يوميات صحفية من منازلهم (2)
للباحثات عن عمل: كوني رئيسة نفسك
كثيرا ما رأيت زميلات لي يتصارعن مع الحياة، الجري صباحا إلى دور الحضانة
لإيداع الأطفال، فالجري لركوب المواصلات لإدراك العمل، ثم الجري من العمل
للحضانة مرة أخرى قبل أن تغلق أبوابها، ثم الجري للسوق لشراء الخضروات
ومستلزمات الطعام.
ولا ينتهي الجري بالوصول إلى المنزل؛ فما زال هناك الجري في أرجاء البيت
لإعداد الطعام، وغسل الصحون، ونشر الغسيل، والمذاكرة للأولاد، ثم يأتي
يوم الإجازة لا للراحة بل لمزيد من الشقاء من تنظيف للمنزل وشراء للوازم
البيت وكي الملابس وزيارات عائلية ومكالمات تليفونية و....
سمة حياتهن دائما الجري واللهاث، ثم يأتي الليل لتلقي بجسدها على الفراش
منهكة القوى تفكر في اليوم التالي:
كيف ستواجه رئيسها في العمل؟
هل ستنجح في تسليم مهامها في الموعد المحدد؟
هل ستصل عملها في الوقت المطلوب أم ستتأخر عن الموعد؟
هل سيسمح لها بإذن انصراف مبكر لتذهب بطفلها للطبيب؟
كيف ستوفق بين متابعتها لمذاكرة الأبناء وبين أعبائها المنزلية؟
هل سيقدم رئيسها في العمل تقريرا إيجابيا عنها؟
هل ستحصل على ترقية؟
متى تعلنين التوقف؟
هناك بالطبع الكثيرات اللاتي يستطعن التوفيق بين الوظيفة والبيت بأسلوب "سددوا وقاربوا"، فهناك من تقوم بتنظيم وقتها، وتحسن الاستفادة منه، وترتب أولوياتها جيدا، وتعرف متى تقدم مصلحة بيتها وأسرتها على وظيفتها.
لكن حديثي موجه لكثيرات أخريات لم ينجحن في هذا الأمر، فهناك من جربت
الوظيفة وآمنت بمقولة "صاحب بالين كداب"؛ فاستقالت وقررت التفرغ لرعاية أسرتها؛ لأن عملها كان دوما على حساب أسرتها، وهناك من حاولت مرارا وتكرارا التوفيق بين الأمرين لكنها فشلت في ذلك، فلم تجد وظيفة مناسبة يقل دوامها عن ثماني ساعات، وليس لديها من الأقارب من تترك أطفالها في رعايتهم، ولم تجد دور حضانة تفتح أبوابها حتى موعد انتهاء دوامها، فقررت التفرغ للبيت حتى يكبر الصغار ويمكنهم الاعتماد على أنفسهم.
لكل هؤلاء تأتي فكرة العمل من المنزل لتحل مشكلاتهم، بالطبع هو ليس حلا سحريا، بل تكتنفه العديد من السلبيات والمساوئ، ولكن مزاياه أكبر، وحتى سلبياته يمكن التغلب عليها.
الفرصة سانحة.. لمن؟
* الأم الحديثة التي ترغب في التفرغ لرعاية طفلها خلال عاميه الأولين؛ حيث أجمع الخبراء على أهمية هذه الفترة في حياة الأم والطفل، ودورها في تنشئة الطفل نشأة سوية، فلا يعقل أن تهدر هذه الفترة في اللهاث بين الحضانة والعمل، وتترك طفلها الجميل في رعاية خادمة أو مشرفة حضانة، بينما يمكنك الجمع بين رعاية طفلك وبين العمل من المنزل.
* الزوجة التي يرفض زوجها عملها خارج البيت، فبدلا من أن تقيم الدنيا وتقعدها، وتظل معه في صراع دائم حول رغبتها في العمل ورفضه، يمكنها أن تجمع بين الحسنيين من خلال العمل من البيت فتحافظ على هدوء أسرتها ورغبتها في العمل.
* الأم التي تعاني من اضطرابات صحية، ولا يمكنها لضعف بنيانها الجمع بين الوظيفة ومشقتها وبين رعاية أسرتها، فكثير من الأيام تقضيها في فراش المرض فتأخذ إجازات متعددة من العمل وفي نفس الوقت لا يتبقى لديها الجهد للقيام بأعباء أسرتها.
