جمال بنعمر يقدم تقريرين خلال 2013م، ولم يكن الأول في حسبان بنعمر أن يجعل الحراك الجنوبي أكثر تعنتاً برفضهم للحوار حين قرن زعيمهم سالم البيض بالمعرقل للمرحلة الانتقالية مع علي عبدالله صالح، عندما حذّر مجلس الأمن الدولي في بيان أصدره في 15 فبراير 2013م، أن الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح ونائبه السابق علي سالم البيض، وكل من يسعون إلى عرقلة جهود حكومة الوفاق الوطني والمرحلة الانتقالية السياسية سيقوم مجلس الأمن بتدابير وإجراءات رادعة قد تتخذ ضدهم وفقاً للمادة 41 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، فاستدرك الأمر بن عمر في تقريره الثاني يوم 4 أبريل الجاري سعياً لتقريب القوى في الحراك الجنوبي من الحوار الوطني، فلم يبدأ برموز الحراك بل نقل صوت الشارع الجنوبي أولاَ حين قال إن الاضطرابات في جنوب اليمن ما تزال مستمرة بينما تتنامى دعوات الانفصال يوماً بعد يوم، وإن حركة عصيان مدني تستقطب أعداداً كبيرة من الناس إلى الشوارع في الجنوب، وإن المواطنين في المناطق الجنوبية «بعد نحو عقدين من التمييز والقمع وعدم معالجة المظالم المشروعة» بات يشكك في وعود الإصلاحات.
إلا أن التقرير لم يغفل أن بعضاً ممن قدِم من جنوب الجنوب قد شاركوا في الحوار والتي لا تزال كثير من الأطراف ممتعضة من الحوار؛ لأنه لا يستند على الندية بين جنوب وشمال، حيث قال بن عمر: إن الذين شاركوا «انضموا بحذر، متوقعين أن يتعاطى المؤتمر مع مصالحهم بنزاهة واحترام، بما في ذلك مطالبات البعض بالانفصال».
وحين أقر بن عمر لمجلس الأمن أن هناك اضطرابات في الجنوب -حسب التقرير- وتستقطب حركة عصيان مدني اليوم أعداداً كبيرة من الناس إلى الشوارع، وتتنامى الدعوة إلى الانفصال يوماً بعد يوم، وأنه يجب على الحكومة اليمنية اتخاذ إجراءات فورية لبناء الثقة في الجنوب لمعالجة المظالم المزمنة للجنوبيين، المتعلقة بالمصادرة غير القانونية أو غير المشروعة للممتلكات والتسريح القسري من الجيش والخدمة المدنية.
فقد وصف علي ناصر محمد تقرير بن عمر؛ بالموقف "الشريف والشجاع"، وقال في رسالة لجمال بن عمر: "إن حل القضية الجنوبية يعتبر مفتاحاً لحل مشاكل اليمن وضمان استقرار المنطقة، ويجب اتخاذ خطوات عملية لتنفيذ ما جاء في بيان اللقاء التشاوري معه في دبي حول التنسيق مع مجلس تعاون دول الخليج العربي وجامعة الدول العربية، لرعاية لقاء شامل للقوى الجنوبية للخروج برؤية ومرجعية سياسية، يتم الاتفاق عليها بين كافة الاطراف المشاركة والمؤمنة بالقضية الجنوبية.
حوار (جنوبي جنوبي)
في لقاء دبي 9 مارس الماضي بين المبعوث الأممي جمال بن عمر مع قادة من الجنوب، اتفق الجميع على أن حل القضية الجنوبية لا تكون إلا في إطار الحوار، فاقترحت بعض الشخصيات، من بينها عبدالرحمن الجفري رئيس رابطة "رأي"، وقد تم التأكيد غير الرسمي من جمال بن عمر في اللقاء الثاني في دبي 29مارس الماضي، لكي يتم حوار مع الشمال لابد أن يكون هناك حوار (جنوبي جنوبي)، يتمثل في لقاء القادة الجنوبيين لاتفاق على صيغة هذا الحوار.
ولأن القادة في الحراك الجنوبي يعتقدون أن القضية الجنوبية لم يتم النظر إليها في أولويات المجتمع الدولي ومجلس الأمن كطرف ندي في حل أزمة اليمن؛ فلا يمكن أن يحصلوا على دولة الجنوب، إلا بغطاء دولي.
