أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

خيارات السلطة أمام فشل مشروع التسوية

- تحسين يحيى أبو عاصي
إن انهيار مشروع التسوية يعني انتهاء فترة الاجتهاد السياسي لأصحاب فكر التسوية ، وأصحاب مشروع التسوية رجال مناضلون شرفاء قادوا الثورة الفلسطينية في الداخل والشتات ، ومن المعيب المزايدة عليهم ونعتهم بنعوت غير لائقة ولا مقبولة مهما كانت نتيجة أخطائهم بسبب اجتهادهم من خلال رؤية سياسية اعتقدوا بجدواها ثم تبين عدم جدواها ، فالإخفاق والنجاح في حركات تحرر الشعوب أمر يجب تفهمه جيدا من حيث الطبيعة الديناميكية الحية لشعب لا يمكن أن ينكسر ، لا من حيث الشماتة وتيبس المواقف وجمود النظرة ، أو الغلو في التطرف والاستغراق في التحليل ، أو تحجر التفكير والرؤية الجامدة بهدف إقصاء وشطب الآخر ، تحت مبررات لا ترتقي إلى التحليل العلمي هي في معظمها اتهامات وكيل للشتائم .
وعلى أثر الإخفاق في تحقيق تسوية عادلة لشعبنا ، يأتي قيمة وأهمية البعد الحركي التنظيمي الذي يجب أن يحافظ على إنجازات تاريخية كبيرة نجحت في بلورة الشخصية الفلسطينية أمام العالم ، وإلا تناثر هذا الجهد وتلقفته أيدٍ أخرى ربما يكون لها مصلحة أيديولوجية وسياسية في فشل أو نجاح نهج على حساب نهج آخر، وهذا ما يُفسر طبيعة وعمق الصراعات الأيديولوجية والسياسية بين كثير من القوى الفلسطينية على مختلف الساحات ليس اليوم أو بالأمس القريب ، بل في مسيرة نضال شعبنا الطويلة وعلى كثير من الساحات ، ويعني ضرورة مراجعة الرؤية ومزيد من التقييم للأداء حفاظا على الإرث التاريخي النضالي ، خاصة أمام تصارع وتصادم عمليات الاستقطاب الجماهيري الحاد والقائم حاليا على كل الساحات ، والذي يأخذ أوجه متعددة وأشكالا مختلفة تطفو أحيانا على السطح بشكل واضح .
إن موقف حكومة الاحتلال من المفاوضات يعني وبالضرورة الملحة تحقيق المصالحة الوطنية ، والاتفاق حول رؤية سياسية جديدة تعيد الحقوق ، مجتمعين حول قواسم مشتركة حان اقتطافها ، متحملين المسئولية التاريخية أمام شعبنا والعالم ، وإلا قد يُسحب البساط من تحت أقدام البعض ، من بعد أن سُحب من البعض جزء منه بشكل لا يمكن إنكاره ، و سُحب بأكمله من البعض الآخر لدرجة أنه فقد امتداده الجماهيري ونواته الضاغطة ، لعلنا نحافظ بذلك على شكل وجوهر طبيعة نضال شعبنا ...
هناك الكثير الذي يمكن القيام به ، فلا زالت كثير من الأوراق القوية والرابحة في أيدينا ، من أهمها العودة إلى المقاومة بكامل أشالها بما فيها العسكرية ، فالنصر لا يمكن منحه لأحد ، هكذا علمنا التاريخ ، بل ينتزع انتزاعا خاصة في هذه المرحلة الحساسة والصعبة من نضال شعبنا ، ومن بعد أن رأى العالم موقف حكومة الاحتلال وأظهر تعاطفه معنى بشكل غير مسبوق ، وعجز النظام العربي المرتقب عن نجاحه في تقديم البديل المتوقع ، وهو اللجوء إلى الأمم المتحدة لنزع قرار الدولة الفلسطينية المستقلة ..
إن موقف حكومة الاحتلال من المفاوضات أسقط كثيرا من الرهانات والأطروحات والتوجهات ، مما يستدعي الالتقاء فورا حول برنامج نضالي واحد ، يجمع الكل الوطني من خلال الحد الأدنى من القواسم المشتركة .. وإلا سيكون البديل بعثرة لأوراق بعض القوى الفلسطينية ، وترتيبا جديدا ناجحاً لأوراق بعض القوى الفلسطينية الأخرى ، والمرحلة أكبر وأقوى من الجميع في حالة الاجتماع ، فكيف وهم متفرقون تارة ومنقسمون تارة أخرى ؟ .

Total time: 0.0521