اخبار الساعة - رياض عبد العزيز صريم
أبي برغم بساطته وثقافته البسيطة إلا أنه مركز رئيسي للعطاء والتفاؤل والجدية والتميز .. حاولت جاهداً لإدخاله في دائرة الأصدقاء حتى تكون استفادتي منه أكثر ليصبح الآن هو أبي ومعلمي وصديقي ورفيقي وكتابي وقلمي الذي أكتب به دوماً .. هو سلاحي الوحيد وملاذي الأخير بعد الله حين تنقض علي الدنيا بأمورها وتثقل كاهلي .. يمدني بالنصائح ويمنحني التفاؤل بالوطن ..
الوطن الذي لم أعرفه سوى على أغلفة الكتب في مرحلة الابتدائية .. الوطن الذي لم أدركه إلا مع الثورة .. الوطن الذي لم أعرفه فعلاً إلا من والدي الذي كان يقول لي الله .. ثم الوطن .. ثم أنت يا ولدي .. كن كما تريد أنت وتابع حياتك كما تريد وسير نحو ما تريد في إطار الخير والعمل السوي .. حاول أن تكون الأفضل ، أجمع نفسك من جديد واصنع مستقبلك بيديك وصارع الظروف والأيام والتاريخ والمعوقات حتى تكون أنت وطن بحد ذاتك ..
يا الله كم هو والدي بذلك الفضاء الرحب من العطاء والرقي والتميز .. تحاملت عليه كثيراً حين كنت صغيراً لأدرك بأنه أعد أبناً ليكون له وطن .. أعد جيلاً بداخلي كي أنشر تفاصيل حكايات وطنية رائعة .. أبي الوطن الأكثر فرحاً بي والأكثر فخراً بي والأروع بتفاصيل حكاياته ومغامراته وتاريخه النبيل ..
لقد أدركت فعلاً بأنه وطني الوحيد وبأنه القائد الذي استطاع أن يدربني على ظروف الحياة وقسوتها .. وهو الوحيد الذي تحملني وصبر على تقصيري نحوه ، وسار بي نحو الأفق لأكون كما أريد أنا .. ولأصنع لنفسي نافذة للعيش .. أبي ذلك الوطن الذي عاش وحيداً يكابد الوقت ويقاتل الصعوبات حين تواجهني ، ويشرح لي تفاصيل الحكاية حين تتوه مني ..
لم أعد أبحث عن شيء سوى الحصول على وقت لأسامره وأنقب في ماضيه عن معاناته ونضاله وكفاحه كي أستمد قوتي منه وأسير على دربه .. فكلما ضاقت بي الدنيا دعيت الله وعدت إلى أبي أحاوره وأسامره واشكيه ما بي ليجود علي بقصصه الرائعة ونصائحه الجميلة ..
أما والدتي حفظها الله ورعاها وأمد في عمرها ، حين تراها تجد فيها المرأة الريفية البسيطة خرجت من الريف تحمل في داخلها الكثير من الأمل والألم ، تلك المرأة الرائعة بقلبها النقي تصارع الجهل الذي يخيم عليها كي تكون أماً تفخر بها الأجيال .. تحاول أن تجعلني الأكثر فرحاً وسعادة ، تمدني بنصائحها الجميلة المصحوبة بالأمثلة الشعبية الرائعة التي تحفظها عن أسلافها ..
أمي التي سعت كي لا أقبع في الجهل والأمية التي تعاني منها ، والتي لم تقوى على التغلب عليها .. ما زالت هي تلك النسمة الرقيقة التي أتنفس منها الأمل حين أتضور حزناً ووجعاً ، أمي فرحي الكبير وصانعة علمي الوحيدة فهي من سهرت لكي أتعلم أكثر ممن علموني في المدارس والجامعة ، وهي من دفعتني نحو الخير والسير ببساطة وفرح ..
أمي تلك المرأة الأمية التي تجهل الكثير من التطورات العلمية والتكنولوجية كانت هي الرائدة الأولى في تعليمي وتحفيزي لأكون أفضل .. هي التاريخ الوحيد الذي أمدني بالتقدم والسير بخطى واثقة نحو المستقبل ..
لقد كان والداي حفظهما الله في كل الظروف والحالات والأحوال يتجاهلون أي شيء كي يتذكروني ويسعون لإسعادي ، لقد كانا ثورة بحد ذاتها ضد الظروف والمعاناة التي رافقتنا كثيراً ، لم يكونا مجرد أبوين بل كانا أخوين وصديقين وزميلين رائعين زرعوا بداخلي الكثير من الحب والأمل والتفاؤل وحب الوطن الذي لم أدرك معناه إلا في الفترة الراهنة ..
كل عام وأنت بكل الخير أبي العزيز .. وكل عام وأنتِ بكل الخير أمي العزيزة .. شهركما مبارك إن شاء الله .. أمد الله في عمركما وحفظكما وطناً رائعاً وتاريخاً مميزاً .. إنه لأقل شيء أستطيع أن أقوم به هو أن أفخر بكما وأن أكتب لكما لأنكما من تستحقا أن أكتب عليهما أكثر من أي شيء أخر .. دمتم ذخراً لي ولهذا الوطن الرائع ..
* صحفي وناشط حقوقي