واصل سيمنار الجبرتي ببيت السناري، بيت العلوم والثقافة والفنون التابع لمكتبة الإسكندرية، أنشطته التجريبية ، حيث نظم "مساء الاثنين الموافق 17 يناير" ، ندوة بعنوان: "الجزائريون في مصر"، تحدث فيها الدكتور حسام عبد المعطي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة بني سويف، وأدارها الدكتور عماد هلال، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة قناة السويس.
واستبق الندوة الدكتور خالد عزب ، مدير إدارة الإعلام بمكتبة الإسكندرية والمشرف على البيت، بتسليم العربي خيروني ، الوزير المفوض للشئون الثقافية بسفارة الجزائر بالقاهرة، مجموعة من الاهداءات التي تبرع بها مجموعة من المثقفين المصريين من مكتباتهم الخاصة للشعب الجزائري، ضمن حملتهم لإهداء الشعب الجزائري ألفي كتاب مصري ، بعد زيادتها من ألف كتاب ، تدعيما للعلاقات التي تربط البلدين الشقيقين.
وقام د. خالد عزب بإهداء العربي خيروني أحدث إصدارات مكتبة الإسكندرية ، وهو كتاب "ديوان الخط العربي في مصر"، وهو مشروع بحثي أنجزه مركز الخطوط بالمكتبة على مدى سبع سنوات . متعهدا بإهداء الجزائر كافة إصدارات المكتبة سنويا.
ودعا الدكتور عزب المسئولين في الجزائر إلى إهداء مكتبة الإسكندرية كافة المطبوعات الجزائرية لندرة مثل هذه المؤلفات في المكتبة، وعلى مستوى المكتبات المصرية عموما،"وفي ظل تعطش المكتبة المصرية للمطبوعات الجزائرية، وحاجتها إلى النهل من الثقافة الجزائرية، وتفتقدها المكتبات المصرية ، وخاصة التي تثير جدلا ، ودخل أصحابها بسببها في نقاشات تثير كل احترام وتقدير". لافتا إلى الإهداءات التي تلقتها مكتبة الإسكندرية من وزيرة الثقافة الجزائرية خليدة تومي ومجلس الأمة الجزائري.
وتابع أن مبادرة المثقفين المصريين لإهداء مؤلفاتهم إلى الشعب الجزائري جاءت لما يكنه المصريون للجزائريين من حب وتقدير"وان المدرسين المصريين الذين عملوا في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي حملوا هذا الحب إلى الجزائر، في الوقت الذي كان دعم الجزائر فيه لمصر إبان حرب أكتوبر مهما في هذه المعركة، ولذلك فان أي مصري لايشك في أن الجزائر بلد عربي شقيق ذا ثقافة أصيلة تستمد أصالتها من الثقافة العربية".
وأكد الدكتور خالد عزب عمق العلاقة التاريخية والوطيدة التي تربط مصر بالجزائر، وما شهدته من تضحيات منذ العام 1830، حينما تعرض الجزائر للاحتلال، إلى أن حصل على الاستقلال، مما كان نتيجته سقوط مليون شهيد جزائري ضحوا من أجل تحرير بلدهم.
وقال د. عزب إنه لأهمية هذه العلاقة تأتي الندوة التي تؤرخ للهجرات الجزائرية لمصر ، " ما يعكس علاقة التعاون والعطاء المتبادل بين مصر والجزائر عبر العصور التاريخية المختلفة".
ومن جانبه أعرب العربي خيروني عن سعادته بالإهداء المصري ، واعتبره مبادرة تستحق التشجيع ، "وتأتي في وقت تحتاج فيه العلاقات الجزائرية المصرية إلى تفعيل، وخاصة في المجال الثقافي".
وقال إننا سنعمل كل ما بوسعنا لتنشيط التعاون الثقافي بين البلدين، "فنحن أبناء هذه الأمة، ولا يستطع أحد منا العيش بمفرده، فلا يمكن تغيير حقيقة الجغرافيا أو التاريخ، ما يجعلنا نتعاون لصالح البلدين الشقيقين".
وخلال الندوة دعا الحضور إلى أهمية تعميق الروابط الثقافية والتاريخية بين الدول العربية ، ودعم الوحدة الحميمية بين دول الوطن العربي ، واستدعاء زمن الوحدة كما كانت بعد منتصف القرن الماضي، وتحقيق الوحدة الثقافية بين الدول العربية، في إطار من القواسم المشتركة التي تجمع العالم العربي، والنظر في التجربة الأوروبية للاستفادة من نتائجها الايجابية..
وفي تقدمته للندوة وصفها الدكتور عماد هلال بأنها تعد لقاء من لقاءات الثقافات ، فصاحب البيت، إشارة إلى إبراهيم السناري الذي يحمل البيت اسمه ، هو سوداني أقام في مصر وأحبها ، وتشبع من ثقافتها ، وأن مكتبة الإسكندرية بتاريخها القديم والحديث هى مركز لتلاقي الثقافات والحضارات ، ولذلك كان طبيعيا أن يدور اللقاء حول العلاقة التاريخية بين مصر والجزائر.واصفا هذه العلاقة بأنها ممتدة عبر تاريخ طويل بين البلدين والشعبين الشقيقين.
وبدوره ، قال الدكتور حسام عبد المعطي إن الهجرات المغاربية لمصر ومنها الجزائرية منذ الدولة العثمانية تؤكد أهمية الوحدة بين الدول العربية "حيث كانت تفد إلى مصر هذه الهجرات دون أية قيود أو عوائق ، لدرجة أن البعض من المهاجرين أقاموا في مصر ، وتجنسوا بها وأقاموا مصاهرات مع المصريين.
ولفت د.عبد المعطي إلى أن القاهرة والإسكندرية شهدتها هجرتين كبيرتين لجزائريين خلال القرنين السادس عشر والثامن عشر، ما يعكس عمق التواصل بين مصر والجزائر، الأمر الذي كانت له انعكاسات ثقافية وتجارية.
وقال إن الجزائريين قاموا بثلاث هجرات إلى مصر، حدثت أولاها خلال القرن السادس عشر نتيجة للهجمات الإسبانية على الجزائر وتدهور الأوضاع الاقتصادية في هذه المدينة، مما أدى إلى هجرة عائلات تلمسانية وقسنطينية ووهرانية عديدة إلى مصر آنذاك.
ولفت د.عبد المعطي إلى أن الهجرة الجزائرية الثانية لمصر تمت خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر نتيجة لتوقف عمليات الجهاد البحري ضد الإسبان، فيما يتمنى أن يفرغ من دراسة الهجرة الثالثة المغاربية ومنها الجزائرية لمصر، ووصفها بأنها كانت أكبر الهجرات الجزائرية لمصر في العصر الحديث.
ونوه إلى أن الوجود التجاري الجزائري في مصر كان بارزا ، وكانت القاهرة والإسكندرية تحتفظان بعدد ليس بقليل من العائلات القسنطينية والتلمسانية التي عملت في مجال التجارة، ففي الإسكندرية ظل شهبندر التجار على مدى حوالي ستين عاما ينتمي إلى أصول قسنطينية".
وأوضح عبد المعطي أن الجزائريين شاركوا بقوة في الحياة العسكرية المصرية خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر، فعمل عدد كبير منهم في الفرق العسكرية وحازوا مراتب ودرجات عسكرية رفيعة، كما استطاعوا بما لهم من نفوذ أن يدفعوا الأمراء المماليك إلى أن يقروا لهم بوجود بيت مال خاص بهم سمي "بيت مال الجزايرلية.
وأكد أن الجزائريين قاموا بدور بارز في العمل البحري المصري إبان الدولة العثمانية، "فالدولة آنذاك استعانت بالبحارة الجزائريين لمواجهة البرتغاليين في أعالي البحار ، وعلى رأس هؤلاء أسرة الطاروطي التي أقامت في مصر". لافتا إلى أن موقع مصر التجاري كان جاذبا لهجرات المغاربة الذين وفدوا إليها إما للتجارة أو للاستراحة بها خلال قوافل الحج، "حيث كان يقضي بها المغاربة قرابة شهرا كاملا، وهو ما أحدث شكلا من أشكال الاندماج بينهم وبين المصريين ، والوصول إلى قوة تجارية مصرية مغاربية كبيرة، فيما كان يخشى المماليك من هذه القوة المغاربية بعدما أصبحت تمثل ثقلا داخل المجتمع المصري آنذاك".
وقال إن من بين العائلات التي هاجرت إلى مصر يهودية ومسلمة، فمن الأولى هاجرت عائلات ساسون وسعدون، إلا أنه ركز على هجرات العائلات المسلمة ، والتي استقر كثير منها في القاهرة والإسكندرية، ومنها عائلات بوزيان وقريشي والسهران، وامتهنت الأخيرة مهنة القضاء، حتى وصل عدد هذه العائلات إلى 20 عائلة.
وتابع أنه نتيجة تواجد هذه العائلات في القاهرة والإسكندرية أن كان شهبندر التجار بالإسكندرية جزائريا، وكان ذلك في النصف الأول من القرن السابع عشر، "كما عملت عائلة الطاروطي في ميناء السويس البحري ، وقامت بدور مهم فيه".
وتعرض لدراسة المغاربة ومنهم الجزائريين في الأزهر الشريف، وإقامة رواق للمغاربة بساحته الشريفة ، "حيث أقدم الجزائريون على الدراسية بالرواق مثل الشيخ محمد المختار التلمساني ، وأوقف على الدراسة به، وقدم حوالي 8100 بارة للدارسين ، أي ما يعادل 500 جنيه آنذاك، ولذلك كان هناك دعم من المغاربة للدارسين في الرواق والأزهر الشريف ".
ولفت إلى الدور الذي لعبته مصر في دعم الثورة الجزائرية ، بالإضافة إلى الدور الجزائري في دعم حرب أكتوبر عام 1973. مؤكدا أن الظهير المغاربي يعد حائط صد لمصر ضد أي عدوان إسرائيلي على القاهرة، "ولذلك فان مصر لديها قوة احتياطية مغاربية في أي مواجهة مع العدو الصهيوني ، ويدرك المغاربة هذا الأمر جيدا".
وفي ختام الندوة لفت الدكتور عماد هلال إلى أهمية الدور التاريخي الذي قام به محمد علي ورفضه للتعاون مع فرنسا لتسهيل مهمة احتلال الجزائر، "ما دفع بهم إلى تخليهم عنه في صراعه مع انجلترا".
وقال إن الدور نفسه لعبته مصر عندما دعمت مصر الثوار الجزائريين وغيرهم من حركات التحرر لتحرير بلدانهم، ، فكان من نتيجة ذلك العدوان الثلاثي على مصر، "ما يعني أن مصر والجزائر لم يتخل أحدهما يوما عن الآخر".
يشار إلى أن الندوة تأتي في إطار الأنشطة التجريبية ببيت السناري، والتي تم تدشينها تحت رعاية الدكتور فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب، يوم 2 يناير الجاري، بتنظيم حفل إصدار كتاب "ديوان الخط العربي في مصر".
وقال الدكتور خالد عزب إن أنشطة بيت السناري تتضمن سيمنار الجبرتي للدراسات التاريخية، وسيمنار الوثائق؛ واللذين ينظمهما شباب المؤرخين وشباب الباحثين في مجال الوثائق.
وأضاف أنه من المقرر أن يستضيف بيت السناري أنشطة متنوعة للشباب، مثل صالون الشباب الأدبي، إضافة إلى إقامة عدد من المعارض الفنية والحفلات الموسيقية والغنائية ودورات تدريبية في عدد من المجالات؛ منها الخط العربي واللغة المصرية القديمة. كما سيعقد به أيضًا حلقات نقاشية علمية حول مستقبل العلوم والمعرفة على عدة مستويات.
يذكر أن الفنان فاروق حسني؛ وزير الثقافة، كان قد أصدر قرارًا بتسليم بيت السناري لمكتبة الإسكندرية بعد موافقة اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية، وذلك بناء على طلب من الدكتور إسماعيل سراج الدين؛ مدير مكتبة الإسكندرية.
ويهدف المشروع إلى إحياء المجمع العلمي المصري القديم الذي أسسه نابليون بونابرت في بيت السناري؛ حيث أنجز فيه مائتي عالم فرنسي موسوعة "وصف مصر" الشهيرة.
** ببيت السنارى ..ندوة الجزائريون في مصر
اخبار الساعة - خاص