اخبار الساعة - كتب / صدام الحريبي
ظلت "المملكة العربية السعودية" تمارس صمتا مريبا منذ فترة حيال الأحداث في المنطقة والعالم ، في حين كانت "تركيا" تصارع كبرى الدول الاستعمارية التي تعمل على خراب "الشرق الأوسط" أو السيطرة عليه واستعماره ، وقد كانت "تركيا" تتعامل مع هذه الدول _رغم قوة هذه الدول_ من مصدر قوة وثقة ترعب الطرف الآخر الذي يريد أن يعرف سبب تعامل الأتراك بهذه الحدة والثقة بالنفس ..
وفي الوقت الذي كانت فيه "أنقرة" تضرب الروس والعالم الدموي الاستعماري في وجوههم من خلال ضرباتها السياسية والعسكرية التي كان أكبرها إسقاط الطائرة الروسية ، كانت "السعودية" تستكمل إجراءات التنسيق لتشكيل تحالف إسلامي عسكري لتوجيه ضربة قاصمة ﻷعداء السلام في "الشرق الأوسط" والمنطقة ..
ومن هذا المنطلق لا أستبعد أن دخول الأتراك في حرب التصريحات مع الروس وجر كبرى الدول إلى هذا المربع وإشغالها في إسقاط الطائرة الروسية هو ﻹلهائهم وأنظمتهم واستخباراتهم عن التنسيق الذي تقوم به "السعودية" لتشكيل التحالف الإسلامي ، ﻷنها إن كانت علمت إحدى هذه الدول الاستعمارية بهذا التنسيق قبل إعلانه لاتحدت من أجل إفشاله بأي طريقة كانت ، حتى وإن سالت الدماء نظرا ﻷهمية إفشاله من وجهة نظر الدمويين في العالم ، وفي مقدمتهم الحكام المجهولين لهذه الدول والعالم ..
تشكل التحالف الإسلامي العسكري دون دراية "أمريكا" أو غيرها وهذا ما يؤكده مسؤول أمريكي مقرب من "البيت الأبيض" الذي قال بأن التحالف تشكل دون دراية الأمريكيين وقال بأن هذا يدل على ضعف سياسة "واشنطن" في "الشرق الأوسط" في مضمون حديثه ..
أما الإعلان عن التحالف فقد أفقد العالم الدموي أعصابه ، وأذاقهم الجنون والمرارة التي أذاقوا جزءاً منها الشعوب العربية والإسلامية ، ومن وجهة نظري بأن تشكيل التحالف والإعلان عنه هو رسالة متروكة بجانبها قنبلة إسلامية الصنع ومفاد هذه الرسالة هو الآتي : إلى أمريكا وإسرائيل وروسيا ودول الاستعمار ومن يقف وراء هذه الدول في العالم ويحركها أما بعد :
قفوا عند حدكم ، واتركوا الإرهاب الذي دخلتم بلداننا العربية والإسلامية تحت مبرر محاربته ، من الآن نحن من سيحارب هذا الإرهاب الذي صنعتموه بأيديكم ليكون مبررا لاحتلالكم أراضينا وثرواتنا ، أنتم الإرهاب وأنتم من تدعموه وأنتم من أوجدتم فكرته ، أنتم لا غيركم من تدعمون كل الأنظمة والمنظمات الإهاربية ، ونحن نعرف ذلكم منذ الأزل ، لكننا لم نكن نمتلك القوة لإيقافكم عند حدكم ، بسبب أن معظم الأنظمة كانت منبطحة لكم بسبب ابتزازكم لها وامتلاككم نقاط ضغف كثيرة عليها ، أما اليوم فقد تغيرت معظم تلكم الأنظمة واتفقت بأنكم أنتم الإرهاب ، فعلى "روسيا" أن ترفع عصاها من "سوريا" العربية الإسلامية وترحل وإلا كسرناها ، فالإرهاب الذي تبرر به "روسيا" وجودها نحن من سنحاربه و"بشار" الذي تبرر وجودها أيضاً بدعوته قد صار إرهابيا وقاتلا لشعبه ، وعلى أمريكا وبريطانيا وكل الدول الغربية والاستعمارية أن تبتعد عن اليمن والعراق وليبيا وكل الدول العربية والإسلامية ونحن من سيتكفل بالحفاظ عليها ، أما "إيران" فقد تركنا لها خيار الانظمام إلى التحالف ، نرجوا أن تكونوا قد استوعبتم الرسالة ، وإلا فنحن قد صرنا ندا لكم ، كما أننا نعرف بأن هناك في الحلف الجديد من الدول من هي متعاطفة معكم ، لكن لا تركنوا إليها كثيراً فنحن سنروضها ، ما لم فسنقص أجنحتها بلطف وحزم ، فليكن من الأفضل أن تفهموا الرسالة ، وإذا لم تفهموها فقد امتلكنا القوة الاقتصادية والعسكرية والسياسية وسنضربكم بها في مقتل ، فتركيا وباكستان وماليزيا وغيرها من الدول لم تعد تحت سيطرتكم ، ورغم ركونكم بعض الشيء على افتقادنا للسلاح النووي إلا أننا قد رتبنا لكل شيء فلن ننبطح ونرضخ لكم بعد الآن ..
