجيب محمود في الوضعية، عبد الرحمن بديوي ورينه حبشي في الوجودية، وأخرين غيرهم. كما وهناك مَننْ ينتهج إحياء إرث الماضي، وهم كثير إبتداً من يوسف كرم وأحمد أمين وصولاً إلى عباس محمود العقاد وغيره. ولكن هذا لا يمنع من وجود فلاسفة عرب يمتازون بالنهج الخاص وفق رؤية فلسفة عربية تخص العقل العربي، أمثال ياسين خليل ومحمد عابد الجابري.

  ماذا يقول الدكتور عماد عن الثروات العربية المهدورة والثروات هنا لا نعني بها فقط الثروات المادية بل الثروات الانسانية والابداع الموجود لدى العرب والمسلمين والذي لا يظهر للاسف الا ما ندر في بلداننا بل في دول الغرب؟

أن هدر الثروات، أياً كان نوعها: مادية إنسانية علمية، فهي خسارة للوطن وللأمة. وبالتالي تؤخرنا عن البناء والتطور والنهوض لمطاف البلدان والأمم المتقدمة. ولكي نقف ضد هذا الهدر، علينا بناء الدولة وفق نظام مؤسساتي متكامل ودستور نابع من موافقة الشعب. ولكن هذا لا يتحقق إلا بالوعي والإدراك، لاسيما في الجانب السياسي. حيث مازال الحاكم العربي يتشبث بالحكم ويستبد بقراراته مما يخلق فجوة بينه وبين الشعب. ناهيك بالكلام عن ضعف النظام العربي الرسمي بسبب فصل الأمن القطري عن الأمن القومي، مما جعل البلدان العربية وشعوبها في وضع إنحداري متواصل.

  ماذا ينقصنا كشعب لكي نرجع الى صفوف الشعوب الراقية ؟

أن ما تمتلكه الشعوب الراقية من مقومات، هي موجودة أيضاً في هذه الأمة، والتاريخ بحضارته وأمجاده خير شاهد على ذلك. لكننا نحتاج لنشر الوعي بشكل أكبر وأوسع. وأن الثورات العربية التي مازالت نتائجها تتكون رويداً رويدا، فأنها ستسفر على زمن جديد لتاريخ جديد، نرجو من الله أن يرفع به شأن هذه الأمة.

 اسئلة شخصية

 هوايتك ؟

أحب رياضة المشي والمطالعة والموسيقى.

 الكتاب الذي لا تمل منه ؟ والكاتب المفضل ؟

القرآن.من الكتاب هنالك الكثير وليس واحداً.

  الحلم الذي تحقق والحلم الذي لم يتحقق الى الآن ؟

الأحلام كثيرة ومتشعبة، ولكن إن حصرته ضمن الجانب الفكري، فأنه يتعلق بما أصدرته من نتاجات سابقاً، وما سأصدره من نتاجات لاحقاً.

 ماذا تحب ان تضيف ؟

أود أن أضيف الدعوة لكل عراقي وطني مخلص لتربة الأباء والأجداد، أن يعمل من أجل العراق، ويجعل شعاره العراق أولاً. وأشكركم جزيل الشكر والإمتنان لهذه المقابلة القيمة. بارك الله بكم وبعملكم.

 

المصدر : مجلة معارج
اقرأ ايضا: