أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

لماذا تجاهل «صالح» شهداء سورية؟

- جمال بنون

صدمني الخبر الذي تناقلته وكالات الأخبار بقيام الرئيس اليمني الأسبق المخلوع علي عبدالله صالح بإرسال تهنئة إلى الرئيس السوري بشار الأسد بمناسبة انتخابه رئيساً للبلاد، وحملت عبارات التهنئة تضامن الرئيس اليمني المخلوع مع النظام الحاكم السوري ورفضه لما يتعرض من ممارسات وأعمال إرهابية، على حد تعبيره، من قوى الشر والتطرف التي افتعلت - كما يقول «الربيع العربي» - للوصول إلى السلطة من خلال الإرهاب والفوضى.

بالطبع من حق الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح أن يبارك ويهنئ من يشاء طالما أنه خارج كرسي السلطة. خطاب التهنئة هي في الواقع خطاب مواساة يواسي بها نفسه، فالحال السورية هي أشبه بالوضع اليمني إبان الأزمة التي شهدتها عام 2011، وثورة الجياع ضد الحكومة، وتسبب الحال التي وقعت في اليمن المطالبة بتغيير النظام الكثير من الفوضى والقتل والتدمير.

مطالبات عدة من المجتمع الدولي بأهمية أن يتنحى الرئيس المخلوع، إلا أنه ظل يماطل ويباغت ويتحايل ويخلق الأعذار، ولاسيما في ما يتعلق بنقل السلطة والتنحي عن الحكم بقي الرئيس اليمني المخلوع أشهراً عدة يراوغ، ويفاجئ الناس بتصريحات غريبة وغير معقولة، وعلى رغم تعرضه لهجوم بمحاولة قتله أثناء تأديته صلاة الجمعة، إلا أنه بقي على موقفه، وقتها لجأ إلى السعودية للعلاج. ولم تنقذه من أزمته التي كانت ستكون مثل بقية رؤساء دول «الربيع العربي» الذين غادروا كرهاً مواقعهم، لم تنقذه من أزمته هذه سوى المبادرة الخليجية، التي قادتها السعودية من أجل إيجاد مخرج ملائم له يحفظ كرامته، ويحمي الشعب اليمني من القتال والصراع.

والمتابع لسياسة الرئيس المخلوع خلال فترة حكمه، يعرف كيف أنه بسقطات بتصرفاته جرّ البلاد إلى ويلات الصراع والجوع نتيجة أخطائه السياسية وعدم تقديره لمصلحة بلاده، فخلال غزو العراق للكويت عام 1990 أيد خطوة صدام حسين في غزو العراق، وتسبب بذلك في إلحاق الضرر بشعبه حينذاك حينما اتخذت السعودية قرار إلزام الكفيل على العمالة اليمنية المقيمة في السعودية، والتي كانت تتميز بحصولها على إقامة من دون كفيل، إلا أن الرئيس المخلوع بهذه الخطوة أضر بمصلحة شعبه.

حينما يهنئ الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح الرئيس السوري فهو يعتقد بأنه انتصار لنفسه، فقد أمضى صالح منذ قيام الثورة في اليمن نحو عامين وأكثر، وحينما تمتد الحالة السورية فهو يرى أنه انتصار للشرعية، ويمنِّي نفسه لو أنه استطاع أن يماطل أكثر، إلا أن الرئيس المخلوع لا يعلم أن الأزمة السورية التي مضى عليها نحو أربعة أعوام استخدم فيها النظام السوري كل أنواع الطائرات الحربية والبراميل المتفجرة والعنقودية وحتى الأسلحة الكيماوية، ومارس كل أنواع التعذيب تجاه الشعب السوري الذي يناضل من أجل وطنه وحريته، كيف غاب عن الرئيس المخلوع هجرة مليوني سوري إلى الدول المجاورة تركيا والأردن ولبنان ومصر ودول الخليج. الأطفال الذين قُتلوا وشُردوا، والأسر التي تركت منازلها وغادرت نتيجة الظلم والاضطهاد، وبعد كل هذا يقول الرئيس اليمني المخلوع مهنئاً الرئيس بشار: «أود أن أعبر لكم عن صدق مشاعرنا تجاه سورية الصمود وقلب العروبة النابض ورفضنا لما يتعرض له من ممارسات وأعمال إرهابية من قوى الشر والتطرف التي افتعلت ما يسمى بالربيع العربي للوصول إلى السلطة من خلال الإرهاب والفوضى الخلاقة والتخريب، وقدمت صورة مشوهة للإسلام الذي هو بريء منهم ومن تصرفاتهم وأفكارهم الهدامة». يغلب على الرئيس اليمني المخلوع أنه ضعيف سياسياً لا يجيد الاستفادة من اللحظة التي تسنح له، فيستخدمها ضده، دائماً يعبر عن ذاته وليس عن وطنه وشعبه، لهذا بقيت أعوام الحكم التي أمضاها معظمها اضطرابات سياسية، سواء مع جيرانه أم كسياسي أمضى 33 عاماً في الحكم. يعلم الرئيس اليمني موقف دول الخليج من الأوضاع في سورية، بل حتى المجتمع الدولي، ويشاهد ويرى ما يحدث على الساحة السورية، ويعلم بمدى دور دول الخليج في مساعدة اليمن من أزمتها الاقتصادية التي تعيشها، ومحاولة لملمة الجروح التي سببها خلال فترة حكمه، وحجم المساعدات المالية التي أغدقت عليه خلال فترة حكمه من أجل أن يتجاوز أزمته وحتى بعد خروجه من السلطة كان محل ضيافة لدى حكومات الخليج. لم يقدر الرئيس اليمني المخلوع كل هذا الدور ولم تحرك مشاعره الإنسانية وصور القتل فوصف المطالبين بإسقاط النظام في سورية على أنهم إرهابيون متطرفون ويعطون صورة سلبية للدين، كما يقول.

على دول الخليج أن تعيد حساباتها مع الرئيس المخلوع من حيث الدعم والمساعدة، نعم، فالتصريح اعتراف واضح وصريح بالدور السوري-الإيراني في المنطقة ومحاولتها زعزعة المنطقة، وما يحدث الآن في اليمن من تحرك مثير للحوثيين وفلول القاعدة ونشاطها في شكل مكثف لا يستبعد ضمن مخطط إيراني-سوري وبعض الدخلاء من العرب لجعل المنطقة في وضع غير مستقر واستنزاف اقتصادها في محاربة الإرهاب والتطرف أو من خلال تهريب المخدرات والأموال التي تغذيها جماعات تتلقى تعليمات من جهات لها نفوذ، ولعل من نماذج الرئيس اليمني المخلوع كثيرون من المستنقعين والمستفيدين ولا يعلنون ما بداخلهم تجاه المنطقة أو شعوبها، خشية أن توقف عنهم براميل النفط أو المساعدات المالية، إنما تشاء الأقدار كما قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: «ما أضمر أحد شيئاً إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه».

المصدر : صحيفة الحياة

Total time: 0.0482