* الفتاة والمرأة التي تعاني من المعاكسات والمضايقات اليومية في المواصلات وفي الطريق، وسئمت من الزحام والضوضاء وانتظار الأتوبيسات وركوب الميكروباصات والاختناق في المترو، فقررت أن تريح نفسها من كل هذه المضايقات، ولكنها في نفس الوقت لديها قدرة على العمل والإنجاز، فتصون
كرامتها وتعمل من المنزل.
* الأم التي تخشى على أبنائها في مرحلة الطفولة المتأخرة والمراهقة من تركهم لساعات طويلة بمفردهم أمام التليفزيون والفضائيات، أو أمام شاشة الكمبيوتر وفي دهاليز الإنترنت، لا تدري ماذا يفعلون ولا تأمن عليهم مما قد يشاهدونه أو يتعرضون له في غيبتها، فتقرر أن مصلحة أبنائها أهم لديها من الوظيفة، فتعمل من المنزل وتظل بجانبهم لا لمراقبتهم والتضييق عليهم، بل لحمايتهم وتوجيههم.
* الفتاة التي نشأت في أسرة أو بيئة لا تعترف بعمل المرأة بل ربما تُحَّرمه؛ مظنة الاختلاط والاحتكاك بالرجال، وكذلك المنتقبة التي ترغب في العمل، ولكن أبواب الوظائف تغلق في وجهها بسبب نقابها، فيمكنها أن تحترم رغبة أسرتها وتحافظ على حريتها في اختيار ما ترتدي، وفي نفس الوقت لا تهدر طاقتها ومهارتها، فتعمل من المنزل دون أن تصطدم بعادات وتقاليد مجتمعها.
* الفتاة أو المرأة ذات الاحتياجات الخاصة، ولا تستطيع الحصول على وظيفة مناسبة لها، ولكن لديها قدرات عقلية وهمة عالية، فتستثمر مواهبها ومهاراتها فتعمل من المنزل وفق ما يناسبها ويناسب صحتها واحتياجاتها.
ابدئي الآن
إذا كنت واحدة من هؤلاء، وقررت العمل من المنزل، فابتسمي أنت من اليوم
رئيسة نفسك!:
* لا مواعيد حضور وانصراف، لا مدير ينكد عليك، لا رئيس يتحكم فيك.
* أنت رئيسة نفسك وصاحبة العمل ومديرة أعمالك.
* أنت التي تقررين متى تعملين ومتى تحصلين على إجازة.
* أنت التي تقررين متى تذهبين بطفلك للطبيب فلا حاجة لإذن انصراف بعد اليوم.
* لا خصومات ولا جزاءات ولا لفت نظر ولا لجنة تأديب.
* أنت سيدة الموقف تحددين متى تعملين ومتى تتوقفين.
تسألين الآن: وماذا يمكنني أن أعمل؟
هذا السؤال سألته لي إحدى الأمهات فسألتها بدوري: وما هو تخصصك؟
فأجابت حاصلة على ليسانس ألسن، ولم أعمل منذ تخرجي أبدا في أي وظيفة،
وليس لدي أي خبرة.
أجبتها ولكن لديك المعرفة، وما ينقصك فقط هو الخبرة، وتستطيعين صقل مهاراتك في الترجمة مرة أخرى من خلال دورات إلكترونية، أو تحميل أسطوانات تعليم اللغات، أو من كثير من المواقع التي تجدين فيها ضالتك، ثم تبدئين بالترجمة رويدا رويدا حتى تستعيدي مهارتك وسرعتك، ثم تمرين على مكاتب الترجمة تتركين رقم تليفونك وتخبريهم باستعدادك للترجمة بالقطعة.
شيئا فشيئا يمكنك أن توسعي من دائرة معارفك وعملائك من خلال إعلان على الإنترنت، أو في إحدى الجرائد التي تنشر الإعلانات المبوبة مجانا؛ فتتركين رقم تليفون أو بريدا إلكترونيا ليتواصل معك الراغبون في الترجمة، ومع الوقت ستعرفين كيف تسوقين لخدمتك بكل السبل.
هذا مجرد مثال لعمل من خلال المنزل، وسأشير لنماذج أخرى في مرات قادمة بإذن الله حتى تستطيع كل فتاة أو امرأة أن تخطو أول خطوة في الاتجاه الصحيح