أخبار الساعة » دراسات ومتابعات » دراسات وتقارير

مشاغبو الإنترنت وجدوا في مؤسس «ويكيليكس» قضية لهجماتهم وطوروا أساليبهم

- عبد الكريم الحزمي

حساب موقع «تويتر» لحركة «المجهولين» أرسل إشارة: «أطلقوا النار الآن»

بدأوا نشاطهم منذ سنوات كمشاغبين إلكترونيين، وأصبحوا أشبه بمجتمع على شبكة الإنترنت من الصبية أصحاب معرفة تقنية يستغلونها في التسبب في الإزعاج أكثر من التعبير عن مواقف سياسية.

إلا أن الهجمات المنسقة التي جرى شنها ضد مواقع تخص شركات كبرى ومؤسسات حكومية دفاعا عن موقع «ويكيليكس»، والتي بدأت الأربعاء، واستمرت الخميس، توحي بأن المجموعة التي تتسم بتنظيم مهلهل وتعرف باسم «أننيمس» (مجهول الهوية) ربما تكون قد بلغت مرحلة النضج، وأصبحت تركز اهتمامها على قضايا أكثر جدية، وهي في هذه الحالة تعريف حرية الإنترنت.

ومع أن الهجمات التي تعرضت لها كيانات بالغة الضخامة مثل «ماستر كارد» و«فيزا» و«باي بال» لم تكن على ذات المستوى من التعقيد مثل أخرى حظيت بتغطية إعلامية أقل، فإنها شكلت خطوة نحو الأمام في المعركة التي تخوضها هذه المجموعة ضد ما تعتبره سيطرة متزايدة على الإنترنت من جانب شركات وحكومات. وهذا الأسبوع، وجدت هذه المجموعة قضية تجمعها ورمزا لها في جوليان أسانج، القرصان الإلكتروني السابق الذي أنشأ موقع «ويكيليكس» ويقبع حاليا داخل أحد سجون لندن بناء على طلب من السلطات السويدية التي تحقق معه بشأن اتهامه بالاغتصاب.

وعلق جون بيري بارلو، أحد مؤسسي «إلكترونيك فرونتير فاونديشن»، وهي منظمة تعنى بالحريات المدنية تناصر إقرار حرية أكبر على صعيد الإنترنت، على ذلك بقوله: «هذا أشبه بطلقة نارية ترددت أصداؤها بمختلف أرجاء العالم».

واتخذت الشرطة الهولندية، الخميس، أول إجراء رسمي ضد الحملة، حيث احتجزت طالبا، 16 عاما، داخل منزل والديه في لاهاي كان قد اعترف بالمشاركة في الهجمات ضد «ماستر كارد» و«فيزا». ولم تتضح طبيعة مشاركة هذا الطالب، لكن خلال تحقيقات ماضية ألقت السلطات القبض على أفراد لم تتسم جهودهم بدرجة من التعقيد تسمح لهم بمنع اقتفاء آثارهم على الإنترنت.

في تلك الأثناء، قالت محامية تمثل أسانج، 39 عاما، إنه نفى بشدة تشجيعه لأي من الهجمات التي وقعت نيابة عن «ويكيليكس».

وأضافت المحامية، جنيفر روبنسون، في تصريح للإذاعة الأسترالية في لندن، أن «هذا محض كذب. لم يصدر أسانج أي توجيهات بهذا الشأن، بل إنه يرى الأمر باعتباره محاولة متعمدة للخلط بين منظمات القرصنة و(ويكيليكس)، وهي ليست منظمة قرصنة، وإنما مؤسسة إعلامية وجهة نشر».

ورغم أن الغموض لا يزال يخيم على «أننيمس» وتفتقر إلى قيادات عامة، فمن الواضح أنها صاغت هيكلا هرميا مهلهلا في السنوات الأخيرة مع شنها هجمات ضد أهداف متنوعة مثل «كنيسة الساينتولوجي» و«جمعية الفيلم الأميركي».

