وصلت حالة التعبئة والاستقطاب، بين أطراف النزاع الديني، السلفيين والحوثيين، أمس، ذروتها، بعد دعوة السلفيين أنصارهم للاستنفار والاجتماع في مسجد السنة بالعاصمة صنعاء اليوم، وانتشار مجموعة من المسلحين في محيط المكان، وقطع الطرق التي تؤدي إليه.
ووزع السلفيون، أمس، بياناً تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي، ودعا إلى "اجتماع طارئ -لما سمي- أهل السنة في اليمن بمسجد السنة بالمدينة السكنية سعوان بصنعاء (اليوم) الاثنين".
وقالت جماعة سلفية أطلقت على نفسها "حلف النصرة"، إن هذه الدعوة موجهة لـ"مشائخ وطلبة العلم وعوام أهل السنة من جميع المحافظات باليمن"، وإنه "سيحضر الاجتماع ممثلون من قبائل حلف النصرة الذين شاركوا بجبهة كتاف"، حسب قولها.
وأوضحت الجماعة أن "الغرض من الاجتماع التشاور بخصوص التحركات الجديدة للحوثيين حول دماج وبنائهم للمتاريس وزرعهم للألغام والاستعدادات لفرض حصار جديد على دماج، والخروج برؤية وبيان مشترك يوضح ما عليه أهل السنة في اليمن تجاه هذه الاستفزازات والتحركات الحوثية (...)" حسب قولهم.
وقال لـ"الأولى" شهود عيان إن السلفيين بدأوا بالفعل، أمس، ترتيبات استقبال مجاميع السلفيين الذين توافدوا إلى المنطقة، وشوهدت قوات أمن بزي عسكري، وسلفيين مسلحين يمنعون سيارات وحافلات النقل من دخول المكان، وقطعت الشوارع الفرعية بالقرب من قسم شرطة "الوحدة" المجاور لمسجد "السنة"، وقام مسلحون سلفيون آخرون بتحويل وجهة الحافلات حتى لا تمر قريبة من المسجد.
وتأتي هذه الدعوة بعد أيام من اشتداد التعبئة الدينية في منطقة "دماج" بمحافظة صعدة، بين تيار السلفيين وجماعة الحوثي، وتبادل الاتهامات بين الطرفين بخرق الهدنة، كما تتزامن مع حوادث طائفية شهدتها العاصمة صنعاء بداية شهر رمضان، ووقع فيها قتلى وجرحى من طرفي النزاع حول صلاة التراويح.
ويتبادل الطرفان الاتهامات بالخروقات الأمنية، ففي حين تقول جماعة السلفيين إن "الحوثيين" خرقوا اتفاق الهدنة، وقاموا بأعمال من شأنها السيطرة على المساجد، وقتل بعض أعضاء الجماعة، يقول الحوثيون إن السلفيين قاموا بالسيطرة على قرى وتهجير أهلها منها، إلى جانب استقطاب الآلاف من الأجانب إلى المنطقة، وإقامة معسكرات تدريب لهم.
ويتخوف المراقبون من انفجار الحرب بين الطرفين في المنطقة، خاصة وأن مسلحي الطرفين يحتشدون في الجبال المجاورة، كما يتم استحداث مواقع جديدة للتمترس.
وفي ذات السياق، حصلت "الأولى" على شكوى من أشخاص محسوبين على جماعة الحوثي في منطقة "دماج"، وتتضمن الشكوى مناشدة إلى محافظ صعدة فارس مناع، ومرفقة بصور وبيانات قيل إنها لأجانب قدموا إلى المنطقة، وإنهم يحاولون استحداث مناطق لهم في أراضي أصحاب الشكوى.
وقالت الشكوى: "نحيطكم علماً بما جرى علينا من تعدٍّ وعلى صبنا (نهر) المطل على منطقة الطلول من الطلاب السلفيين في مركز دماج، فقد قاموا باقتحام جبل صب حوالي ألف حبلة يسقي مزارعنا".
وأضافت الشكوى: "وبعد ذلك وصلنا إلى عندهم، وإذا بهم حوالي ألف نفر، ومن أكثر من مائة دولة من عجم وعرب، ومنعناهم وقلنا لهم هذا صب (نهر) لنا توقفوا منه، لكنهم رفضوا الامتناع، وقاموا بتهديدنا بالسلاح وبطريقة تعسفية واغتصاب واضح".
وأشارت الشكوى: "تحركنا إلى عند الشيخ حمود ظافر، وجوب لنا أن ما له دخل أنهم طلاب الحجوري، تحركنا بعد ذلك إلى عند الحجوري، ومنعنا من الدخول إلى عنده، وبعد ذلك أعرضنا عليهم مشهد بأننا نحملهم المسؤولية بما لحق مزارعنا من عطش، لكن هذا لا يجدي عند من تكبر، وهم الآن مستمرون في العمل في صبنا وتحويله من صب إلى مدينة سكنية".
وناشدت الشكوى "كل حر غيور في منع السلفيين وتوقيفهم من العمل في صبنا كون مزارعنا ستتعرض للهلاك، ونحملكم المسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى في التحرك تجاه مظلوميتنا"، حسب قولهم.
وفي المقابل من ذلك، اتهم السلفيون جماعة "الحوثي" بـ"تحرشات ومضايقات". وقال الناطق الرسمي باسم جماعة السلفيين بدماج سرور الوادعي في مناشدة وصفها بالعاجلة لرئيس الجمهورية وحكومة الوفاق الوطني، إن الحوثيين عادوا إلى التمترس في جبال "دماج".
