اخبار الساعة - د. عادل محمد عايش الأسطل
لا شك بأن حادثة مقتل المصريين ألـ21، على يد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) داخل الأراضي الليبية، تثير الحزن والغضب معاً، برغم أنها ليست جديدة، فقد واجهت بعض الدول منذ الماضي، أحداثاً دموية مشابهة وخاصة ًدول أفغانستان وسوريا والعراق، حيث ذهب نتيجتها آلافاً من الضحايا الذين وجدوا أنفسهم في واقعٍ ألزمهم دفع الثمن بغير ذنب، وبلا أيّة أخطار منسوبة إليهم، ودونما أيّة صلة بأعمال سياسية وأمنية بطبيعة الأمر، فقط باعتبارهم يتبعون لدولة غريمةً، لدواعٍ سياسية وأمنية ودينية، وكأنّ ذلك هو جزء من قدرهم المحتوم.
إدانة عربيّة ودوليّة واسعة لحادثة القتل، باعتبارها وحشية ولا صلة لها بدين أو معتقد أو طائفة، وهي لدى جهات رسمية وشعبية، لن تؤدِ إلاّ إلى مزيد من تحفيز المجتمع الدولي للتوحّد ضد التنظيم، وإلى نبوءات تقضي بالمزيد من الفوضى الدامية، بين المسلمين أنفسهم، والتي تتنافي مع تعاليم دينهم وأخلاقهم العربية المتوارثة.
إن الاستنتاج الذي تخلص إليه اجتماعات الدول في مواجهة تلك الأحداث والتصدّي لها، هو ضرورة المبادرة إلى الرد بعمليات عسكرية انتقامية، ضد الجهة الفاعلة، والتي تشكل مستوىً خطِراً بمساندتها، وقد رأينا التحالف الدولي الذي دعت إليه وقامت بتشكيله الولايات المتحدة، من أجل مواجهة تنظيم الدولة داخل الحدود السورية – العراقية، وإن كان ليس بهدف القضاء عليه، ولكن للحد من سطوته، أو لتغيير المزاج العام بشأن الشكوك المثارة حول مسؤوليّتها عن خلق التنظيم والمساهمة في نموّه.
إلى هذه الأثناء تختلف الصورة بشأن الأحداث الليبيّة، بسبب اقتصار أنشطة التحالف داخل منطقتي العراق وسوريا، ولذلك يتعين الحذر وبشدة، وخاصةً بالنسبة إلى مصر التي اضطرت إلى مواجهة التنظيم بعيداً عنه، والتي اضطرت لاتخاذ قرارٍ بالانتقام فوراً لمقتل مواطنيها، بأن عليها الحذر من تداعيات التي قد تكون مؤلمة أيضاً، بسبب أنها مُلزمة بتقرير مواجهتها دولاً وتنظيمات قويّة أخرى، وليست تنظيمات ضعيفة، يمكن التخلص منها في يومٍ أو بضعة أسابيع على أسوأ تقدير، في ضوء رؤيتنا أن أحداث القتل والدمار المتبادلين في كل من سوريا والعراق لم تنتهِ بعد، وليس مأمولاً انتهاؤها في المستقبل القريب، من خلال تصاعد عمليات جنونية متبادلة.
كما سارع الجيش الأردني، إلى تكثيف حملاته العسكرية ضد التنظيم في الشرق، ثأراً للطيار "معاذ الكساسبة" فقد عاجل الجيش المصري بالثأر للضحايا المصريين في الغرب، حين قام بتوجيه ضربة جوية مركزة ضد معسكرات ومخازن أسلحة تابعة للتنظيم بالأراضي الليبية، وتحديداً داخل مدينة درنا شرق البلاد، وذلك بالتزامن مع قيام سلاح الجو الليبي بشن غارات جوية مشابهة، وهي المرة الأولى التي تعترف فيها القاهرة علناً، بتنفيذ عمليات عسكرية داخل الأراضي الليبية، حيث أفادت تقارير خلال فترات سابقة، بأن قوات مصرية ساندت اللواء المتقاعد "خليفة حفتر" في مواجهته للقوى الإسلامية الليبية، وكانت مصادر أمريكيّة قد ذكرت بأن الإمارات العربية، قامت بتنفيذ غارات جويّة مستخدمةً قواعد مصرية.
وتصعيداً في هذا الاتجاه، ناشد الأمين العام لجامعة الدول العربية "محمد العربي" بمناشدة أعضاء الجامعة بتفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك لمواجهة تلك التنظيمات ولحماية الأمن القومي لكافة الأعضاء، وهي المعاهدة التي تم اعتمادها منذ العام 1950، ولم يتم تفعيلها منذ ذلك الوقت، باتجاه أيّة أخطار بما فيها الإسرائيلية.
من حق مصر أن تُدافع وبصورة عامّة، باتجاه أيّة اعتداءات تشمل حدودها وأمنها ومواطنيها، ومن السهل عليها الرد على كل اعتداء أيضاً، وخاصة في حالة التنظيم، لكن ربما يكون من الصعب عليها إيجاد الضمانات الكافية، لعدم تطور الأمور إلى الأسوأ، سيما وأن الولايات المتحدة قائدة التحالف الدولي، سلّمت بأن مقاتلة التنظيم ستكون على مدار سنين طويلة، وأعلن الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" نفسه مؤخراً، بأن الحرب ضد الإرهاب في سيناء لوحدها، سيستمر سنين طويلة أيضاً، وهذا يؤشر إلى نبوءات مُضنية على مصر، فبالإضافة إلى اضطرارها إلى حمل أعباء ضخمة، والتي تتمثل بعدم الاستقرار السياسي والأمني، وبالأوضاع الاقتصادية المتدهورة، وبالحالة المجتمعية السيئة، فإن تبِعات لا تقل صعوبة عن الفائتة، ستحصل بسبب عودة أكثر من 2 مليون مصري إلى بلدهم، لفقدانهم الأمن داخل الأراضي الليبية، ومن ثم فقدانهم لأعمالهم التي يعتاشون منها، وسواء كان بمحض إرادتهم، أو بناءً على تحذير تنظيم فجر ليبيا لهم، بضرورة مغادرتهم البلاد، خلال 48 ساعة، خشية حدوث أعمال انتقامية، ردّاً على العملية المصرية.
ستحمل الأيام القادمة نشاطات عسكرية متصاعدة، سيما بعد إعلان حكومة الإنقاذ الليبية، عن تكليف قوة عسكريّة، لاستعادة مدينة سيرت من قبضة التنظيم والمجموعات المسلحة المتشددة، والتي بالتأكيد ستكون بالتنسيق مع قوات مصرية وإماراتية ودوليّة أخرى.
خانيونس/فلسطين