اخبار الساعة
"أمريكا تعبث بالأمن القومي العربي والإسلامي" حقيقة حذر منها مراقبون استنادا إلى السياسة الأمريكية بمنطقة الخليج العربي والتي تستهدف تقليم أظافر أهم ركيزتين للأمن الإقليمي السعودية وتركيا، بتوجيه عدة طعنات من الخلف بلغت حد خيانة الحلفاء، بتعمد عزل وتهميش دور الدولتين اللتين تخوضان معركة تكسير العظم في سوريا وعدة بؤر ساخنة، مما أوجد شراكات استراتيجية جديدة عربية وإقليمية ربما تخلق ميزان قوى جديد لم تتشكل بعد ملامحه ومدى قدرته على مقاومة السيناريوهات الأمريكية السوداء لدول المنطقة.
أمريكا والحروب وبيع السلاح
قال مولاي علي الأمغاري -باحث في قضايا العالم العربي والإسلامي ومتخصص في الحركات الإسلامية وقضايا الإرهاب- أنه ليس في عالم السياسة أصدقاء وحلفاء دائمين، ولا أعداء دائمين، إنما المصالح ثم المصالح ثم المصالح، وتعد إدارة أوباما من الأكثر الإدارات الأمريكية تطبيقا لهذه القاعدة السياسة، ومن أدلة ذلك، استغلالها لأزمات العالم العربي لتكون أكثر إدارة أمريكية تبيع السلاح للعرب، حتى أكثر من إدارة بوش الابن وباقي الإدارات التي خاضت حروب في ولايتها.
كشف "مولاي" في مقال له بعنوان "تركيا والسعودية والمغرب والطعنات الأمريكية" نشر بموقع "ترك برس" في 2 مايو 2016 أن "تركيا والسعودية والمملكة المغربية من أبرز الدول التي تعرضت لهذه القاعدة السياسية في عهد أوباما، فالدول الثالث تعرضت لخذلان وطعن أمريكا لها من خلف، بشكل صدم هذه الدول، وجعلها تتحرك بسرعة لتوسيع دائرة الحلفاء بداية في ما بينهم، ثم مع باقي الدول الكبرى والغير الكبرى من أجل حفظ المصالح الوطنية والقومية."
واشنطن تطعن الرياض
عن السعودية يقول "مولاي" أنه لا شك أن هوة الخلاف بين السعودية وأمريكا اتسعت خلال السنتين الأخيرتين من ولاية الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ففي وقت تُصر السعودية على ضرورة تسليح المعارضة السورية، تمنع الولايات المتحدة الأمريكية الأمر، بالإضافة إلى الخلاف حول الاتفاق النووي الأمريكي- الغربي مع الإيراني، والذي تدافع عنه إدارة أوباما، والتي تعتبره السعودية تراجع عن التزامات التحالف الاستراتيجي السعودي الأمريكي، والنقطة التي أفاضت الكأس التقرير التي تعمل إدارة أوباما على إخراجه، والذي يتعلق بأحداث 11 من سبتمبر، الذي يشير إلى السعودية، وإمكانية مطالبة ضحايا الأحداث بتعويضات من المملكة.
شراكات استراتيجية جديدة
تعد هم نتائج الطعنة الأمريكية للرياض بحسب "مولاي" أنه بعد قمة كامب ديفيد الباردة والتي لم ترضي دول الخليج ولم تحقق مطالبهم، سارعت المملكة بالبحث عن تحالفات وشراكات استراتيجية جديدة أو تجديد وتقوية أخرى قديمة، من أجل الحفاظ على أمن الخليج ومصالحه، أمام جنون حكام طهران وعبثهم بدول المنطقة ابتداء من العراق وسوريا واليمن ولبنان، بدوره قال الأمير تركي الفيصل الرئيس السابق للمخابرات السعودية، مؤكدا صعوبة عودة العلاقات السعودية الأمريكية إلى سابق عهدها:(الأيام الخوالي بين السعودية والولايات المتحدة الأمريكية لن تعود.)
ودلل "مولاي" بأن هذا بدى واضحا في القمة الخليجية- الأميركية الأخيرة بالرياض، وتزعم المملكة لتحالف عربي لاسترجاع الشرعية باليمن، ورعاية تحالف إسلامي موسع من أجل محاربة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية أمنياً، وعسكرياً، وسياسياً، واجتماعياً، وثقافياً، وتعليميّاً، بالإضافة إلى تأسيس المجلس التعاون الاستراتيجي السعودي التركي، والذي أدخل العلاقات التركية- السعودية إلى ساحات العمل الاستراتيجي، كذلك الشراكة الاستراتجية بين مجلس دول التعاون الخليجي والمملكة المغربية والتي كانت بدايتها، القمة الخليجية- المغربية.
ومن ثم برأيه فإن طعنات أمريكا لم تقتل المطعونين: كما يقال في المثل الشعبي المغربي "السم الذي لم يقتل، يُسمن صاحبه أي يعطيه مناعة وصحة وقوة".
العبث بالأمن القومي العربي الإسلامي
وأوضح "مولاي" أنه "بسبب الانكفاء الأميركي والتراجع عن لعب دور الزعامة التقليدي وإدماج إيران بالمجتمع الدولي، فرض على هذه الدول، مسؤولية مضاعفة لتشكل تحالف عسكري واستراتيجي إقليمي هدفه فرض "توزان قوى" لمنع العابثين بالأمن القومي العربي والإسلامي، ومنع استمرار الإطاحة بالأنظمة العربي المستقرة وتمزيق الأوطان الإسلامية لحساب الكيان الصهيوني المحتل."