واتهم السلفيون جماعة الحوثي بـ"تلغيم الجبل"، "بعد أن تم إخراجهم منها، والتزموا بذلك أمام وساطة الشيخ حسين الأحمر، فبعد هذا كله عادت الوساطة هذه الأيام لتهدئة الوضع ومحاولة إعادة الأمور إلى ما كانت عليه من سابق".
وأضاف بيان السلفيين أنهم فوجئوا "بإرسال الحوثيين هذه الأيام أسلحة ثقيلة إلى جبل الصمعات وما حوله وتسليطها على رؤوس السكان في مؤشر خبيث لما ينويه الحوثي تجاه أهل دماج، وقد حاولت الوساطة جاهدة لتهدئة الوضع، وكان مما خرجوا به، أن تزال المتاريس المستحدثة والأسلحة الثقيلة".
وأشار البيان إلى أن لجنة الوساطة "انقسمت قسمين؛ قسم يتابع أهل دماج، وقسم يتابع الحوثيين، مع إرسال مندوب من كل طرف مع الوساطة، فتوجه الشيخ درهم الزعكري مع ممثل للحوثي إلى مواقع أهل دماج، فوجد التجاوب منا، وتوجه الشيخ شطاب الغولي ومعه ممثل من أهل دماج إلى مواقع الحوثيين، وعند وصولهم الصمعات تفاجأوا بالتفاف الحوثيين عليهم وإطلاق النار عليهم من أجل ألا تطلع لجنة الوساطة على ما بحوزة الحوثيين من أسلحة ثقيلة، ولم يحصل أي تجاوب من قبل الحوثيين"، بحسب بيان السلفيين.
وتحدث الناطق الرسمي للسلفيين عن أن الوساطة "عادت من حيث جاءت لم تستطع أن تعمل شيئا مع الحوثيين". ووجه السلفيون "نداء عاجلا إلى رئيس الجمهورية وحكومة الوفاق الوطني بتدارك الأمر وإيقاف الحوثي عن إشعال حرب طائفية لا يعلم عواقبها إلا الله، خاصة وأنها إذا اشتعلت في صعدة فيخشى أن تصل نتائجها إلى كثير من المحافظات اليمنية"، حسب قولهم.
كما طالبوا "الدولة اليمنية ببسط نفوذها على محافظة صعدة وإعادتها إلى حظيرة الدولة وتحريرها من الاحتلال الحوثي المستمد دعمه من دول تسعى لزعزعة أمن البلاد خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وإيران"، حد قولهم.
وكان الناطق الرسمي باسم جماعة الحوثيين محمد عبدالسلام، قال في صفحته على "فيسبوك"، الأسبوع الماضي، رداً على اتهامات مشابهة: "تطالعنا (وسائل إعلام الإصلاح) عن خرق أنصار الله للاتفاق مع العناصر المسلحة من الأجانب وغيرهم في منطقة دماج، ويا للعجب ما أكثر الكذب والتضليل والدجل".
وأضاف عبدالسلام: "هؤلاء منذ زمن طويل وما زالت لجان الوساطة في المنطقة قاموا بالتمركز في كل الجبال المجاورة ، ونقضوا الاتفاق منذ زمن طويل، ولم تعد تلك المواقع خالية من أي تواجد عسكري، بل حولوها إلى ثكنات عسكرية وحفروا الخنادق وبنوا فيها المتاريس وشيدوا فيها الحواجز والبنايات والقصيب (النوب) وغيرها من الإنشاءات العسكرية".
واتهم عبدالسلام السلفيين باستخدام "أبناء دماج للتضليل على الرأي العام. وحقيقة ما في الأمر أن تلك العناصر ليسوا من خارج المنطقة ومحافظة صعدة فحسب، بل من خارج الوطن العربي ومن خارج العالم الإسلامي، حيث توافد الآلاف من الأجانب من مختلف أصقاع العالم وبطرق غير شرعية ولا رسمية، خلال الفترة الأخيرة، إلى المنطقة، وبعضهم كان يشارك ضمن المشروع الأمريكي في عدة بلدان، ولهم حاليا العديد من مواقع التدريب العسكري في المنطقة"، حد قوله.
وقال عبدالسلام إن السلفيين "في الآونة الأخيرة احتلوا قرية الوطن وطردوا أبناءها الأصليين وتم احتلالها وبناء المتاريس فيها، وبصورة تكشف حقيقة أن هذه العناصر تتحرك وفق خطة خارجية يسمح لهم من خلالها القيام بكل شيء لتنفيذ مؤامرات هم منفذوها وأداتها ووقودها".
وتابع: "ما يؤكد أن تلك العناصر المسلحة مطلوب منها تنفيذ الكثير من المؤامرات، هو قيام بعض المواقع العسكرية في المحافظة كمعسكر كهلان، حيث تمدهم بالسلاح وبعناصر عسكرية، وهذا أمر بات معروفاً ومشهوراً"، حسب قوله.
وتسربت إلى مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا وثيقة بخط الشيخ السلفي يحيى الحجوري، إمام مركز دماج، يطلب فيها الدعم لـ"الطلاب المقاتلين ضد الرافضة" أي الحوثيين.
ويعتقد لدى أساط في صنعاء أن أطرافا سياسية تسعى لتوتير الجو بين الحوثيين والسلفيين ولو باتجاه إشعال حرب بهدف حسم استحقاقات سياسية وفي سياق الصراع بين تيار "أنصار الله" وتيارات إسلامية على رأسها "التجمع اليمني للإصلاح" حول مجريات الفترة الانتقالية.
حرب وشيكة بين (حلف النصرة) و (أنصار الله)
اخبار الساعة - صحيفة الأولى