القادة ذاتهم في لقاء دبي استماتوا في إقناع بن عمر على أن يوافق مجلس الأمن على حوار (جنوبي جنوبي)، ويكون هو الراعي لهذا اللقاء مع مجلس التعاون الخليجي، كخطوة لاقتراب من حل القضية الجنوبية، بعد أن ارتأى القادة الجنوبيون إصرار جمال بن عمر على التواصل معهم وتسوية القضية الجنوبية، ولذلك ذكر بن عمر في تقريره الأخير: أنه لا يزال يتواصل مع قيادات جنوبية ليست مشاركة في الحوار، لكنها «أكدت مراراً أن الوسيلة الوحيدة للحل هي عبر الحوار، نبذهم العنف».
من جانب القوى الجنوبية بعد أن وجدت ألاّ خيار طائل سوى الاقتراب من الحوار، حتى تحول سياسيون عن خطابهم الفج ضد الحوار إلى تأييده، ومن التصلب في مقاطعة الحوار الى التعاطي معه بطريقة غير مباشرة، والتحدث بلهجة هادئة بشأن القضية الجنوبية والحلول التي كانوا يقطعون في أنها تكمن في استعادة الوضع السياسي للدولة الجنوبية التي ألغتها اتفاقية الوحدة عام 1990، قبل أن تندلع حرب أهلية بعد أربع سنوات، يقول الجنوبيون: إنها ألغت الوحدة.
من جانبه سالم صالح محمد -عضو مجلس الرئاسة السابق- يقول: "أن لا أحد يملك صك تمثيل الجنوبيين أو حلولاً سحرية للمشاكل المعقدة، وأن علينا أن نمد أيدينا لمساعدة بعضنا البعض واحترام آراء الجميع دون إقصاء أو تخوين وتكفير وتهميش، وعدم مصادرة حق الآخرين، فيكفينا ما حدث خلال نصف قرن من الزمان».
وتابع: «يكفي الانجراف وراء شعارات خادعة ليس لها صلة بالواقع والعصر الحالي القائم على التواصل والحوار والتعايش وحرية الرأي والمعتقد، ويكفي اللهاث وراء السراب والوهم».
من هذا المنطلق يستطرد سالم صالح كلامه في أهمية الحوار الطريقة الناجعة التي لن يجد الجنوب حلاً لمشكلته إلا به، فيتوقع أن الحوار سيكون في نهاية أبريل، وأنه سيُفتح على كل القوى والأطراف في الجنوب لاتخاذ رؤية وقيادة موحدتين تحظيان بالحد الأدنى من التمثيل في أي حوار أو تفاوض بشأن القضية الجنوبية - حسب قول صالح.
ممثل "الرابطه" عبدالرحمن الجفري كان في الخطاب الذي قدمه لجمال بن عمر - الجمعة الماضية- واقعياً، يدور مجمل الخطاب حول رغبة «الرابطة» في الدفع لعقد لقاء موسع للقادة الجنوبيين بالتنسيق مع مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
وذكر الخطاب: «أن ما يتوقعه شعبنا من هذا اللقاء المأمول هو توحيد الجهود والآليات والمواقف وتشكيل قيادة جنوبية مؤتلفة أو هيئة تنسيقية قيادية عليا تمثل كل تلك القوى، كمرجعية، يفسح الطريق فيها لشراكة فاعلة لقيادات جديدة وشابة ولشراكة فعلية للمرأة، مع الأخذ في الاعتبار معايير الكفاءة القيادية والاستيعاب للعصر ومعطياته، وهم كثر في صفوف شعبنا حجبتهم الظروف، وآن الأوان لدورهم في شراكة فاعلة لقيادة المرحلة، تمهيداً لتولّي القيادة في المراحل المقبلة».
وقالت مصادر قريبة من المعارضة الجنوبية بالخارج: إن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن جمال بن عمر يرتب للقاء بين القيادات الجنوبية في القاهرة من أجل تقريب وجهات النظر، وفي مسعى منه لإقناعها بالمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل.
وخلال الأسبوع الجاري أكدت الهيئة الوطنية العليا "لاستقلال الجنوب" أنها تقبل بالمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل لمناقشة القضية الجنوبية بصورة تفاوضية ندية، وتحت رعاية دولية وإقليمية، وأن تكون هذه الدول الراعية ضامنة لتنفيذ ما يتم التوصل اليه والتوافق عليه.
