بالتأكيد، فإنه لا يقلق إسرائيل فيما إذا كانت الهدنة القائمة مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، منذ انتهاء عدوان عمود السحاب أواخر 2012، بقدر ما يقلقها الوضع التعليمي لديها والذي يهدف إلى خلق جيل مؤهّل وقادر على تحمل المسؤولية باتجاه قضاياه المختلفة وخاصةً في ظل الاحتلال الإسرائيلي منذ الآن وفي المستقبل.
منذ سيطرتها على القطاع منذ منتصف عام 2007، كانت حركة حماس قد أخذت على عاتقها مسألة إعداد نشئٍ فلسطينيٍ جديد، في الاتجاه الذي رسمته من خلال مرتكزاتها وأيديولوجيتها الخاصة بها، بهدف تعريفه بحقوقه الوطنية وحضّه على عدم التخلّي عن المقاومة أو إهمال مشروعه الوطني القاضي بتحرير الأرض المغتصبة ورد الكرامة العربية والفلسطينية بوجهٍ خاص. حيث اعتمدت في ذلك الشأن اتجاهين اثنين يُكمل أحدهما الآخر.
الأول، التعليم النظري، والذي يختص بغرس المفاهيم السياسية والمتعلقة بمجريات القضية الفلسطينية، ويهدف إلى تعميق وبدرجة أكبر، الروح المعنوية والفكرية المضادة للصهيونية ولإسرائيل بجملتها. والثاني، وهو التعليم العملي(التطبيقي)، القائم على المِران والتدريب الذي من شأنه أن يعمل على التعبئة والتجهيز باتجاه حمل لواء المقاومة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي عسكرياً بشكلٍ عام.
ففيما يتعلق بالتعليم النظري، وفي ضوء المراقبة الإسرائيلية للتطورات التعليمية لدى الحكومة داخل القطاع، فقد بدأت في إعداد خطّة تهدف إلى زيادة عدد حصص التربية الوطنية وفي إضافة بعض المواد التي كانت مستبعدة، من المناهج الدراسية التي كانت اعتمدتها وزارة التربية والتعليم في السلطة الوطنية، تحت مبررات متطلبات السلام، ورأت بضرورة تدريسها في المدارس – على سبيل المثال – (اتفاقية أوسلو) التي تم التوقيع عليها من قِبل منظمة التحرير والجانب الإسرائيلي عام 1993. وقامت في أوقات لاحقة، إلى تضمين المنهاج الدراسي الذي يتوزع على ما يقارب من 400 مدرسة حكومية، من الفصل الأساسي إلى الثانوي، بمواد تدريسيّة تتحدث عن فلسطين بأنها دولة عربية إسلامية، وذات حدود معلومة، وهي الممتدّة من نهر الأردن شرقاً إلى البحر المتوسط غرباً، وحسب هذا التعريف فإن فلسطين حسب هذه المواد، تشمل كافة المدن الفلسطينية، مثل يافا وعكا وبيسان وبئر السبع التي تقع ضمن حدود عام 1948، أو ما يسمّى بالخط الأخضر.
كانت تلك المناهج قد تطورت خلال السنوات اللاحقة تباعاً، ووصل بها الأمر إلى أنه ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني من العام الفائت، قامت وزارة التعليم بإعلانها التوقف عن استخدام مناهج السلطة الفلسطينية وإدراج مواد وطنية بديلة أخرى، تقلل خلالها من قيمة الاتفاقات مع الإسرائيليين وأيديولوجيا المفاوضات، وبالمقابل قصدت إلى تعميق الفكر المقاوم لدى الطلبة من خلال تضمينها الحروب العدائية التي قامت بها إسرائيل ضد حركات المقاومة وسكان القطاع بشكلٍ عام، وبخاصة معركة (حجارة السجيل) التي حدثت في أواخر العام 2012.
في شأن التعليم العملي(التطبيقي)، فقد عملت حماس وبتمويل من قِبل وزارة التربية والتعليم وبالتنسيق مع وزارة الداخلية في الحكومة، على انتهاج سلسلة برامج خاصة ومكثفة وعلى رأسها مخيمات الفتوة أو برنامج الفتوّة، والذي يرتكز في الأساس على فكرة انتقاء- حسب الرغبة- فتية من صغار السن من المدارس، وإخضاعهم لبرامج تدريبيّة عسكريّة شاملة، تحت إشراف كتائب عز الدين القسام وهو الجناح العسكري للحركة، الذي لديه الخبرة والقدرة الكافيتين على تخريج مئات الألاف من عناصر الفتوّة في المستقبل. بهدف تنشئتهم التنشئة العسكرية اللازمة باعتبارهم حجر الزاوية في المقاومة وقادة المستقبل للحركة وعمادها.
