أخبار الساعة » دراسات ومتابعات » دراسات وتقارير

د.طارق الحروي : المؤسسة الدفاعية الجديدة بوابة التنمية الشاملة والمستدامة التي لم تفتح مع بالغ تحياتي

- د.طارق الحروي
من نافلة القول إننا كنا قد تطرقنا في أحيانا كثيرة إلى المكون العسكري- الأمني للدولة المدنية البحرية الحديثة، ولا سيما في مقالاتنا المنشورة من على صدر الصحافة المحلية تحت عنوان (قراءة في البعد الاستراتيجي لدلالات وأبعاد سيناريو استهداف مؤسسة الحرس الجمهوري والقوات الخاصة: رجال المهمات الصعبة) و (دمج الجيش في الحرس أم دمج الحرس في الجيش: قراءة في البعد الاستراتيجي لأبعاد ودلالات آفاق إعادة هيكلة الجيش اليمني على أسس وطنية ومهنية طموحة جدا)، باعتباره محور الارتكاز الأساسي لقيامها من عدمه في بلد له خصوصية خاصة بهذا الشأن كاليمن التي يصل طول حدودها البحرية والبرية إلى 2500كم2 و1500كم2 على التوالي مما يجعلها معرضة لشتى الأخطار والتحديات الجمة التي تحول دون وجود أية احتمالية لإمكانية قيام الدولة المنشودة وولوج مرحلة التنمية الشاملة والمستدامة من الأساس، سيما في حال أدركنا أن طبيعة ومستوى ومن ثم حجم الصعوبات الداخلية التي تعانيها البلاد بهذا الشأن جراء انقسام الجيش التقليدي بين قيادات التيار التحديثي التحرري والتيار التقليدي المحافظ والمتطرف- من جهة- وانتشار الأسلحة بين المواطنين لدرجة يسعنا القول إن الجزء الأكبر والمهم من الشعب أصبح مليشيا مسلحة- من جهة ثانية- واستمرار تنامي حدة المخاطر الجمة وضخامة التحديات الداخلية والخارجية المحيطة بالبلاد من كل حدب وصوب، التي يأتي على رأسها (ظاهرة الجرائم المنظمة وغير المنظمة كـ" التهريب، السلاح، المخدرات، غسيل الأموال، الاصطياد غير المشروع، تدمير منظم للبيئة البحرية، انتهاك للمياه الإقليمية،....."، اللاجئون الأفارقة، الجماعات الإرهابية والجماعات الخارجة عن النظام والقانون، القرصنة البحرية،....).
  •  وهو الأمر الذي كانت تدركه عناصر التيار التحديثي التحرري التي يقف على رأسها الرئيس السابق الأخ المشير على عبد الله صالح بالتعاون والتنسيق ومن ثم الشراكة (غير المباشرة) مع عناصر التيار الوطني المعتدل في السعودية (جلالة الملك عبدالله عبد العزيز آل سعود) بأبعاده الدولية؛ اتضحت أهم معالمه الرئيسة بجلاء مع إقدام عناصر التيار التحديثي والتحرري على خوض غمار إرهاصات تأسيس أهم مكون في الدولة المنشودة قاطبة على أسس وطنية ومهنية طموحة جدا منذ عشر سنوات ونيف (وحدات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة) وما ترتبط بها من مؤسسات أمنية جديدة، بجانب باقي المكونات الأخرى لكن بصورة متباينة نسبيا، ليس هذا فحسب.
  • لا بل أني كنت قد أشرت في مواضع كثيرة أن هذه الوحدات العسكرية سوف يكون لها دور محوري في العملية التنموية القادمة- وفقا- لطبيعة ومستوى ومن ثم حجم المهام الموكلة لها بهذا الشأن، سيما أن ذلك قد برز بصورة واضحة ونحن نلقى حزم من الأضواء المركزة على بعض أهم المعالم الرئيسة الحاكمة لأركان الدولة المدنية البحرية الحديثة المنشودة في ضوء خارطة الطريق اليمنية الجديدة المتوقعة والمحتملة أو المرغوبة التي سوف تنبثق عن مؤتمر الحوار الوطني الشامل القادم، التي هي عبارة برنامج تنفيذي وطني للثلاثين عاما القادمة يشيد أبناء اليمن مرتكزات الدولة المدنية البحرية الحديثة المنشود من على الشريط الساحلي وما يجاوره من مناطق حيوية وهنا يكمن بيت القصيد في تناول هذا الموضوع تحت هذا العنوان تحديدا.