وجاءت لهجة البيان دالة على عدم جدوى الحراك الجنوبي في النأي عن الحوار، وأن الجنوبيين يتحتم عليهم أولاً حوار يجمع طيفهم المنقسم حتى يسهل على الحكومة اليمنية التعاطي مع من يمثل القضية الجنوبية، وهو ما عبّر عنه البيان بقوله: "إن الهيئة تدرك جيداَ أنه لابد أن نواجه جملة من التحديات الداخلية والخارجية التي يتطلب من جميع الأطراف تقديم تنازلات قد تبدو مؤلمة، لكننا عندما نخضعها لمعيار مصلحة الوطن العليا واعتبار خيار الشعب الجنوبي القاسم المشترك لرفض الوصاية عليه أو فرض عليه مشاريع الإقصاء والتهميش فإن ذلك يُعد إنجازاً تاريخياً ووطنياً مهماً، لأنه يلبي تطلعات وآمال الشعب الجنوبي لتقرير مصيره بنفسه.
وأوضح البيان: ونتيجة لتطور الأزمة السياسية بين طرفي الصراع في صنعاء، وبالتدخل الفاعل للمنظومة الإقليمية والدولية جاء التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة، وقرار مجلس الأمن رقم (2014) لحل تلك الأزمة السياسية ليصبح الشمال والجنوب من تاريخه تحت الوصاية الدولية، وحيث وأننا واقعون تحت الوصاية، فإن الوضع القائم الآن يستدعينا إلى التعاطي معه بعقلانية، حتى لا نقع بحجج ذرائعية تحت بنود العقوبات الدولية، لتفرض علينا قيوداً إضافية داخلية وخارجية، مؤكدة على التعاطي العقلاني مع المتغيرات السياسية الإقليمية والدولية أو ما أفرزته جهودهما المشتركة.
وأكد البيان التمسك بالخيار السلمي في نضالنا والتأكيد على نبذ التطرف والعنف، ورفض كافة أشكال الإرهاب وتوحيد الجهود مع المجتمع الدولي لمواجهته بوصفه خطراً دائماً يقوض الاستقرار السياسي للشعوب ويهدد الأمن والسلم الدوليين.
يأتي التحول في خطاب الحراك الجنوبي بشكل ملحوظ بعد أن التقى جمال بن عمر قيادات من الجنوب في دبي 29مارس الماضي، وبعد أن قدم بن عمر تقريره لمجلس الأمن وجد الحراك أن ثمة جدية لاحتواء القضية الجنوبية وحلها حين ذكر التقرير الوضع الجنوبي (بممارسة القمع والتمييز خلال عقدين........)، لكن يبدو أن القوى الجنوبية ارتمت الى مسعى الحوار (الجنوبي الجنوبي) برعاية الأمم المتحدة لمعرفتها أن القوى الجنوبية تعرقلها حالة الانقسام الملحوظ في صفه المتمثل في الداخل والخارج، ولا يمكن أن يقدم المجتمع الدولي رأياً في القضية الجنوبية الا باتضاح معالم الممثلين لها.
هذا الحوار المرتقب الذي ترتب له القوى الجنوبية بالتنسيق مع جمال بن عمر كمشرف من مجلس الأمن على الحوار والمحتمل أن يكون في 27 أبريل الجاري، يعتبره رموز المعارضة في الخارج أنه سيحقق لها عدة مكاسب، وهي:
أولا- إعطاء للحوار (الجنوبي الجنوبي) أهمية، مما يساعد على الاتساق بين المكونات الجنوبية، والاتفاق على رأي موحد في القضية الجنوبية وتقديم رؤية إصلاحية تعمل على تسوية القضية الجنوبية.
ثانياَ- ستكتسب القضية الجنوبية مفهوم أنها طرف ثاني وندي في أزمة اليمن، في حال وجود حوار لحل القضية.
ثالثاَ- الحصول -وهو الأهم- ولو جزء من الغطاء الدولي في حال أشرف على الحوار بن عمر عن طريق مجلس الأمن، هذا الغطاء يعطي شرعية للحصول على مطالب الداعين للانفصال أو تنفيذ أكبر ممكن من مطالبهم المطروحة.