ولذلك يبدو بأن هذه الدول قد قرأت هذه الرسالة وفهمتها ، ويبدو بأن "إيران" قد رفضت الدخول في هذا الحلف الذي انظمت إليه كل الدول العربية والإسلامية باستثناء إيران الإسلامية وحلفاءها في الدول العربية حيث يصنف عدم الانظمام في هذا الحلف الوقوف إلى جانب خصومه وهي (روسيا وأمريكا واسرائيل وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وووووو ) وكل دول العالم الدموي والاستعماري ، وهذا يؤكد خذلان "إيران" لهذا التحالف بسبب خلافاتها المذهبية والطائفية مع النظام السعودي الذي أتوقع بأنه سيبدي استعداده للتقارب معها عكس النظام السعودي السابق الذي كان يعادي "إيران" بأوامر من "الولايات المتحدة" وذلك من أجل استمرار العداوة الطائفية والمذهبية بين المسلمين ويشكل ذلك إحراجا وتشويها لمن يدعون الإسلام وهذا ما تريده "أمريكا" ودول الاستعمار ..
المهم أن تشكيل التحالف الإسلامي العسكري أربك دول التحالف الدموي الاستعماري في العالم ووجه لهم صفعة ورجة مزلزلة ، إلا أن الاستعماريين في العالم ظهروا بمظهر المرحب بهذا التحالف رغم حقدهم عليه وتمنيهم زواله وسحق كل من فيه ، إلا أن هناك أمر جعلهم لا يظهرون سوء نواياهم من هذا الحلف وهو محاربة الإعلام الإيراني لهذا الحلف الإسلامي ووصفه بالتحالف السعودي الذي تديره "أمريكا" في حين أن "أمريكا" تحمل الحقد المرعب على هذا الحلف الذي سيتسبب في دمارها إذا حاربته فهو يرافقه الإيمان بدين سماوي قوي سيكون له قبول مخيف إذا استطاعت هذه الدول إظهاره على حقيقته بعد أن تخلع عنه رداء الإرهاب الذي حاول الاستعماريون إلباسه إياه ..
وبذلك فقد اندفعت "إيران" لمواجهة "تركيا" صراحة من خلال التصريحات السياسية وكذلك إثارة النظام العراقي الموالي ل "إيران" موضوع خروج القوات التركية المتواجدة في "الموصل" ب"العراق" والتي دخلت في العام الماضي 2014 بطلب من رئيس الوزراء "العبادي" ، وهذا ما رفضه النظام التركي وبقوة ﻷسباب عدة وهي :
من أجل حماية الحدود التركية العراقية ، وكذلك محاولة حماية الحدود العراقية السعودية ، خصوصاً بعد دخول ما يقارب نصف مليون إيراني إلى "العراق" بحجة زيارة مراقد آل البيت في "العراق" والذي يشك النظامين التركي والسعودي في أن يتحول هؤلاء الزوار إلى مقاتلين وبذلك تكون "السعودية" محاصرة وستضعف "تركيا" بنفس الوقت ، ورغم قلة القوات التركية المتواجدة في العراق ، إلا أنها كافية لأن تكون قوات استخباراتية على أقل تقدير وهذا ما يزيد "إيران" إصرارا على خروجها من خلال الضغط على النظام العراقي الموالي لها ، وهذا أبرز ما دفع "السعودية" لهذا التنسيق ..
أما بالنسبة للتحالف الاسلامي الجديد فقد امتلك القوة العسكرية التي تمتلك السلاح النووي (باكستان) رغم ركون البعض على تراجعها بسبب برلمانها الذي يوالي أكثر أعضائه إيران ، والقوة الاقتصادية (ماليزيا) و (السعودية) ، والقوة السياسية (تركيا) إلى جانب امتلاك "تركيا" كذلك للقوة الاقتصادية والعسكرية كذلك ..