ويبدو أن التنسيق والتكتيكات التي جرى تطويرها في هذه الحملات أكسبت الحملات التي شهدها هذا الأسبوع قوة أكبر، وسمحت لما يعتقد المحللون أنه مجموعة صغيرة بضم آلاف المتطوعين لصفوفها لشن هجمات ضد مواقع الإنترنت التي تتسم بحركة كبيرة، لجعل من المتعذر الوصول إليها مؤقتا على الأقل. وأعرب خبراء عن اعتقادهم بأن المجموعة استغلت على ما يبدو برنامج أكثر تعقيدا هذه المرة سمح لأنصارها بزيارة المواقع المستهدفة على نحو متكرر في توقيت معين بمجرد صدور أوامر بذلك.

ولم يتضمن حساب موقع «تويتر» المنسوب لحركة «أننيمس» سوى رسائل قليلة الكلمات تقول: «أطلقوا النار الآن».

حتى الآن، تركت الهجمات تأثيرا محدودا، حيث أغلقت موقع «ماستر كارد» على الشبكة، لكن من دون المساس بتعاملات الموقع عبر الشبكة.

إلا أنه من وجهة نظر خبراء أمنيين وأفراد تابعوا أو شاركوا في «أننيمس»، فإن الهجمات الأخيرة تعد خطوة نحو الأمام لمثيري الفوضى عبر الإنترنت في حربهم ضد «النخبة» - وهي الشركات والحكومات المسيطرة على آليات، وكذلك محتوى الإنترنت، حسبما يعتقد بعض النقاد.

عن ذلك، قال أميتشاي شولمان، المسؤول التقني الأول لدى «إمبيرفا»، وهي شركة تقنية مقرها كاليفورنيا: «في الماضي، أثارت (أننيمس) ضجة كبيرة، لكن مع إحداث ضرر صغير. أما هذه المرة، فإن العكس هو الذي حدث. لقد بدأت تستخدم الأدوات ذاتها التي يستخدمها القراصنة الصناعيون».

رغم اسمها، يمكن العثور على «أننيمس» في الكثير من المواقع والصور، حيث يشارك أعضاؤها في المنتديات الإلكترونية وغرف الدردشة، حيث يجري عادة بناء الصداقات والتحالفات.

وقال ناشط بالحركة تعرف عليها عبر خدمة دردشة إلكترونية ولم يرغب في ذكر اسمه نظرا لتناوله هيكل المنظمة: «إنها أول مكان أتجه إليه عندما أفتح الكومبيوتر».

في بعض الأحيان، تقرر مجموعات من هؤلاء الأصدقاء، الذين يبدأون محادثات جديدة، تناول قضية معينة يرون أنها بحاجة لمزيد من الاهتمام، حسبما أفاد الناشط.

واستطرد موضحا: «يمكنك نشر مواد أو مناقشة أفكار ويؤدي ذلك لنشر مقطع فيديو أو وثيقة» في إطار حملة ما. في حالة «ويكيليكس»، أشار الناشط إلى أنه على ما يبدو قررت مجموعتان في الوقت ذاته تقريبا شن جهود منظمة ضد أعداء الموقع.

وقال: «حصلت على هذه الروابط خلال رسائل عبر البريد الإلكتروني الأحد أو الاثنين». وندد «بما يجري فعله في جوليان و(ويكيليكس)»، مشيرا إلى أنه قرر الانضمام للحملة.

تظهر مثل هذه الأفكار في عدة مواقع، لكن في النهاية تقرر مجموعة صغيرة اختيار أي المواقع تحديدا ينبغي مهاجمتها ومتى، طبقا لما ذكره كاتب هولندي عضو في «أننيمس»، والذي يكتب مدونة باسم «إرنستو فان دير سار». وأشار إلى وجود غرفة دردشة «لا يمكن دخولها سوى بعد تلقي دعوة، يزيد عدد أعضائها على العشرين»، وتتولى الغرفة اختيار الأهداف وتوقيت الهجوم.

ووصف الغالبية العظمى من أعضاء «أننيمس» بأنهم شباب تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما.