  • ومما تجدر الإشارة إليه بهذا الشأن- أيضا- أني كنت قد تناولت هذا الأمر في مواضع عديدة أخرى عندما أشرت لمثل هذا الأمر من خلال عملية دمج  الجيش اليمني بالحرس الجمهوري (المؤسسة الدفاعية الجديدة) ثم يتم تحويل الجزء الأكبر والمهم من وحدات الجيش اليمني البرية إلى قوات بحرية وقوات للدفاع الساحلي، أما عن أهمية هذا المتغير فتبرز، باعتباره عمود الارتكاز الأساسي والمحوري في إمكانية قيام الدولة المدنية البحرية الحديثة ومن ثم تحول اليمن إلى دولة بحرية عظيمة قادرة على تأدية كافة المهام الحيوية المناطة بها في حماية وضمان تأمين حدودها البحرية وثرواتها البحرية الطبيعية والصناعية والمعدنية، وصولا إلى تحولها إلى أهم رافد من روافد التنمية الشاملة والمستدامة بكل أبعادها، على خلفية ما أصبحت تمليه أولويات المصلحة الوطنية العليا من ضرورة تحول الجزء الأكبر والمهم من اهتماماتنا الرسمية وغير الرسمية في المرحلة القادمة إلى إقليمي الشريط الساحلي والجزر اللذان يجسدان جوهر هذا التحول من الأساس.
  •  باعتبار أن هذا التحول (لليمن وجيشها) هو الضمانة الأساسية لاستمرار تنامي طبيعة ومستوى ومن ثم حجم الاستفادة المنشودة التي وفرها متغيري الموقع الاستراتيجي والحدود البحرية إلى حدودها القصوى- أولا- وحماية وضمان تأمين خطوط الملاحة البحرية الدولية الأكثر أهمية وحساسية في العالم، وصولا إلى تلبية  كافة احتياجات السفن الحربية والتجارية وطواقمها العابرة لمياه خليج عدن والبحر الأحمر وما يجاورها، في ضوء ما تمليه أولويات المصلحة الحيوية للدول المعنية صاحبة المصلحة المشتركة بهذا الشأن- ثانيا ليس هذا فحسب.
  • لا بل وتتعاظم ضرورته التي أصبحت أكثر أهمية إلحاحا- إلى حد كبير- في ضوء ظهور متغير إعادة هيكلة القوات المسلحة اليمنية ليس على أسس مهنية ووطنية لا بل وطموحة جدا، كمرتكز أساسي من مرتكزات الآلية التنفيذية المزمنة للمبادرة الخليجية، فرضته أولويات المصلحة الوطنية العليا، والمصلحة الحيوية للدول المعنية صاحبة المصلحة المشتركة، بصورة وفرت أمام اليمن فرصة ذهبية تاريخية نادرة لإمكانية إحداث هذه النقلة النوعية في الواقع اليمني بأقل وقت وجهد وتكلفة ممكنة.
  •  سيما أن هذا الأمر برمته لم ولن يكون وليد اللحظة التاريخية بل هو في الأساس إمتداد طبيعي لحالات الحراك الحادة التي تشهدها البلاد بهذا الشأن منذ ما يزيد من عقد من الزمان ضمن إطار إستراتيجية وطنية بأبعادها الإقليمية والدولية معدة لمثل هذا الغرض، في ضوء استمرار تنامي حالات التغيير الجذرية الحاصلة في واقع المؤسسة العسكرية والأمنية...الخ بالاستناد إلى مؤشرات حركة التغيير شبه الصامتة التي تتصدرها عناصر التيار الوطني المعتدل، على خلفية ما أثرناه من مؤشرات مهمة عديدة في مقالاتنا المنشورة من على صدر الصحافة المحلية الورقية والالكترونية بعنوان (حركة التغيير  شبه الصامتة في اليمن: محطات بارزة نحو ولوج مرحلة دولة النظام والقانون المنشودة...) و (التيار الوطني المعتدل في اليمن ومؤشرات استعادة أهم ملامح اللحظة التاريخية للمرحلة(1974-1977م....) و(رجال المهمات الصعبة: دلالات وأبعاد سيناريو استهداف مؤسسة الحرس الجمهوري والقوات الخاصة بين الماضي والحاضر...).
