لم يشكل حديث الرئيس اليمني علي عبدالله صالح بظهوره اليوم بوجه مشوه، أي تغيير في خريطة السلطة التي لا يزال ممسكا بها بقوة. واعتبرت المعارضة ظهوره مؤشراً أنه قادرعلى توقيع المبادرة الخليجية، والهدف منه كسب المزيد من تعاطف أنصاره، ودحض الشائعات حول وفاته.
لم يشكل حديث الرئيس اليمني علي عبدالله صالح بظهوره اليوم بوجه مشوه، أي تغيير في خريطة السلطة التي لا يزال ممسكا بها بقوة، فصالح رغم وجوده خارج بلاده وبعيدا عن شعبه وفي صحة غير مستقرة إلا أنه يعرف تماما كيف يحكم بلدا تجاوزت سلطته عليه (33) عاما.
لن يستطيع أحد أن يتحدث عن ذلك، حتى وإن برره الكثيرون بأن وجود مسانديه يشكل وجودا مكررا للرئيس ذاته.
الرئيس اليمني علي عبدالله صالح في ظهورين مابين ساحة السبعين، وظهوره اليوم الخميس على شاشات التلفزيون، لم يتغير الأمر، فهو لا يزال مروضا محترفا للسلطة وإداراتها.
صالح الرئيس، ظهر اليوم بعد حالة من الغموض أحاطت بأخباره ومدى صحته، للجميع من داخل حزبه، إضافة إلى شعبه المتصارع بين قوتين طاردة له، وجاذبة أخرى. وشكل ظهوره صدمة للكثيرين، حيث ظهر بوجه اتضحت فيه معالم الحروق والأضرار بعد تفجير مسجد النهدين.
صالح الذي كان يدعو في ساحة السبعين أمام مؤيديه في "جمع" سابقة للجمعة المدمرة لمسجده بالقصر الرئاسي في الثالث من تموز/يونيو الماضي بأنه سيواجه المعارضة والمحتجين وفق الدستور، عاد اليوم في خطابه المتلفز بذات المعنى وأنه سيواجه كل ذلك بالدستور، وكأنه يعلن التحدي.
لكن ماذا عن ذراعيه اللتان كان يلوح بهما جموعه أحيانا، ويهدد بها حينا آخر؟ يداه كانتا مثقلتين بالعديد من العمليات والثقل الجراحي، وكأنه يوجه رسالة أنه باق ولن يتنازل إلا وفق "الشرعية الدستورية"، وهي العبارة الأكثر ترديدا منه خلال الفترة من آذار/مارس الماضي في كل خطبه بميدان السبعين.
الرئيس اليمني ظهر بثوب سعودي فضفاض، وشال يغطي رأسه؛ يبدو أنه يخفي الكثير من العيوب والعمليات التي تعالج شظايا الرماد والنار التي تعرض لها في جمعة "النهدين" وذهب ضحيتها عدد من حراسه ومعاونيه.
صالح جاء في خطابه المسجل والمنتظر منذ أسابيع تتداولها أشكال السلطة المختلفة، التي خف بريقها بعد مغادرة صالح للعلاج، دون حضور لشخصية رسمية في الثلاثة والثلاثين يوما الماضية. وهو الأمر الذي يرى أن صالح هو الوحيد الذي حدد وقت بث الكلمة التي يجهل حتى الآن وقت تسجيلها.
طائرة صالح الرئاسية تتواجد الآن في مطار العاصمة السعودية الرياض، منذ ثلاثة أسابيع، توقعت فيها مصادر إعلامية متواترة وغير مؤكدة أن صالح قريب من المغادرة نحو صنعاء منذ لحظة قدومها، لكن صالح في ظهوره المفاجئ والصادم اليوم يعطي نبأ جديدا بصعوبة انتقاله بوضعه الحالي.
وقال صالح من المستشفى العسكري بالعاصمة بأن هناك من فهم معنى الديمقراطية بشكل خاطئ، حيث مارسوا قطع الطرق وإثارة القلق بالعامة واضروا بالأمن، مرحبا بالشراكة في إطار الدستور والقانون القائم على التعددية السياسية، إضافة إلى حرية الرأي.
