د/ محمد حسين النظاري
نحتاج الى ضمير وحس وطني.!!
ما إن انتهى مولد الأولمبياد اللندني حتى حمل كل فرد من المشاركين عن بلادنا جوازه متجهاً نحو مطار لندن عائداً للوطن ليحتفظ بالجواز الغالي عليه كونه يحمل تأشيرة لندن للمشاركة في أكبر تظاهرة رياضية، إضافة لبطاقة المشاركة، ليكونا الإثنان معاً تذكاراً جميلاً -له- سيظل يفخر بها طول العمر.
هذا ما يحصل لدينا أما ما هو حاصل لدى الآخرين فعلى النقيض منا تماماً.. فالجزائر التي حصلت على الميدالية الذهبية بفضل فوز العداء المتألق توفيق مخلوفي بسباق الـ1500- وكانت أول ذهبية للجزائر والعرب- فلم تنسي تلك الذهبية -الجزائريين- الحساب والعقاب، فبمجرد عودة الوفد الجزائري شنت الصحف هجوماً عنيفاً على المشاركين (39 لاعباً في 12 رياضة) ومرّد الحنق أن ذهبية واحدة لا تكفي لهذا العدد الكبير من الرياضيين حتى ولو كانت الأولى في الإحراز بين العرب مما جعلها في المركز الخمسين بين الدول التي أحرزت الميداليات.
نعم الفرق شاسع بيننا وبينهم فعدد وفدنا الإداري فاق الرياضيين ولم نخجل، ومع ذلك لم نتحصل حتى على منافسة معتبرة، ولا أقول ميدالية مسجلة ولو كانت خشبية، الجدل حالياً محتدم بين اللجنة الأولمبية الجزائرية ووزارة الشباب والرياضية، فكلاهما يقران بالإخفاق، وإن كان كل منهما يرمي بالتقصير على الطرف الآخر.. وانظروا معي الى كلمتي الإخفاق والتقصير لدى من حقق ميدالية ذهبية في أم الألعاب، فيما نحن لم نحرك ساكناً ولم نسكن متحركاً، فلا اللجنة الأولمبية اعترفت بإخفاقنا أو على الأقل عدم متابعتها للرياضيين المشاركين من مختلف الألعاب، ولا وزارة الشباب والرياضة فعلت شيئاً رغم أنها المموّل والمراقب، وبيدها مفاتيح كثير تستطيع أن تحل لنا فحوى ما جرى.
فإخفاقنا لم يكن في النتائج وإلا لهانت علينا، ولكنه في رياضيين شارك بعضهم بلا مدرب، والآخر بمرض وثالث بلا إعداد، والسؤال لماذا ذهبوا إذا الى هناك هل فقط ليضمنوا جوازاتهم تأضيرة لندن؟، أم ليحملوا بطائق المشاركة في أعناقهم بديلاً عن الميداليات.
في الجزائر ألمح رئيس اللجنة الأولمبية عن عدم ترشحه نتيجة ما جرى، وسارعت الوزارة الوصية الى توبيخ الاتحادات التي عجزت عن بلوغ منصات التتويج، مع أن ما حصل عليه الجزائريون جعلهم الثاني عربياً بعد تونس ومخلفين وراءهما -معاً- بقية العرب، ولكن ليس هذا المقصود من مشاركتهم، بل هو رفع العلم الجزائري في أكثر من مناسبة.
أستغرب أيضاً من ردة الفعل الباردة للدول الخليجية التي يجب أن تخجل من نفسها وأن تحاسب رياضييها حساباً عسيراً أكثر بكثير منا، فهذه الدول لم تبخل بشيئ ومع هذا نجدها في مشاركات خجولة ومحتشمة، ولا تستقيم مع المليارات التي تصرف على الرياضة، فالبرونز أصبح أقصى غاية للرياضي الخليجي، ويبدوا أن الاكتفاء الذاتي من الذهب في بلدانهم جعلهم يعزفون عن تحصيله، فمن المعيب أن تكتفي السعودية والكويت وقطر بالبرونزيات فقط.
وتبقى البحرين هي الاستثناء كونها –رغم امكانياتها الشحيحة مقارنة ببقية دول الخليج- نالت أول ميدالية بتاريخها عبر العداءة مريم جمال (أول خليجية تتوج أولمبياً)، كما أن تونس التي شهدت عدم استقرار سياسي، رفعت تونس رأس العرب بفضل أسامة الملولي (ذهبية وبرونزية) وحيبية الغريبي (فضية) لتعيش الربيع العربي من جديد، فيما كانت المشاركة المغربية (72 لاعباً شاركوا في 12 رياضة) وميدالية برونزية وحيدة لعبد العاطي إيغدير مخيبة للآمال بالنظر إلى التاريخ العريق الذي تتمتع به.
بقية العرب رغم ضخامة التمثيل إلا أن المردود سلبي قياساً بحجم المشاركين وبما كان يتوقع الحصول عليه، فمصر تبقى خارج المنافسة الحقيقية بفضيتين ، نظراً لمشاركتها بـ 119 رياضياً توزعوا على 19 رياضة، كذلك هو الحال للمشاركة المغربية بـ(72 لاعباً شاركوا في 12 رياضة) فيما النتيجة ميدالية برونزية، وهو تراجع مخيف للرياضات المغربية ويستعدي الالتفاتة السريعة..
وقد تابعت ردة الفعل الخاصة فيما يتعلق بمصر والمغرب، فوجدت المحاسبة قد بدأت مع أول عودة للبعثة، بل قبل ذلك فقد تفاعلت اللجنة الأولمبية المصرية مع شكوى إحدى لاعباتها من رداءة الأدوات فسارعت الى شراء غيرها وإرسالها فوراً الى لندن.
فأين نحن مما هم فيه؟ وينبغي ألا نخدع أنفسنا ونقول على سبيل المثال أن ما تقدمه البحرين –وهي أقل دخلا في دول الخليج- يفوق ما نقدمه بمرات، هذا ليس عذراً مقبولاً، فما نقدمه نحن هو أقل من حيث الحجم المالي، ولكنه أكثر منهم من حيث مقارنة الدخل العام لليمن بدولهم، ولهذا فإن ريالنا يفوق ريالاتهم ودنانيرهم ودراهمهم، لأن خزينتنا الفقيرة هي التي تمده، ليصرف في الهواء وللأسف الشديد.
كنت أتمنى ولو من باب ذر الرماد على العيون أن تجتمع لجنتنا الأولمبية لتقف على ما حدث لبعثتها، وأن تسارع قيادة وزارة الشباب والرياضية للاجتماع بالاتحادات الرياضية لمعرفة أين يكمن الخلل، ولو من باب تسكين الشارع الرياضي، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث.. بل على العكس سارعت نفس الوجوه لتولي وجهها شطر بلدان أخرى في مشاركات جديدة.
هذا هو الفرق بيننا وبينهم، المحاسبة، والتي تظل غائبة عن قاموسنا الرياضي، فمشاركات عديدة لمنتخباتنا في كرة القدم حققنا فيها إخفاقاً كبيراً لم نرى الاتحاد يقيّم النتائج ولا الوزارة تحاسب المقصرين، وهذا ينسحب على كثير من الألعاب الرياضية التي أصبح هَمُّ من يلتحقون بركبها، السفر ولا شيئ غيره.. فمتى نصبح كيفهم؟ لا أقول في الإنجاز مع أنه حق مشروع، ولكن في المحاسبة التي لا تحتاج الى مال كثير بقدر ما تحتاج الى ضمير وحس وطني.