  • أما عن الشاهد في هذا الأمر برمته فيمكن إعادة بلورة بعض أهم معالمه الرئيسة في اتجاهين أساسيين- على أقل تقدير- يتعلق الاتجاه الاول بأن تحول الجزء الأكبر والمهم من وحدات الجيش اليمني (القوات البرية) إلى قوات بحرية وقوات للدفاع الساحلي وخفر للسواحل تتمركز مقراته ومعسكراته الرئيسة على طول الشريط الساحلي والجزري ضمن إطار إستراتيجية وطنية أمنية متكاملة الأبعاد كما سوف نشير إليها في مقالات لاحقة بهذا الشأن، يعني في أحد أهم جوانبه إن اليمن يصبح بمقدورها فرض سيطرتها شبه الكاملة على حدودها البحرية وبالتالي ضمان تأمين مياهها الإقليمية وثرواتها البحرية وحماية أمنها القومي، وصولا إلى حماية خطوط الملاحة البحرية الدولية على طول الـ2500 كم2 وبالتالي رفع العبء الأمني والمالي (الذي تقدره بعض المصادر بمليارات الدولارات سنويا تصرف لحماية السفن العابرة لها) بصورة شبه كاملة عن كاهل كافة القوى الدولية والإقليمية صاحبة المصلحة الحيوية منذ بروز ظاهرة القرصنة البحرية في العام2007م على أقل تقدير، وهو الأمر الذي سوف يمكن القوات المسلحة اليمنية من تغطية الجزء الأكبر والمهم من احتياجاتها وبالتالي رفع عبء كبير جدا عن موازنة الدولة - وفقا- لطبيعة وحجم الضرائب التي سوف تقوم بتحصيلها من كل السفن العابرة ورفد خزانة الدولة بنسب مهمة منها (وهي مبالغ محدودة لا تساوي شيء بالمقارنة بما كانت تتحمله الخزانة الدولية لحماية سفنها، سيما في حال علمنا أن الضرائب التي تتحصل عليها الحكومة المصرية من قناة السويس تغطي ما يقارب ثلثي الميزانية السنوية بحسب المصادر).
  • سيما أن هذا الأمر سوف تتضح معالمه الرئيسة أكثر عند خوض مضمار الصناعات البحرية سواء أكانت العسكرية التي تؤهلها لتلبية احتياجاتها ابتداء من سفن ومعدات وعتاد...الخ وصولا إلى منشات ومعامل لإصلاحها وإدامتها، ومرورا ببناء أحواض عسكرية عملاقة لإصلاح وإدامة السفن العسكرية والتجارية العابرة وبناء استراحات للسفن وطواقمها على كافة الأصعدة، وانتهاء بخوض غمار المشاريع الاستراتيجية  (الاقتصادية، السياحية، والإنشائية، الصناعية، الزراعية، الغذائية، التجارية،...)، على خلفية أن اليمن تمتلك تجربة مهمة بهذا الشأن تجسدت أبرز معالمها الرئيسة في عقد الثمانينيات من القرن الماضي
  • في حين يتمحور الاتجاه الثاني حول أن قدرة المؤسسة الدفاعية والأمنية الجديدة على تأمين الحدود البحرية وإيقاف كافة أشكال الجريمة المنظمة غير المنظمة العابرة للحدود، وصولا إلى فرض قوة النظام والقانون؛ سوف يعيد للعملية التنموية توازنها النسبي المفقود، بصورة تفضي إلى استتباب الأمن والاستقرار النسبي، مما يساهم بفاعلية متعاظمة بجذب وحشد ومن ثم تركز فتح فرص الاستثمارات المنشودة بكافة صورها وأشكالها، الكفيلة بإشعال شرارة الثورة الرابعة القادمة المتوقعة في أوساط المجتمعات المحلية والتي من خلالها يمكن لليمن ولوج مرحلة التنمية الشاملة والمستدامة المنشودة.        

                                                                                                     والله ولي التوفيق

 

 

 

 

     



([1]) باحث في العلاقات الدولية والشئون الاستراتيجية وكاتب ومحلل سياسي.

 

المصدر : الكاتب

Total time: 0.0608