كانت شاهدت إسرائيل بأمّ عينها وعلى مدى الفترة الفائتة، أفواجاً من تلامذة المدارس اليافعين يتلقّون التدريبات العسكرية المختلفة داخل معسكرات خاصة أقيمت على أنقاض المستوطنات الإسرائيلية التي أخلتها إسرائيل خلال خطّة فك الارتباط في عام 2005، وشاهدت كيف يؤدّون تدريبات عسكرية عميقة وشاقة. فبالإضافة إلى تعليمهم على فن القتال وحمل واستعمال السلاح وإطلاق النار، ومشاهد أخرى متعلقة بنصب الكمائن وترتيب المتفجرات بأنواعها، فهم يقومون أيضاً بالزحف تحت الأسلاك الشائكة وبالقفز إلى داخل النار الموقدة في الإطارات، والصعود إلى الحبال المعلقة وغيرها، إلى جانب التعليم على كيفية اكتشاف العملاء والمتعاونين مع إسرائيل، وبدون أن تخفي حماس أنها بصدد إعداد أجيال مقاوِمة في مواجهة جولات أخرى من الحروب مع الجيش الإسرائيلي مستقبلاً.
إن أكثر ما يخيف إسرائيل، هو ليس عدد الصواريخ التي تهطل على أنحاء مختلفة فيها، بل ما يخيفها أكثر، هو ترك مساحة كافية لتمكين حماس من التمادي في عسكرتها للتعليم داخل حدود القطاع، الذي تهدف من ورائه، إلى خلق ونشأة أجيال مقاومة، التي كانت إسرائيل تتوهم في يومٍ ما، أن يصعب عليها الحديث بشأن أمور لم تعيشها وليست لديها فكرة مباشرة عنها وخاصة فيما يتعلق بأحداث النكبة الفلسطينية وتداعياتها التي استمرّت على مدار عقودٍ من الزمن وإلى الآن، وعندئذٍ سيتضاعف هطول الصواريخ إلى آلاف المرات عمّا تشهده إسرائيل في هذه المرحلة، لا سيما وأن القادة والخبراء لديها، يعرفون من أن الكتب المدرسية دوماً تعتبر من أهم الوسائل التي تقود إلى تعزيز الروح الوطنية لدى الناشئة، خاصةً في هذا الصدد الذي يمس أمنهم وكرامتهم ومستقبل حياتهم، ومن ناحيةٍ أخرى فهم يثقون بأن ذلك واقعٌ لا محالة وإن طال الزمن.
وما أثار إسرائيل واستفز طاقمها العسكري أكثر، هو انضمام أكثر من 13 ألف آخرين من طلاب المدارس الثانوية في مناطق القطاع الذين نالوا شهادات تخرجهم من برنامج الفتوّة، ومن جهةٍ أخرى، وضوح الروح المعنوية العالية لديهم، حيث باتوا يفخرون لأهليتهم السياسية والعسكرية، ولا يخفون حماسهم من إمكانية محاربتهم لإسرائيل في أي زمانٍ ومكان.
نجاح برنامج الفتوة لفتيان المدارس، جعل هناك المزيد من الرغبة بشأن توجهات حكومية متقدمة تهدف إلى تطبيق تلك البرامج بمستوياتها كافة على الفتيات أيضاً، وتوضحت تلك التوجهات، من خلال دعوة رئيس الوزراء "إسماعيل هنية" إلى إطلاق دورات عسكرية للفتيات، تهدف إلى السير على نهج المقاوِمات والاستشهاديات.
سيكون هناك مصدراً آخر للقلق، هكذا يشعر الإسرائيليون، وذلك من خلال انتقال ذلك الفكر إلى مناطق الضفة العربية، وإن بصورةٍ أقل أو لدى فصائل أخرى، لا سيما وأنهم يرون قيادة السلطة الفلسطينية نفسها، التي اتخذت قرارها بالمضي قُدماً في العملية السياسية، تسلك ليس بعيداً عما يقوم به تعليم حماس، حيث كانت السلطة محل اتهام صارخ من قِبل رئيس الحكومة "بنيامين نتانياهو" الذي سارع بالعويل أمام ساعي السلام وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري"، بأن الرئيس "أبومازن" يشجع على الكراهية ضد الإسرائيليين من خلال مناهج كتبه المدرسية التي يقوم الأساتذة بتعليمها في المدارس الواقعة بين يديه، ونسي هو ما كتبت يداه.
خانيونس/فلسطين
عسكرة التعليم الحمساوي !
اخبار الساعة - د. عادل محمد عايش الأسطل