أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

كيف نحاصر الآثار السلبية لثورتي مصر وتونس على الثورة اليمنية؟

- محمد العلائي
في بلد كهذا البلد، يصبح الانصياع، بلا تحفظ، لأهواء ورغبات الجماهير مخاطرة خالصة. إذ أن الجماهير فريسة سهلة لشتى أنواع المؤثرات. الجماهير تحتاج عقل سياسي يحول نشاطها إلى مكاسب سياسية ووطنية. على سبيل المثال: ببساطة في مقدور قناة الجزيرة أن تقرر بأن شباب الثورة يرفضون المبادرات والتفاوض، حتى لو كان نصف هؤلاء الشباب مع الحل السياسي، فيجري توجيه الرأي العام داخل كل الساحات في هذا الاتجاه، فيجد السياسيين أنفسهم في موقف حرج. حتى أنني صرت اشك مؤخرا بأن لقناة الجزيرة تأثير على الساحات يفوق تأثير أحزاب المشترك.

في اليمن، تصبح الأوهام حقائق ومسلمات. لكن لا تزال أمامنا فرصة للاقتناع بأننا توليفة من التونسة والمصرنة والصوملة والأفغنة والعرقنة، وشيء كثير من النموذجين السوري والليبي. لقد تحركت الاحتجاجات هنا مملوءة بسحر نموذجي مصر وتونس. وإلى جانب التقليد الحرفي للخطاب والشعارات، قمنا بمطابقة مخيلتنا وأشواقنا مع صيرورة هذين النموذجين، واحدهما لم يستغرق أكثر من 18 يوم.

يتذرع دعاة التهور والسرعة في الحسم بأن الملل بدأ يتسلل إلى نفوس المحتجين في الساحات. وهذا صحيح ومؤلم، لكن توجد دائما طريقة لمعالجة مثل هذه الأمور عبر فهم أسبابها، وبالتالي خلق التوازن النفسي المطلوب. أظن أن الملل يأتي من كون الشباب تشربوا خطابا سياسيا مضللا مفاده أن الأمور لن تكون في اليمن مختلفة عما سارت عليه الأمور في مصر وتونس. كان ثمة اعتقاد راسخ بأن العملية كلها لن تستغرق سوى بضعة أسابيع تتخللها بضع "جمع" يتم تسميتها تصاعديا، وفجأة نرفع أنظارنا إلى السماء لمشاهدة طائرة الرئاسة متجهة إلى جدة أو شرم الحديدة.

إن هذا هو السبب الكامن وراء تفاقم المزاج العنيف والسأم، وذلك الإحساس الخطير بطول المدة، ونفاد الصبر، الذي ينتهي بترجيح التفكير في الخيارات المتهورة أو حزم الأمتعة والعودة إلى البيوت.

على أننا نستطيع محاصرة النتائج السلبية هذه الظاهرة بوسائل عدة منها. على سبيل المثال، تنظيم برامج توعية سياسية مكثفة، داخل الساحات، تمزج بين الواقعية والمثالية، بين التعبئة والتثقيف، بين الحلم والإمكانية. ومثلما نؤكد فيها على أن النصر حليف الثورة حتما، علينا التشديد على حقيقة أن الحسم النهائي لن يكون إلا سياسي، وأن السيناريوهات التونسية والمصرية بعيدة المنال في اليمن، نظرا للتركيبة الاجتماعية المختلفة، والتكوين التاريخي والسياسي للبلد، وطبيعة الجيش والنظام السياسي. وتوضيح كيف أن السياسة مفاضلة بين إمكانية وإمكانية أخرى، وليست مفاضلة بين رغبة ورغبة، ولا بين حلم وحلم!

لقد كان للثورتين المصرية والتونسية تأثير مزدوج: إيجابي من ناحية أنهما مثلتا مصدر الهام، أنعش الآمال وحرك الأنفس الميتة، ودفع بكثير من القانطين والميالين للعزلة والانكفاء إلى الساحات، متقدمين بذلك على قواعد أحزاب المعارضة، التي تتربع عليها قيادات اعتقد أنها كانت تدرك تماما حجم الفوارق بين اليمن وهذين البلدين، لكنها استسلمت في الأخير لإغواء الوهم وسحر الدعاية ورغبات الشارع الجارفة والمفعمة بمشهدين ساحرين جرت أحداثهما على مرأى ومسمع من الجميع.

وإليكم الأثر السلبي للثورتين المصرية والتونسية: يتمثل هذا الأثر في كونهما صارتا نموجا ومعيارا يقاس من خلالهما كل تحرك واتجاهه ومداه الزمني. الدعاية تطغى على الواقع وتتغلب عليه وتخلق من نفسها واقعا مصطنعا. ولأن الفعل الجماهيري لا يقبل المحاججة والمنطق، فقد أخفقنا في الأخذ بيد الجماهير الغاضبة على تشكيل عواطفهم وإرادتهم بما يلائم واقع يمني أكثر تعقيدا مما يبدو عليه.

وفي هذا الصدد أقترح التالي: أولا، يستحسن أن نعيد برمجة يقينياتنا، وتصوراتنا، وتوقعاتنا، وحماستنا الثورية، على أساس أن الزمن الذي تتطلبه ثورتنا سيكون بالضرورة أطول، إذا أردنا تجنب الفخ الليبي. ثانيا، لا بد من طرح خطاب ثوري يعكس روح مختلفة يستوحي مفرداته من الخصائص المشتركة للذهنية اليمنية ونظامها الاخلاقي، خطاب يحرص على تقليص الشعارات الاستفزازية التي تستدعي ردة فعل عكسية في مجتمع لا يزال بدائي يؤمن بمعايير مختلفة للخطأ والصواب فيما يتعلق بالحياة العامة، ومثل هذه الشعارات لا تفعل أكثر من مساعدة ما تبقى من أتباع النظام على تخندقهم نتيجة للشعور بالخوف أو التهديد. (الحديث الدائم عن المحاكمات والقوائم والسوداء، والتهديد بحبس رأس النظام وعائلته، كلها مفردات تؤخر الحسم وتجهض العبور الآمن إلى المستقبل).
ثالثا، إعادة النظر في التقديرات الخاطئة للمشهد اليمني بعيدا عن التبسيط، وتقديم الأمل والطمأنينة والثقة لكل مكونات الشعب، بدلا من اللهجة المتعجرفة، الشامتة، المغرورة، الانتقامية، العدوانية.

Total time: 0.1024