يرى العديد من المراقبين السياسيين بأن السكوت المتعمد من القيادة السياسية تجاه ما يحدث في صعدة وعمران سيكون مدمراً لليمن وللنظام الجمهوري وللقيادة السياسية على وجه الخصوص وستكون هي الخاسر الأكبر في هذه الحرب مقارنة بأي فصيل آخر من أطراف النزاع، وهذا الصمت المريب الذي تبديه القيادة السياسية التي تصم أذنيها وعينيها تجاه ما يحدث في الوطن شماله وجنوبه له دلالاته الخطيرة، فهو يدل على أن هناك اتفاقيات سرية عُقدت مع أطراف خارجية وداخلية تقضي بعدم تدخل الجيش في الصراع الدائر في شمال الشمال.
هذا الصراع الذي ستكون نتائجه وخيمة على القيادة السياسية بغض النظر عن الرابح في هذا الصراع فإذا انتصر الحوثي وجماعته فلن تبقى قيادتنا السياسية في مأمن من بطش الحوثي مهما كانت الوعود التي حصلت عليها من الخارج أو الداخل، لأن شروط الإمامة لا تنطبق على فخامة الرئيس هادي (بحسب عقيدة الشيعة الاثني عشرية والتي يمثلها جماعة الحوثي).
وأما إذا كسبت القبائل المعركة فبدون شك أنهم لن يقبلوا بقيادة هادي التي خذلتهم بقوة في هذه الحرب بل ودعمت أعدائهم ومدتهم بكل أنواع الأسلحة وأمنت لهم الغطاء السياسي المطلوب لاستمرار عدوانهم.
حاولت القيادة السياسية الإمساك بالعصا من وسطها وأن تقف على مسافة واحدة من كل الأطراف لكن كانت الضغوط الخارجية قوية إلى درجة فقدت معها القيادة بوصلتها وتهاونت واسترخت وتسامحت بشكل لافت حتى مع الذين هددوا حياة رئيس الدولة وحاولوا أن يتخلصوا منه في أكثر من مناسبة وفضلت أسلوب السلحفاة في الدفاع عن نفسها فعندما تستشعر السلحفاة بالخطر تقوم بسحب رأسها وأطرافها إلى داخل القوقعة التي تحملها فوق ظهرها لتتجنب الخطر، لكن هذا الأسلوب قد لا يكون ناجعاً أو ناجحاً في مواجهة قوى الشر التي تخطط لنسف السلحفاة بكاملها.
موقف قيادتنا السياسية سيدمر وثيقة الحوار وسينسفها من أساسها التي تنص على فرض هيبة الدولة على كافة الأراضي اليمنية وسحب كافة أنواع الأسلحة الثقيلة من الجماعات المسلحة.
في بداية حرب الحوثي وأثناء محاصرته لدماج استنجد أهالي دماج بوزير الدفاع الذي أغلق تليفوناته تهرباً منهم وبرئيس الجمهورية ولم يعيرهم أي انتباه رغم مناشدة كافة القوى الوطنية لفخامة الرئيس هادي بالتدخل في ذلك الوقت لحل المشكلة، وهذه القوى السياسية هي قوى مخلصة تخاف على هذا الوطن وتحرص على سلامته ولو تدخلت قيادتنا بقوة في ذلك الوقت وضربت على يد الباغي لسلم الوطن، وليس هناك أي عذر أو مبرر مقنع بوجود ضغوطات من الخارج ولو كان الشعب يعلم بأن قيادتنا سترضخ لضغوط الخارج بهذا الشكل المسيء للشعب اليمنى لقام الشعب بانتخاب أحد موظفي البيت الأبيض أو البلاط الملكي لإدارة الدولة خلال الفترة الانتقالية.
سكوت القيادة على عدم التزام الحوثي باتفاقيات دماج أو غيرها من الاتفاقيات في حوث وأرحب وعدم تسليم مواقعهم لقوات الجيش بحسب هذه الاتفاقيات الموقعة من جميع الأطراف بما فيهم الحوثيون أنفسهم هو أيضاً أمراً مريباً كما أن صمت الدولة على سقوط مدينة حوث ومدينة الخمرى والعديد من المدن في محافظة عمران وسكوتها أيضاً على تدمير بيت الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رحمه الله وهو الرجل الحكيم ذو التاريخ النضالي الكبير، هذا السكوت ليس له تفسير سوى أن الدولة راضية عما يحدث بل يرى العديد من السياسيين بأنها مشاركة ضمنياً خاصة وأن الحوثي يستخدم في هذه الحروب أسلحة وآليات الدولة الثقيلة ولا ينقصه سوى الطيران الحربي.
بعض السياسيين المتشائمين يروا بأن الرئيس هادي قد كُلف ليقوم بنفس الدور الذي يقوم به حالياً الفريق السيسي في مصر للتخلص عن كل التيارات الإسلامية القوية التي قد يكون لديها فرصة محتملة للوصول إلى السلطة في أي بلد عربي في المستقبل وهو يؤدي هذا الدور نيابة عن القوى الإقليمية والعالمية بمباركة البيت الأبيض وبعض دول الجوار التي تريد أن يستمر اليمن في غيبوبته وفي غرفة الإنعاش لا هو يعيش حياة كريمة ولا هو يموت ليرتاح، هذه الدول لا تستطيع أن تتدخل بشكل مباشر في الشأن اليمني لأن ذلك سيكون مكلفاً جداً لها فأوكلت المهمة للرئيس هادي ليكون ذراعها في اليمن وللحوثي ليكون قدمها.
لذلك فالقيادة السياسية تغض الطرف عن حرب الحوثي ضد القبائل وخصوصا المناصرة للثورة وبالتأكيد سيخرج الطرفان منها أضعف بكثير ويسهل بعد ذلك ترويضهما على الطريقة الأمريكية فيقبلون بأي نصيب من الحكم مهما كان ضئيلاً أو يبتعدون عن السياسة مقابل سلامتهم الشخصية وهذا ما يعرضه السيسي على الإخوان في مصر.
هذه الحسبة لا يمكن أن تنجح في اليمن لأن هناك أطرافاً لم يحسب حسابها أبداً قد تدخل إلى المعركة كأطراف مؤثرة جداً وقد يقلبون الطاولة على الجميع وعندها قد ينقلب السحر على الساحر. فهل ستتغلب حكمة الرئيس هادي ويتدارك الأمر قبل فوات الأوان خاصة وأن الحوثي يدق أبواب صنعاء ولديه خلايا نائمة في العاصمة تنسق بشكل كبير مع بقايا النظام السابق وهم فقط ينتظرون ساعة الصفر التي أعلن الرئيس السابق عنها في قناته الفضائية التي ستكون قبل يوم 11 فبراير القادم وهي فترة انتهاء رئاسة هادي؟
ماذا تنتظرون حرب الحوثي والقبائل وثمن السكوت الباهظ
اخبار الساعة - د. حسني الجوشعي