ليس عيبا ولا مخجلا ان يقف الجميع صفا واحدا، كلمة واحدة ، خلف رئيس الجمهورية وحكومة الوفاق مهما كانت الملاحظات على الاداء ، لان الاختلافات والتوتر والصراع عوامل أساسية ساهمت على إضعاف الدولة ودورها في التغيير والبناء
الوضع الحالي للبلد وخلق الأزمات وافتعالها وتأييدها وتأجيجها لن تثمر بأي نتيجة ايجابية لليمن ، من الشجاعة ان تعلن كل القوى والتيارات والجماعات والمنظمات والشخصيات والأفراد ووسائل الإعلام موقفا وطنيا للتصالح فيما بينها بغض النظر عن توجهها السياسي والفكري والمذهبي والمنفعي وكل العوامل المؤثرة على موقفها
ليس عيبا ان نجعل اليمن هو انتمائنا الأول ومصلحته فوق كل المصالح، الوضع الذي وصل اليه اليمن لا يرضي اي يمني وليس من مصلحة اي حزب او جماعة او طرف او شخص
المصلحة العامة للكل تكمن في ظل يمن يسوده الأمن والاستقرار والطمأنينة والاحترام ، الشعب اليمني تقريبا هو الشعب الوحيد في العالم الخالي من العرقيات والأديان المختلفة وهذه نعمة من الله
ظاهرة التيارات المذهبية والفكرية والسياسية ظاهرة صحية ووجودها لا يمثل خطر على هوية وجغرافيا اليمن ، كل مواطن يوجد بداخله حب الاستقرار والتصالح والعيش المشترك مع كل من يختلف معه في توجهه المذهبي او الفكري او السياسي
هناك شعوب كثيرة حول العالم يوجد بها عشرات المذاهب والعقائد والاديان والاجناس والاعراق وتوجد فوارق كبيرة ومتباعدة بين هذه الاديان والعقائد سواء فوارق سلوكية او ثقافية او سياسية لكن هذه الفوارق تذوب امام مصلحة الوطن الذي تعيش عليه هذه المكونات وتعمل وتلتزم للنظام السياسي للبلد وتعتبر النظام هو القاسم المشترك لتنظيم شئون الحياة لكل التيارات المختلفة دينيا وعقائديا ومذهبيا
الهند مثلا .. قارة تمثل شعب واحد عدد سكانه مليار ومائتين وثمانية وثلاثون مليون شخص ويوجد في هذا البلد الكبير عشرات الاديان والعقائد والمذاهب والاعراق والاثنيات واللغات وتقريبا انه البلد الاول الذي نشأت فيه الاديان والعقائد البشرية ومن كثرة الطقوس والمظاهر الاحتفالية يمكن القول وبالمعنى البلدي يمنيا ان كل عاقل حارة اعلن عن دين خاص به لان اغلب الكائنات والمخلوقات هناك تعبد وتقدس وكل يوم يشاهد الزائر طقوس احتفالية تختلف عن طقوس اليوم السابق وحين تسأل احدهم عن هذه الطقوس يكون الجواب .. هذا احتفال الرب او الالهة فلان وفلان هنا يكون انسان "ذكر او انثى " او حيوان او طائر او شجرة او ماء ويوم فلكي او جماد وطقوسهم غريبة وعجيبة الى حد الخيال وان الخيال الموجود في الافلام الهندية هي انعكاس طبيعي لتلك الطقوس.. معبوداتهم ومقدساتهم كثيرة لا يمكن حصرها، ومع ذلك يجد الزائر نفسه امام حالة الدهشة للتعايش والترابط والاحترام فيما بين الافراد والعائلات الذين ينتمون لتلك الاديان والعقائد ولا توجد اي مظاهر للتوتر او البغض السلوكي الظاهر وتجد طقوسهم اليومية بما في ذلك طقوس الطوائف والمذاهب الاسلامية مرحب بها من الطقوس الاخرى