قال دبلوماسيون ومحللون إن الجيش التونسي وجّه الضربة القاصمة لحكم زين العابدين بن علي، عندما تجاهل أوامره بإطلاق النار على المحتجين، الأمر الذي بات من غير المرجح معه أن يتمكن من سحق الانتفاضة الشعبية بالقوة.
ويحيط الغموض بالمناقشات التي دارت بين كبار المسؤولين في الأيام الأخيرة لحكم بن علي، الذي استمر 23 عاماً، لكن من الواضح ان الجيش كان له دور حاسم في إزاحة الرجل القوي الذي أضعفته بشدة هبة شعبية لم يسبق لها مثيل.
وجاء حجب الجيش لتأييد بن علي، على الرغم من المعارضة الشديدة لذلك من جانب مساعدي الرئيس، لاسيما الموالين له في الشرطة. وقال محللون إن موقف القوى الأجنبية، خصوصاً الولايات المتحدة، يحتمل أن يكون أثر أيضاً في مجريات الأحداث.
وفي مقابلة مع صحيفة «لوباريزيان» الفرنسية، كشف الأميرال جاك لانزاد، وهو رئيس سابق لأركان القوات المسلحة الفرنسية، وتولى بعد ذلك منصب سفير فرنسا في تونس، أن الجيش اتخذ قراراً محورياً برفض اطلاق النار في الأيام التي أفضت الى سقوط بن علي في 14 يناير. وأكد أن الجيش هو الذي تخلى عن بن علي عندما رفض ـ خلافاً لشرطة النظام ـ اطلاق النار على الحشود، وقال «عندما جُوبه بن علي بهذا التفجّر الحقيقي لغضب الشعب التونسي فر من البلاد، لأنه أدرك استحالة استعادة السيطرة على الوضع بعد أن تخلى عنه من كان يعول عليهم»، وأضاف لانزاد «استقال رئيس أركان القوات البرية الجنرال رشيد عمار رافضاً الزج بالجيش في اطلاق النار، ومحتمل انه هو الذي نصح بن علي بالرحيل قائلاً له (لقد انتهى أمرك)».
وفي مدريد، قال مصدر في الحكومة الإسبانية ان بن علي حاول على ما يبدو «ارغام الجيش على اطلاق النار على المدنيين وأرغمه قائد الجيش على الذهاب.. لم يكن هذا ضغطاً من الشارع».
ويقول محللون ودبلوماسيون وبعض التقارير الإعلامية ان تصريحات القوى الأجنبية في السر والعلن، يحتمل ان تكون قد أسهمت في اقناع بن علي بأن «اللعبة انتهت»، فقد عبرت واشنطن يوم الأربعاء 12 يناير بوضوح عن استيائها من اسلوب بن علي في التصدي للاحتجاجات عندما قالت وزارة الخارجية الأميركية انها تشعر بقلق بالغ من انباء استخدام القوة المفرطة «على يدي حكومة تونس».
وفي اليوم التالي ندد رئيس الوزراء الفرنسي، فرانسوا فيون، في تصريحات مماثلة، تمثل انتقاداً فرنسياً نادراً «بلجوء السلطات الى استخدام القوة بشكل مفرط».
من ناحية اخرى، نصحت دول عدة من بينها الولايات المتحدة مواطنيها بتجنب السفر الى تونس مهددة السياحة، عماد الاقتصاد التونسي.
وأفادت بعض الروايات بأن بن علي بعث يوم الخميس الماضي برسالة من خلال القنوات الدبلوماسية تفيد بأنه يسيطر على الموقف في الشارع، وكان ذلك في اليوم السابق على قبوله الهزيمة، وتغير كل ذلك بعد ظهر الجمعة عندما بدا واضحاً انه سلم باستحالة سيطرته على الوضع.
وسئل المحاضر في الشؤون السياسية في شمال افريقيا في جامعة أكسفورد، مايكل ويليس، عن تقديره لساعات بن علي الأخيرة في تونس، فقال ان تصرفات الدائرة الداخلية المحيطة بابن علي كانت حاسمة في سياق الاضطرابات في الشوارع، وأضاف «هل وقع انقلاب قصر في تونس؟ في نهاية الأمر نعم، بمعنى أنه يحتمل ان الناس في قوات الأمن قالوا لابن علي: ارحل».