منذ انطلاقة شرارة البوعزيزي في تونس والسياسة السعودية الخارجية تتعامل بسرعة غير معهودة مع الأحداث والتطورات، كما أنها لم تبقِ شيئاً للغرف المغلقة. الصراحة المعلنة -بعكس الديبلوماسية الهادئة المعروفة عن المملكة- ظهرت حتى قبل «الربيع العربي»، إذ أبدى الملك عبدالله امتعاضه من سياسة بوش قبيل 11 أيلول (سبتمبر)، حين قابل المسؤولين الإسرائيليين أكثر من مرة ورفض مقابلة محمود عباس.
وهي قصة معروفة وكانت -ولا تزال- إحدى المحاولات الحثيثة من السعودية لإيجاد حل للقضية الفلسطينية، ومن لدن العروبي عبدالله بن عبدالعزيز تحديداً، الذي لطالما كان طموحاً لحل القضية الفلسطينية وللوحدة العربية، وليس أدل على ذلك من المبادرة العربية للسلام، التي كانت صفعة للإسرائيليين وتكذيباً لدعايتهم بأن العرب لا يتُوقُون للسلام.
ولكن بشار الأسد أحسن للإسرائيليين حينها، عبر تنشيط مسار محادثات السلام الأحادية معهم على حساب المفاوضات العربية الجماعية، وقادها وزير الخارجية الحالي وسفير سورية في واشنطن آنذاك وليد المعلم. ولم تنتهِ العصا التي توضع في كل عجلة تدفعها السعودية للحل الفلسطيني، وآخرها في أنابوليس.
في الأيام الماضية أقر الحوار الوطني اليمني تحول اليمن إلى دولة اتحادية من ستة أقاليم، وهو أنموذج غير ناجح، مع استثناء الإمارات لاعتبارين رئيسين: الأسر الحاكمة في كل إمارة والوضع الاقتصادي الجيد، وهو ما دفع كل إمارة إلى العمل على التنمية، ومن ثم لا يوجد عند أي إمارة رغبة أو مصلحة في الاستقلال أو الاستحواذ على أخرى.
حين خرج القرار بتحول اليمن إلى أقاليم فيديرالية ستة،، قابله عشاق العناوين الرنانة بالترحاب، وهم من يطربون لعبارات مثل المقاومة والربيع العربي، سواء أكان التصرف على الأرض مرتبطاً بالمعنى أم مستغلاً له كشعار، وقابل التقسيمَ (الفدرلة) آخرون بالرفض عبر تظاهرات، وعلى رأسهم يمنيون جنوبيون.
وفي اعتقادي أن «فدرلة اليمن» لا تعدو كونها خطوة لتقسيم اليمن دويلاتٍ، وتقسيمه أربعَ دويلات في الشمال هو خنجر في خاصرة السعودية، إضافة إلى أن انتشار السلاح وتسرب حوالى نصف الطلبة من المدارس يجعلان اليمن أقرب إلى الفوضى، ودويلاتِه الصغيرةَ قليلة الموارد والباحثة عن أموال لتلبية حاجات مواطنيها، غيرَ مستقلة القرار، لأن الأموال لا تأتي من دون أجندة، هذا مع العلم أن الدعم موجود بالفعل، إذ تدعم قطر حزب التجمع اليمني للإصلاح (جماعة الإخوان المسلمين)، وبالطبع تدعم وتدرب إيران الحوثيين.
وإذا ما ربطنا بين منظور السعودية إلى الدول العربية ورفضها تقسيم سورية ودعمها وحدة مصر والعراق، فلا يتسق أن تكون السعودية داعمة أو مستفيدة من تقسيم اليمن، ولاسيما أن السعودية كانت داعمة لأطياف المجتمع اليمني منذ أن توحد في 1990 ثم جبه البلدين معاً عدواً واحداً هو تنظيم «القاعدة» أعواماً عدة، وما زال خطره قائماً، ناهيك عن الحوثيين، الذراع الإيرانية في اليمن. وقد كان لبعضهم رؤية مغايرة ترى أن السعودية هي المستفيدة من تقسيم اليمن، وهو رأي يُحترَم ولا يصل لمستوى التحليل المبني على القرائن.
ولكن الرأي الباعث على السخرية كان رأي عبدالباري عطوان، الذي يحلل سياسياً بلغة الهايد بارك، ويطرح أن السعودية وبريطانيا وأميركا خططوا لتقسيم اليمن في حين لم يجف حبْر قلمه وهو يكتب عن تخلي أميركا عن السعودية بعد اتفاق إيران النووي والعديد من الآراء المتناقضة. ولأن محللي الهايد بارك غير متسقين مع ما يقولون، فكل ما تحتاج إليه لتضحك من فرط تسفيههم للعقول، أن تضع كل كلامهم على الطاولة، ولكن انتبه، فقد يسقط من الأوراق بضع شيكات، بتوقيع صدام أو القذافي.
* كاتب سعودي