ويلاحظ بشكل قوي طابع المشاركة والمساهمة بين كل الاديان والعقائد المختلفة فيما بينها ويعتبر هذا جانب مهم بالنسبة لهم حفاظا على قواسم العيش المشترك، وقد رأيت بعيناي مدى تقبل الاخر ومدى الاحترام المتبادل حتى انهم يتسابقون للمشاركة والمساهمة بتلك الاحتفالات من منطلق المواطنة وحقوق العيش المشترك الى درجة ان المناسبة الخاصة بدين معين تظم عشرات الاديان والمذاهب والطوائف الاخرى ولا توجد الحواجز والمحظورات التي تمنع مشاركة الاخرين
هذا السلوك والتعايش موجود في شعب معظم معتقداته الدينية صناعة بشرية بعضها يعتمد على الخرافة ومع هذا تجد نفسك امام لوحة وطنية كاملة، السبب الوحيد الذي جعل التعايش سلوك عام وسط هذه المعتقدات المختلفة والكثيرة هو تعزيز وظيفة النظام العام للدولة والتزامهم بها وبقانونها فتجد شخص مسلم مدير كبير في بلدية اغلبية سكانها بوذيين وهندوس ووووو ومع ذلك يمتثلون لتعليماته وينظرون له كموظف مكلف بتطبيق القانون دون النظر لدينه وعقيدته
شعب الهند هو مثل انساني للتعايش المسلمون يمثلون اقل من عشرة بالمائة من عدد السكان ومع ذلك فاز رجل مسلم برئاسة البلاد ويوجد مسلمين اخرين في قيادة الولايات والاقاليم والعكس ايضا .. هذا هو التعايش الانساني وهذا هو الفهم الصحيح للمواطنة
الوحدة الدينية والعرقية والثقافية والاجتماعية في اليمن نعمة كبيرة على شعب اليمن الا اننا حولنا هذه الوحدة الى جحيم واصبح التعايش والترابط والقبول بالاخر امر يكاد يكون هامشيا ومغيبا في بعض المناطق وتم الاستسلام سريعا لثقافة الاختلاف والكراهية وهيمنت على سلوكنا العام تصرفات الثأر والانتقام والمقاطعة والتقطع وفي حالات يلاحظ غياب تام لقواسم العيش المشترك تصل في المناطق الى منع الطرف الاخر من سقاية الماء والسير بالطريق العام
هناك سلوكيات دخيلة على المجتمع اليمني وثقافة هابطة يعتبرها البعض سلوك عام وتمارس علنا وبإصرار مخجل ، اليمن واليمنيين شعب اصيل وصاحب ارث حضاري وثقافي واخلاقي نابع من قيم سماحة الاسلام ومبادئ الانسانية واليمنيين هم من حملوا الاسلام الى كل بقاع الارض بسبب اخلاقهم السليمة والانسانية
الوضع الحالي للبلد مخيف خاصة مع تقبل ثقافة سلوكية جديدة ادواتها الحقد والبغض والكراهية ونبذ الاخر واحيانا بدون وجود سلوك الاخر ، اصبح القتل يمارس في المسجد والمدرسة والطريق والحارة وحتى العمارة السكنية، اصبح التعريف المناطقي بارزا على التعريف بالاسم واصبح ( من اين انت) تسبق ( من انت) واصبح الانتماء السياسي مقدم على الانتماء الوطني والاجتماعي والاخوي
برزت ثقافة التضاد وبقوة حتى داخل العائلة الواحدة، اذا انت مع الطرف هذا أوذاك او من هذه المنطقة او تلك او بلهجة نحن وانا وشا وبا مصدر للتقييم ومبدأ للتعامل السلبي او الايجابي
هناك تلاحم قوي ومتزايد للولاء والانتماء الحزبي والفئوي والفكري وهناك تشبث الى حد الاستماتة من اجل اعلاء ونصرة هذا الانتماء وللاسف الشديد تسللت هذه الثقافة واصبحت تغزوا النخبة المثقفة واصبحت الظاهرة تنال تقبل البعض لها ثقافة وسلوك وممارسة