وأكد أن الشعب اليمني سيظل صامداً مواجهاً التحديات، مرحبا بالشراكة في إطار الدستور على أسس الديمقراطية، مطالبا من الجميع المشاركة بالحوار دون حاجة بممارسة "لي الذراع". مبادرا بالشكر لنائبه عبد ربه منصور هادي لجهوده في "رأب الصدع".
وقال صالح خلال خطابه الذي ابتعد فيه عن الحديث حول مآلآت الحكم أنه أجرى ثماني عمليات جراحية على إصابات بحروق وجروح أخرى، مشيرا إلى أن رئيسي مجلسي النواب والشورى ورئيس مجلس الوزراء خضعوا بدورهم لعمليات جراحية ضمن سبعة وثمانين شخصا أصيبوا وقتلوا في الهجوم على مسجد النهدين.
وتساءل صالح ما سماهم بـ"الرجال الصادقين الذين يخافون الله"، "لماذا لا يقفون مع الحوار، والوصول إلى حلول مرضية". وكأن صالح في خطبته المسجلة يعيد خطبه ذاتها التي قالها بساحة السبعين. موجها شكره للحكومة السعودية على رعايتها له ولبقية المصابين.
الظهور المتلفز لصالح يطرح تساؤلا جديدا، حول كيفية مرور ومعايشة اليمنيين والمحتجين جمعتهم غدا، وهم المعتادون على المطالبة والاحتجاج بكثافة كل فيها كل أسبوع منذ نهاية شباط/فبراير الماضي.
رجل اليمن الأول الذي رفض المبادرة الخليجية ثلاث مرات، وأعاد صياغتها وفق رؤيته كان وصل إلى العاصمة السعودية الرياض في الخامس من شهر حزيران/يونيو الماضي بعد يومين من تحامله على إصابة تعرض له مع عدد من مرافقيه عقب تفجير تعرض له مسجد الرئاسة يجهل حتى الآن مصدره.
وظهر صالح في ذات اليوم من التفجير صوتيا، موجها أصابه الاتهام إلى جماعة الأحمر، وأنها كانت تنوي إدخال اليمن في حرب أهلية باغتياله وفق قوله، رغم نفي زعيم قبيلة حاشد الشيخ صادق الأحمر لذلك.
علي صالح الزعيم المقلق للخليجيين الذين يؤمنون أن حل ثورة اليمن ليست سوى من مجلسهم، بادروا لحل الأزمة اليمنية التي ستؤثر على الخليج بحل كان مفاده انتقال السلطة بمغادرة صالح في غضون شهر، حيث ستمنحه حصانة من الملاحقة القضائية وكذلك يؤمن له خروجا آمنا من السلطة، في وقت يرى العديد من اليمنيين الثوار أن المبادرة الخليجية هي مؤامرة تسعى فيها دول المنطقة الخليجية لإفشال ثورة الشباب اليمنية.
ردود أفعال المعارضة اليمنية
قال الناطق باسم اللقاء المشترك محمد قحطان لـ إيلاف إن ظهور الرئيس علي عبدالله صالح بهذا الشكل يؤكد أن صحته تسمح له بالتوقيع على المبادرة الخليجية.
وأضاف قحطان في أول رد فعل على خطاب صالح: "يفترض الآن أن يبادر إلى سرعة التوقيع على المبادرة وأي كلام غير هذا فإنه مضيعة للوقت".
واعتبر قحطان إن "توقيت بث -الكلمة المسجلة التي بثها التلفزيون- في هذا التاريخ 7/7 فيه إساءة لأبناء الجنوب، وفيها تأكيد على التمسك بأسلوب العنف وأسلوب الحسم العسكري، بمعنى أنه يريد القول إنه حسم الأمر في عام 1994 بالقوة العسكرية فإنه سيحسمها اليوم بتلك الطريقة وسيجهض الثورة عسكريا".
ويعتبر يوم السابع من يوليو/تموز هو ذكرى انتصار قوات ما كان يسمى بـ"قوات الشرعية" التابعة لنظام علي عبدالله صالح في الشمال عام 1994، على القوات الجنوبية التي أعلنت الانفصال بقيادة الرئيس الجنوبي السابق ونائب الرئيس في دولة الوحدة علي سالم البيض.
وخلص قحطان إلى أن "هذه الثورة السلمية انطلقت والرئيس في كامل صحته وستستمر في زخمها سواءً عادت صحة الرئيس كما كانت أو ظلت ناقصة فإن الثورة ستستمر حتى تحقق أهدافها".