ومما لا شك فيه بأن هناك دولا غير جادة في هذا التحالف مثل "مصر" الذي قال رئيسها "عبدالفتاح السي سي" بأنه يرحب بأي تحالف مماثل للتحالف الإسلامي من شأنه محاربة الإرهاب وهذا التصريح هو عبارة عن رسالة مفادها : أن مصر السي سي لم تنظم للتحالف الإسلامي بسبب أنه إسلامي ، إنما انظمت إليه كونه سيحارب الإرهاب ، ولكي تثبت "مصر السي سي" بأنها صادقة ومخلصة لدول الاستكبار فقد أكد السي سي بأنه يرحب بأي تحالف من شأنه محاربة الإرهاب أيا كانت وجهته وهذا ما يدعم فكرة أن السي سي لم ينظم لتحالف إسلامي من شأنه الوقوف ضد دول الاستعمار التي تضطهد دول الإسلام ، بل انظم لتحالف يحارب الإرهاب الذي لا تعرف مصر السي سي عنه سوى أنه جماعة الإخوان في مصر والعالم الذي انقلب على الرئيس الذي مثل حزب محسوب عليها في الانتخابات الرئاسية ، ومثل "مصر" هي "الإمارات" وغيرها وهذا ما أستبعد أن تكون الدول التي على رأس التحالف قد أهملت أن تضع هذه الأمور في حسبانها ..
أما "روسيا" التي لم تتعافى بعد من الصفعة التركية والصدمة التي حلت بها ، فهي تعيش حالة واضحة من التخبط وعدم الاستقرار ، فحينا ينفي وزير الخارجية الروسي اتهام "روسيا" ل "تركيا" بالتعامل مع داعش ، وحينا يطلب نائب وزير الخارجية الروسي تعويضاً من "أنقرة" وهذا الشرط رفضه تماماً المتحدث باسم الخارجية التركية ، وحينا آخر يظهر الرئيس الروسي "بوتين" ليحدد عشر نقاط تحدد تعامله من "تركيا" ويهدد "أنقرة" ويقول : فليجرب الأتراك أن يحلقوا بطائراتهم في الأجواء السورية ، (كالأحمق الذي يضربه أحدهم في الشارع ويهرب إلى بيت أحد أصحابه ولا يهرب إلى بيته ويقول : فليأت من ضربني إلى منزل صديقي إن كان شجاعاً ، لكي يلحق الضرر بمنزل صديقه ويبقى منزله بعيداً عن الضرر ) ، لكن "تركيا" ومن خلال متابعة الكثيرين لتعاملها فإنها تذهب إلى منزل من جلب المشاكل نفسه كي يعلم كم هو مؤلم محاولة العمل على خراب بيوت الآخرين ، ولا تذهب إلى منازل أصدقائهم إلى إذا كان قد أتى الضرر من هذا المنزل ..
وكذلك في العشر النقاط التي وضعها "بوتين" قال بأن النظام التركي يسعي إلى أسلمة "تركيا" وأضاف وقال بأن هذا ما يتألم بسببه "كمال الدين أتاتورك" مؤسس العلمانية في "تركيا" في قبره وهو ينعكس سلباً على "روسيا" وهو في الواقع بأن "روسيا" ودول الاستعمار العالمي هي من تتألم من قضية أسلمة "تركيا" وليس "أتاتورك" الذي قد مات منذ زمن ، وكذلك قوله بأن الشعب التركي شريك لكن لا يمكن الاستمرار في الشراكة في ظل السلطة التركية الحالية ، وهذا ما يؤكد أن "روسيا" ومن خلفها يبغضون هذا النظام ذو الخلفية الإسلامية ، في حين أنهم وبتعاون من الحكام المجهولين للعالم يحاولون وبقوة التخلص من النظام التركي الحالي الذي أسس فكرة الاستقلال العربي الإسلامي وعدم الانبطاح للدول الدموية ..
الخلاصة : أن دول الاستعمار تعمل ليل نهار على التخلص من نظام "أردوغان" وكل من يتحالف معه ، وأن "أردوغان" وجه لهم مفاجئة وصفعة لن يفيقوا منها بسهولة وهي التحالف الإسلامي الذي سمينعهم من التحرك بسهولة في "الشرق الأوسط" والبعث به كما في السابق ، ومع ذلك هم ما زالوا يستميتون من أجل إدخال "تركيا" في المتاهات والحرب وعلى "تركيا" وحلفائها أن يكونوا أكثر حذراً من السابق فهي عدوهم المشترك الأول ، ومن وجهتي فإن مفاجئة الإعلان عن تحالف إسلامي هي مفاجئة وصفعة صغيرة جداً ، فهناك مفاجئة أخرى أكبر جداً تعمل من أجلها "تركيا" ومن الممكن أن تتسبب في إفقاد الدول المستعمرة كل أسباب تبجحها وتجعلها تبتعد عن ماليس لها فيه وتلزم حدودها ، أو على أقل تقدير تكون القوة للتحالف الجديد إذا أصرت دول الشر على الحرب التي تصر عليها الدول الدموية ..
حمى الله كل أوطان المسلمين وكل إنسان يبتعد عن الشر ..