اصبحت السلوكيات العامة والبارزة هي السلوكيات الدخيلة التي تتقاطع نتائجها مع ثقافة التعايش والترابط الانساني واصبح البعض يرفض القواسم المشتركة للعيش بين الناس بمختلف انتمائهم السياسي والمذهبي والجغرافي
الالتزام والانضباط والاستسلام للقانون وسلطة الدولة واحدة من الاساسيات، ونزعة الرفض والتمرد على الدولة هي بداية لتحويل المجتمع الى الفوضى والفوضى اذا سادت وتمكنت فستنتهي معها كل قيم المحبة والترابط الاجتماعي والفوضى يستحيل العيش في ظل سيادتها كقيمة بديلة عن النظام والقانون
العيش في ظل الدولة افضل من العيش في ظل اللادولة ، وقوة الدولة وضعفها تتوقف على قيادتها والشعب ، الدولة هي الملجئ الآمن للتعايش ودعمها والالتزام بقانونها امر ضروري حفاظا على قواسم العيش المشترك
الترهل الذي اصاب وظيفة الدولة ناتج عن تسلل ثقافة الانتماءات الضيقة الدخيلة الى قيادات مؤسسات الدولة وهذا شيئ ثابت ومعروف ويمكن التخلص من هذا السلوك بالوقوف مع الدولة والانضباط لقوانينها لان رفض الدولة بسبب سلوكيات الانتماء هو الذي يغذي ويضخم هذه السلوكيات ومحاربة انتشارها والحد منها لن يكون الا بدعم الدولة وسلطاتها واجهزتها والاعتراف بشرعية قيادتها مهما كانت درجات القبول والاختلاف والتباين مع قيادة الدولة
الجماعات الارهابية التي تتغلغل في بعض المناطق هي نتاج طبيعي لرفض الدولة وعدم الاعتراف بالحاكم والتمرد على سلطات وقوانين الدولة ، ماذا جنى اليمنيين من وراء ثقافة الرفض والتمرد؟! لم يجني اليمنيين سوى العنف والقتل والخراب والدمار الذي اصبح شاهد الحال في كثير من المناطق
التوافق والانسجام الذي اظهره اليمنيين في مؤتمر الحوار كان شيئ ايجابي والنتيجة التي خرج بها المؤتمر تعتبر وثيقة اجماع وطني وقاعدة تنطلق منه القوانين لترجمة هذا الاجماع عمليا تحدد بموجبه شكل ادارة السلطة والثروة والحقوق والواجبات
وثيقة مؤتمر الحوار تضمنت حل الإشكاليات التي كانت سببا للاختلاف وقد تضمنت المخرجات بتلبية المطالب الحقوقية والتنموية وغيرها ، الى الان لا يوجد اجماع وطني مثل الاجماع الذي تحقق لوثيقة مؤتمر الحوار الوطني، صحيح انها لم تلبي مطالب الاطراف كليا وهذه المطالب بعضها يستحيل تلبيتها لكنها تمثل الحد الايجابي لحل قضايا اليمن
المهمة الصعبة هي تطبيق مخرجات الحوار بشكل عملي وهي المهمة المعقدة التي يسعى البعض للهروب من تطبيقها عبر اختراع مشاريع جانبية هدفها عرقلة تطبيق مخرجات الحوار
ثلاث سنوات من الترهل كافية لاستيعاب اليمنيين والاهم هو استيعاب الاطراف السياسية والقوى المؤثرة في صياغة السلوك العام بالشارع ، يكفي اليمن العيش في ظل الفوضى ودعمها والتمرد على سلطات الدولة والوقوف بوجهها علنا وبقوة السلاح
