مصطلح "الشراكة" أحد أكثر المصطلحات شيوعا واستخداما في الخطابات السياسية والاتفاقيات ومخرجات الحوار، ويستخدمه كل طرف في خطاباته كابتسامة ودودة يطمئن بها الآخرين ويبدو بها وسيما فيما هي ابتسامة تقتضيها لحظات الوقوف أمام الكاميرا ولا يوجد وراءها دافع حقيقي.
الشعوب المتقدمة والمتحضرة والمستقرة لا تعرف هذا المصطلح، فهناك انتخابات حرة ونزيهة وتسييد للنظام والقانون، وبالنظام والقانون يتحقق معنى الشراكة من غير حاجة إلى مضغه في الفم بمناسبة وبغير مناسبة.
لا تقنعوا الاشتراكيين والناصريين والإصلاحيين والحوثيين والمؤتمريين وأي حزبيين بمناصب في الوزارات، فإقناعهم لا يمكن أن يتحقق عمليا، ولا هو صواب أصلا..
لا تقنعوا الجنوبيين برئيس من الجنوب، أو حتى برئيس ونصف الحكومة، فلم يقتنع كثير منهم خلال الثلاث السنوات رغم أن رئيس الجمهورية جنوبي ورئيس الحكومة جنوبي وقرابة ثلثي الحكومة جنوبيون، فكيف سيقتنعون بمجرد المناصفة، خاصة والجميع يعرف أن القانون ليس إلا أوراقا تذهب أدراج الرياح وأدراج المسؤولين وأن العبث الأكبر بحقوق الناس في الوظائف الأدنى بلا حدود.
بغياب هذا القانون يستحيل إقناع الجنوبيين بمنصب رئيس أو نصف الحكومة، ويستحيل إقناع أبناء تهامة بمناصب تمنح لأشخاص من تهامة، ويستحيل أن تقنعوني كمواطن من تعز بحقيبة أو حقائب تمنح لمن ينتمي إلى تعز..
فلطالما كان رئيس الوزراء من تعز، ولطالما كان زير المالية من تعز، ولطالما كان وزير الداخلية من تعز، ولطالما وطالما، لكن ذلك لم يكن يعنيني قديما، ولا يعنيني اليوم، ولن يمثل لي شيئا في المستقبل.
أنا مواطن يمثلني النظام والقانون الذي يضمن لي وظيفة وعملا ويوفر لي الحماية من أبسط أنواع الظلم ويوفر لي كل ما أحتاجه بداخل أي مستشفى حكومي من غير أن أحتاج لوسيط أو رشوة، ويشعرني أنني مصان الحقوق ومحكوم بقانون يساويني برئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وبالوزير وبالشيخ والضابط والتاجر ويحفظ لي صوتي الانتخابي الذي أشارك فيه بحكم البلد واتخاذ القرار، وعندما يطبق هذا القانون فلا أحفل بالانتماء المناطقي لهذا الوزير أو ذاك، ولا لهذا الرئيس أو ذاك، ويستوي عندي من جاء من أبين بمن جاء من صعدة بمن جاء من حضرموت بمن جاء من قريتي فضلا عمن جاء من محافظتي.. نعم، يستوي عندي الجميع لأن القانون هو الذي يمثلني، وينتمي إليّ شخصيا وأنتمي إليه.
بهذا –فقط- تنتهي كل النزعات المدمرة من مناطقية وسلالية، وبهذا –فقط- يستقر البلد وينتظم الشعب تحت قانون يحل محل كل تلك الانتماءات التي تتكاثر وتتداخل ولا يمكن استيعابها وتفاصيلها، وعلى هذا الأساس استقرت الشعوب المتقدمة أنحاء العالم رغم ما عندها من الانتماءات والعرقيات والديانات.
الشراكة هي أن يفوز حزب في الانتخابات فيتنازل لغيره عن حقائب وزارية، من باب إشراك الآخرين، وهذه وحدها الشراكة المقبولة لأن جميع هؤلاء الآخرين سيعملون تحت إشرافه وعلى مسؤوليته، أما مبدأ الشراكة الذي يتحدث عنه الجميع اليوم ويشرحون محاسنه في ذات الوقت الذي ينفرون فيه من مبدأ المحاصصة ويتحدثون عن مخاطره، فهو ذاته مبدأ المحاصصة، ومبدأ المحاصصة هو مبدأ الشراكة، إذ لا معنى لهذه الشراكة سوى اقتسام المناصب والوظائف بطريقة يحكمها منطق القوة والضعف لهذا الطرف أو ذاك.
الطرف الضعيف الذي يطالب بالشراكة فإنما يعبر عن شعوره بالإقصاء، ويتسول شيئا يجود به الآخرون، وينتزع لنفسه اعترافا من الآخرين بأنه من الورثة الشرعيين، ثم قد يحصل على شيء أو لا يحصل. والطرف القوي الذي يتحدث عن الشراكة فإنما يفعل ذلك لمعرفته أن النصيب الأوفر سيكون له، وأن السكين ستكون بيده ليقسم ويختار.
الشراكة المحمودة في غير هذا هي تلك الشراكة لبناء المدماك العريض الذي تقوم عليه الدولة ومستقبلها، أعني المدماك العريض من الدستور والقانون عند وصول الحالة السياسية إلى الانسداد، ثم يتولى الدستور والقانون إدارة الحكم، أما الشراكة في الحكم فهي المحاصصة التي نحتاج معها لوزير من كل أسرة وليس فقط من كل قبيلة ومنطقة أو محافظة، وإذا وصل المجتمع لحالة من الرضا بالاقتسام وفق الانتماء المناطقي –وهو أمر مستحيل أصلا- وجد نفسه أمام الحاجة للاقتسام وفق المعايير الحزبية، ثم الفئوية، ثم على أساس الجنس (ذكور ونساء)، ثم على أساس العمر (شباب وكبار)، وما لا نهاية له من التقسيمات.
من يطالب بالحكم وفق الشراكة، أو بالشراكة في الحكم، فإنه لا يعبر عن نيته للعمل من أجل استقرار البلد وعبر سعيه لإلغاء الدستور والقانون واعتزامه إدارة البلد بالأزمات والحكم بالفوضى والاضطراب والاحتراب، والشراكة عنده ليست أكثر من سكين حاد ونظيف سيحسن به الذبحة ليس إلا..!!