وفي الوقت الذي حققت «أننيمس» نجاحا مؤخرا في هجماتها ضد مواقع فيما يخص قضايا انتهاك حقوق نشر، فإن قضية «ويكيليكس» أثارت جهودا أكثر كثافة بكثير.

وتعد الحملات جزءا من «عملية بايباك» التي بدأت في الصيف للدفاع عن موقع للتشارك بالملفات في السويد يعتبر نفسه جزءا من الجهود الرامية للحفاظ على الإنترنت من دون رقابة أو قيود، وقد تعرض لإجراءات ضده من قبل السلطات.

وقال غريغ هوش، ناشط شارك في حملات «أننيمس»، لكن ينفي اضطلاعه بأي جهود في نشاطات إلكترونية غير قانونية: «تمكنا من التحرك ضد أعداء (ويكيليكس) بهذه السهولة لأنه كانت هناك بالفعل شبكة قائمة وعاملة، وكانت هناك غرفة دردشة للأفراد يمكنهم الالتقاء فيها».

تشير الأرقام إلى أن البرنامج المستخدم في الهجمات يجري تحميله نحو ألف مرة في الساعة، الثلث منها تقريبا من داخل الولايات المتحدة. مؤخرا، جرى تحسين البرنامج بحيث أصبح من الممكن إرسال أمر إلى الحواسيب الآلية الخاصة بأنصار وبعدها يبدأ الهجوم - من دون الحاجة لتدخل بشري.

لكن يبدو أنه حتى بارلو، من «إلكترونيك فرونتير فاونديشن»، أعاد النظر في النقطة التي قد يفضي إليها مثل هذا التصعيد، حيث صرح، الخميس، بأن أعضاء «أننيمس» يشكلون «قوة عالمية هائلة».

واستطرد قائلا: «لكن من الواضح أنه من الأفضل استغلالها في الانفتاح، بدلا من الانغلاق». وأضاف أنه يعارض مبدأ شن هجمات لتعطيل الخدمات، قائلا: «إنها أشبه بإطلاق غاز سام عبر الفضاء الإلكتروني. ينبغي أن يكون المبدأ الأساسي فتح الأشياء وليس إغلاقها».

ربما تكون الفترة الحالية الأكثر جدية منذ أن أطلقت «أننيمس» على نفسها اسمها. وقد ظهرت الجماعة من مجموعات لتبادل الرسائل الإلكترونية، مثل «4 تشان» وهي مكان اجتماع لا يخضع لرقابة يدور حول وضع مخططات معادية للإنسانية.

وقال هوش، من «أننيمس»: «كان هذا الأمر يتعمد عدم تحقيق أي خير. وقد افتخرنا به».

إلا أن هذا الأمر تبدل عندما ثار غضب هوش والبعض غيره بمحاولة كنيسة الساينتولوجي استخدام قانون حقوق الملكية لإزالة فيديو طويل يتحدث خلاله الممثل توم كروز عن معتقدات الكنيسة. وعبر جهودها نيابة عن «ويكيليكس»، نجحت «أننيمس» في إيجاد قضية أكثر لفتا للأنظار. ومع توسع رقعة الحملة، يخشى الكثيرون تحول الإنترنت لساحة صراع مع استجابة الحكومات والشركات للهجمات الأكثر خطورة يشنها نشطاء يستفيدون من أدوات قرصنة متاحة بالفعل.

وقال غنتر أولمان، نائب رئيس شؤون الأبحاث لدى «دامبالا»، وهي شركة مقرها أتلانتا متخصصة في حماية الإنترنت: «ميزة الميدان تميل لصالح المهاجم. مع قليل من التنسيق وتنامي أعداد المشاركين، ستستمر هذه الأمور في الحدوث على نحو أكثر انتظاما».

* شارك بالتقرير جون ماركوف وأشلي فانس من سان فرانسيسكو، ورافي سومايا من لندن، ومارليز سيمونز من باريس.

المصدر : نيويورك تايمز

Total time: 0.0682