الكل في خسارة من استمرار هذا الوضع والوطن هو الخاسر الاكبر واذا كان هناك مكاسب فالكاسب الوحيد هم اعداء اليمن وتحديدا دول اقليمية وشقيقة وصديقة ، عداء هؤلاء لليمن يتمثل بتحقيق رغبتهم في ان يبقى اليمن رهينة للتخلف والفوضى لانها تنعكس على تلك البلدان بمصالح متعددة
الرئيس هادي وحكومة الوفاق الوطني لا يملكون عصا سحرية لتغيير الاوضاع ولا يمكن تحقيق اي عمل بشخطة قلم او قرار او قانون، التغيير عملية متبادلة بين الدولة ( رئيس وحكومة وسلطات واجهزة) وبين الشعب ( اطراف وكيانات ومنظمات وجماعات وافراد) واخطاء وقصور الدولة وضعف الاداء يمكن معالجته من خلال تعزيز مكانة الدولة من قبل الشعب حتى ولو كان هناك اصرار رسمي على معالجة الأخطاء ، والحفاظ على الدولة هو الضامن لمعالجة الاخطاء
ليس من المصلحة العامة الوقوف في وجه سلطة الدولة وقيادتها بحجة المطالب وتصحيح الاخطاء ، العرقلة والتمرد تبدأ بالوقوف في وجه الدولة بذريعة المصلحة العامة
التهييج الإعلامي من كل الأطراف اصبح احد مسببات القلق العام للسلطة والشعب وهذا لا يعني تحجيم حرية الصحافة وحرية التعبير بل نحن بحاجة الى ترشيد الخطاب الاعلامي والابتعاد عن الإثارة والتسابق على صياغة عناوين ومواضيع تثير الهلع
الفترة الحالية فترة صعبة وتحتاج من الجميع الى الشعور بالمسئولية بأهمية دعم الدولة وقيادتها وعلى قيادة الدولة محاولة تحريك مسار التغيير ، اما ان يقف الرئيس هادي وحيدا امام صراعات وتوترات يومية يصنعها فرفاء السياسة لأهداف متعددة فهذا هو العرقلة
كفانا عبثا ... لأجل اليمن الصلح خير .. وكل من انتخب الرئيس ومنحه صوته عليه الوقوف معه من اجل اليمن ، والاستمرار بالتخندق والتسلح والانتقام والاصطفاف بوجه الدولة ورئسها وسلطاتها لن تؤدي الى اي نتيجة ولن تحقق اي هدف سوى الاضرار باليمن
الى الرئيس السابق وحزبه وانصاره:
اليمن ملك للجميع وتاريخ الرئيس السابق يجب ان يتحول الى ارث ايجابي للاجيال القادمة وحزب المؤتمر حزب وطني ويمني النشأة والفكر
الرئيس السابق علي عبدالله صالح وحزبه وانصاره من الفاعلين والمساهمين الاساسيين بسلبيات وايحابيات المرحلة الحالية وشعورهم بأنهم مغلوبين هو سلوك يؤثر سلبا على اليمن واستقراره
لماذا لا ينطلقون عمليا وواقعيا وليس نظريا من قاعدة لا غالب ولا مغلوب والصلح خير
رد فعل الرئيس السابق على عبدالله صالح على ثورة الشباب تجاوز حدود رد الفعل واستمرار العمل بسياسة رد الفعل هو اكبر كارثة على اليمن والشعب وبسبب هذه السياسة ظهرت ثقافة وسلوكيات شوهت الارث الثقافي والحضاري والاجتماعي لليمنيين
وان استمرار مقاومة النظام الحالي لإثبات فشله هي بمثابة جلد الذات بل بمثابة حرق الأصابع وهي ممارسات لا تتوافق مع رئيس حكم اليمن 33 عام
التغيير سنة كونية " يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء .... " وهذا ما يجب التوقف عنده من قبل الرئيس السابق علي عبدالله صالح
اعلان الرئيس السابق استعداده للتصالح خطوة شجاعة وشجاعة اكثر لو سجل بداية حقيقية وصادقة وسيكون محل احترام من خصومه قبل انصاره