وقال الصحفي اليمني نبيل الصوفي رئيس تحرير موقع نيوزيمن إن "كلمة رئيس الجمهورية، سجلت مرتين، ولذا بدا التداخل فيها، فهو سجل بعضها قبل أسبوع من الآن".
تعاطف وإثبات إنه حي
من جانبه قال الكاتب السياسي عبدالحكيم هلال لـ إيلاف إن "مضمون الخطاب لم يتضمن شيئا مهما أو جديدا لاسيما فيما يتعلق بحلحلة أو تحريك حالة الجمود السياسي القائمة في البلاد منذ رحيله ".
وأضاف "إنه هذه المرة خفف من حدة اتهاماته للجهة التي نفذت عملية جامع النهدين، والتي نسبها في هذا الخطاب لما اسماها بـ"عناصر إرهابية"، الأمر الذي يمكن القول أنه يلغي أو ينفي اتهاماته السابقة التي وجهها نحو بيت "آل الأحمر" في الخطاب المسجل المنسوب له وأذيع مباشرة في يوم الحادث نفسه".
وتابع هلال : "كان من الواضح تجاهل صالح في خطابه للمبادرة الخليجية، من حيث القبول بها كحل من عدمه، ويأتي ذلك بعكس الأنباء التي تحدثت قبوله بها وأنه سيوقع عليها أثناء تواجده في الرياض".
وأشار إلى أن الرئيس "لم يتحدث عن إمكانية عودته إلى اليمن من عدمها أو حتى رغبته في ذلك، ما يترك الأمر كما هو مفتوحا أمام التكهنات المختلفة".
واعتبر هلال إن "الظهور وبهذه الصورة المأساوية ربما لم يكن هدفه أكثر من أمرين اثنين، الأول: محاولة لكسب المزيد من تعاطف أنصاره، وبعض ما يسمون بـ"الأغلبية الصامتة". الأمر الآخر: إثبات أنه على قيد الحياة، خصوصاً مع تردد شائعات تشكك بأن الرجل ما يزال على قيد الحياة".
ورأى إن هذا الظهور "لا يلغي حقيقة أنه ما يزال في وضع خطر، وغير صالح للحكم.
وختم عبدالحكيم هلال حديثه بأن صالح لم يستطع أن يقاوم ولعه بالشاشة، فقرر الظهور، وإن حتى بهذا المظهر المأساوي والمؤلم.
قتلى وجرحى بسبب ظهور صالح
إلى ذلك قتل شخص يدعى عبدالله صالح قصيلة وأصيب 38 شخصا بجروح بينها 6 حالات خطرة في ساحة التغيير بصنعاء جراء تساقط رصاص أنصار صالح على الساحة من عدة جهات.
وقال سكرتير المستشفى الميداني لـ إيلاف إن الشخص الذي قتل أصيب بعيار ناري مباشر في رقبته بالقرب من موقع مجزرة الكرامة.
وأضاف إن الجرحى الذين هم بحالة خطرة سقطوا جراء إلقاء قنبلة على مدخل ساحة التغيير من جهة شارع الحرية أمام فرع شركة إم تي إن للهاتف النقال، إضافة إلى مصابين بطلقات طائشة من رصاص احتفالات أنصار صالح بظهوره.
كما قتل شخصين وأصيب عدد آخر برصاص أنصار الرئيس اليمني أثناء محاولتهم اقتحام ساحة خليج الحرية بمحافظة إب جنوب العاصمة صنعاء.
وخرج مسلحون من أنصاره إلى شوارع المدينة وأطلقوا النيران في الهواء عقب بث التلفزيون كلمته ثم توجهوا إلى ساحة "خليج الحرية" وأطلقوا النار على المعتصمين من المدخل الشرقي ما أدى إلى مقتل شابين وأصابة قرابة 15 آخرين بجروح مختلفة.
وشهدت العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات إطلاقا كثيفا للنار حتى وقت متأخر من الليل إضافة إلى الألعاب النارية حيث فرغت الشوارع من المارة بسبب كثرة الرصاص المتوهج في الأجواء ومن جميع أنواع الأسلحة المتوسطة والخفيفة والثقيلة.