وفي هذا السياق تؤكد الكرامة على ضرورة التذكير بالأوضاع اللاإنسانية التي يعيشها جميع هؤلاء المحتجزين المنسيين الذين تكتظ بهم السجون التابعة لجهاز الأمن السياسي والسجون الأمنية الأخرى، والذين يتعرضون في العادة للتعذيب أو سوء المعاملة، فيما فشلت السلطات اليمنية في تقديم أي مبررات مقنعة لاستمرار احتجازهم، وعلى وجه الخصوص أولئك الذين رفعت الكرامة بشأنهم شكاوى إلى الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي أو غيره من آليات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان.
واتخذ الرئيس اليمني قرار العفو بمناسبة احتفالات بلاده بالذكرى العشرين لإعادة تحقيق الوحدة بين الشطرين في 22 أيار/ مايو1990، مقتصراً على إطلاق سراح معتقلي الحرب في صعدة والحراك الجنوبي والصحفيين، دون بقية المحتجزين تعسفياً، ما يعتبره حقوقيون خطوة "انتقائية"، بمثابة استجابة لمطالب المعارضة الداخلية، وبالتالي يرون بأن القرار ينطوي على حسابات سياسية أكثر منه رغبة في تحسين أوضاع حقوق الإنسان التي شهدت تدهوراً مريعاً في غضون الأعوام الأخيرة الماضية..
وكانت لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة، طالبت ثلاث حكومات عربية، بينها اليمن، بالتحقيق في ما أسمته "مزاعم عديدة وذات مصداقية بأن الشرطة وسلطات السجون في البلدان الثلاثة تمارس التعذيب ضد المعتقلين بشكل منتظم"، مشيرة إلى أن هناك "مناخا من الإفلات من العقوبة لمرتكبي أعمال التعذيب في اليمن".
وعبر خبراء لجنة مناهضة التعذيب مطلع شهر مايو/ آذار الجاري، عن قلقهم تجاه حالات القتل والاختفاء القسري والتعذيب والاعتقالات التعسفية والاعتقالات إلى اجل غير مسمى من دون اتهام أو محاكمة والتي يجري تنفيذها في اليمن في إطار الحرب على ما يسمى "الإرهاب".
وقد أتيحت الفرصة أمام اليمن في 6 أيار/ مايو 2010، للرد على الملاحظات الختامية المؤقتة ذات الصلة بتقريرها الدوري الثاني، وهي الملاحظات التي كانت اعتمدتها الهيئة الأممية في 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2009، ضمن أعمال دورتها السابقة، في ظل غياب الوفد اليمني.
واعترفت وزيرة حقوق الإنسان اليمنية السيدة هدى علي عبد اللطيف البان في المداخلة التي قدمتها على رأس الوفد اليمني، أمام لجنة مناهضة التعذيب بأن أجهزة الأمن اليمنية لا تتردد في إلقاء القبض واحتجاز أقارب مطلوبين لإجبارهم على تسليم أنفسهم للسلطات، لكنها وعدت بأن تتخذ الحكومة اليمنية تدابير لوضح حد لهذه الممارسات.
وفي ملاحظاتها الختامية على التقرير الدوري الثاني لليمن، عبرت لجنة مناهضة التعذيب عن شعورها بقلق بالغ إزاء الادعاءات العديدة المعززة بعدد من اليمنيين والمصادر الدولية، من ممارسة واسعة النطاق للتعذيب وسوء معاملة المعتقلين في السجون اليمنية، والتي نادرا ما يجري التحقيق في هذه الادعاءات ومحاكمة مرتكبيها.
وفي الشأن اليمني أيضاً، عبرت اللجنة عن قلقها إزاء ما ورد في تقرير اليمن أنه يسمح "للأشخاص في الاحتجاز قبل المحاكمة أن يجتمعوا مع أقاربهم والمحامين، شريطة الحصول على إذن خطي من الهيئة / الكيان الذي أصدر أمر الاعتقال"، وكذلك في عدم وجود سجل مركزي لجميع الأشخاص المحتجزين رهن الاعتقال.
وأضافت اللجنة إن "ثمة مزيداً من القلق لانتشار أماكن الاحتجاز، بما في ذلك الأمن السياسي والأمن القومي والسجون العسكرية، فضلا عن مرافق الاحتجاز الخاصة التي يديرها زعماء القبائل، وفي غياب واضح لرقابة المدعي العام على هذه السجون ومراكز الاعتقال.
ومن بين المخاوف الخطيرة الأخرى التي ألمحت إليها لجنة مناهضة التعذيب، ما ورد في بعض التقارير عن الانتهاكات الجسيمة للاتفاقية التي ارتكبتها اليمن في سياق الحرب على "الإرهاب"، مثل القتل خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري والاعتقالات التعسفية والاحتجاز إلى أجل غير مسمى من دون تهمة أو محاكمة، والتعذيب وسوء المعاملة، وكذلك ترحيل غير المواطنين إلى بلدان قد يتعرضون فيها لخطر التعذيب أو سوء المعاملة، بالإضافة إلى اعتقال أقارب مطلوبين مفترضين، بمن فيهم الأطفال وكبار السن، كرهائن، وأحيانا لسنوات في وقت واحد، من أجل إجبار هؤلاء الأفراد على تسليم أنفسهم للشرطة.
ومن بين التوصيات، دعت اللجنة اليمن لإقامة نظام وطني لمراقبة وتفتيش جميع أماكن الاحتجاز، وضمان وصول الأطباء الشرعيين الذين تدربوا في الكشف عن آثار تعذيب إلى هذه الأماكن.
كما طالبت اليمن بأن تحظر رسميا جميع مرافق الاحتجاز التي لا تقع تحت سلطة الدولة، مع وجوب اتخاذ جميع التدابير اللازمة لمواجهة حالات الاختفاء القسري وممارسة الاعتقالات الجماعية دون أمر قضائي.