أمريكا تعصف بمصالح تركيا العليا
يرى "مولاي" أن "تركيا كانت أول المطعونين، فأمريكا رغم اعتبارها تركيا حليفا استراتيجيا بالمنطقة، إلا أنه بعدة ملفات لم تراعي فيها أمريكا تحالفها مع تركيا، بداية من تخاذلها في حل الأزمة السورية ومنعها السلاح النوعي عن المعارضة المعتدلة، والصمت عن جرائم نظام البشار المجرم، وتفاهماتها مع الروس والتي في أغلبها ضد المصالح التركية، ثم الدعم غير المباشر لـ"حزب العمال الكردستاني" المصنف أمريكيا "منظمة إرهابية"، عبر دعم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بالشمال السوري.
تقليم أظافر تركيا والسعودية..كيف
بدوره يرى الكاتب والمحلل السياسي، حسين عبد العزيز، أن الولايات المتحدة الأمريكية تحاول "تقليم أظافر" تركيا والسعودية في سوريا أكثر مما تريد روسيا، مشيرًا أن "لواشنطن مصلحة في إضعاف جميع فصائل المعارضة الإسلامية، وليس فقط جبهة النصرة المدرجة في قوائم الإرهاب وإنما أيضا "أحرار الشام" وبعض فصائل "الجيش الحر"، كي تلتزم بشروط الهدنة من جهة ولإضعاف علاقتها مع جبهة النصرة من جهة ثانية".
جاء ذلك في مقال له بعنوان "حلب وتقاطع المصالح الإقليمية والدولية"، نشرته "الجزيرة نت"، أشار فيه إلى أهمية محافظة حلب وخصوصيتها في معادلة الصراع العسكري، فهي أكبر محافظة من حيث مساحات القتال أولا، ومن حيث الكثافة الديموغرافية ثانيا، ومن حيث التنوع الإثني والطائفي ثالثا، ومن حيث كثرة القوى المقاتلة رابعا.
ونبه عبد العزيز إلى أن "الهدف الأميركي يكمن في تحويل تركيا إلى لاعب خلفي وليس أماميا في معادلة الصراع الميدانية داخل سوريا، ولا بد من إضعاف الدور التركي في حلب تحديدا قبيل الانطلاق نحو معركة الرقة، حيث تفضل واشنطن محالفة الأكراد في حلب والعشائر العربية داخل محافظة الرقة، وليس تركيا وفصائل المعارضة في عملية تحرير الرقة من تنظيم الدولة".
عن السيناريو الروسي الخبيث والذي يجري بتواطؤ أمريكي يحذر الكاتب من أنه :"يدرك الروس جيدا أن رفع وتيرة الحرب لن تدفع المعارضة السورية ومن ورائها الرياض وأنقرة إلى الهرولة نحو القبول بشروط النظام وسوريا، بل تعتقد روسيا -وهذا صحيح- أن حدة العنف ستزيد من تعنت المعارضة وداعميها، وهذا ما تطمح إليه موسكو مع اقتراب الجولة المقبلة من جنيف، من أجل إبقاء المعارضة على مواقفها وعدم المشاركة في الجولة المقبلة، وترك طاولة الحوار مفتوحة للأطراف الأخرى المرفوضة من قبل الرياض وأنقرة".
تهميش وعزل الدور السعودي التركي
بينما اعتبر مراقبون تأسيس الرياض وأنقرة لشراكات استراتيجية جديدة عربية إسلامية بشكل متصاعد لمواجهة السياسة الأمريكية، يرى خبراء أن تهميش دورهم ومحاولة عزلهم مسألة قائمة أيضا حيث رصد د.باسل الحاج جاسم -الكاتب والإعلامي السوري أنه على الرغم من أن خسارة مدينة حلب، لصالح التحالف الروسي الإيراني الداعم لنظام الأسد، تعتبر تحديا بالغ الأهمية بالنسبة لجميع الأطراف المتشابكة في الملف السوري، إلا أنه حتى اليوم، لا يبدو واضحا، أي تحركات لدى التحالف التركي السعودي القطري، الداعم للمعارضة السورية المعتدلة، لمنع أو عرقلة سيناريو كهذا.
وأضاف في مقاله بعنوان "حلب تضع الحلفاء والأعداء على مفترق طرق" في 3 مايو 2016 "تراجعت الخيارات أمام تركيا للتحرك بمفردها، في الداخل السوري، وباتت محدودة، كان واضحا منذ البداية أن المعارضة السورية المعتدلة، لن تستفيد من الهدنة التي جاءت بمبادرة روسية، على عكس القوى التي تدعمها روسيا، وحققت تقدمًا واسعًا أخيرًا، والشيء الوحيد الذي كان يمكن أن تحققه المعارضة السورية من الهدنة، هو إعادة توحيد صفوفها(وفي هذا الشق قد تقع مسؤولية أيضا على الأطراف الخارجية الداعمة لها)، فمن دون ذلك ستبقى ورقة خاسرة لا يمكن لأحد أن يعول عليها مستقبلًا، وستعطى الفرصة من جديد للمجموعات الانفصالية لتملأ الفراغ.
واللافت برأيه أن "واشنطن التي عول كثيرون على موقفها ضد الأسد، هي من أعاق انشاء المنطقة الآمنة وليس موسكو (قبل تدخلها العسكري في سوريا)، وتحت حجج عديدة، حتى أصبحت حلب اليوم ميدانًا لمعركة كسر عظم، ليس بين الطرفين السوريين المتصارعين فحسب، بل بين محورين تركي-سعودي و روسي- إيراني، غير أن المتضرر الوحيد في هذه المعادلة هم سكان المدينة."
المصدر : وكالات