أوصى تقرير لمركز الدراسات الاستراتيجية التابع للجامعة الأردنية، بإعادة التموضع السياسي للأردن بما ينسجم مع التطورات والتحديات الدولية والإقليمية والمحلية المتشابكة التي وصفها بأنها تتسم بحالة من عدم اليقين يواجهها صناع القرار.وأوضح التقرير أنّ هنالك دورًا متناميًا لروسيا، وصعودًا للنفوذ الإيراني وتحولاً بالسياسة الأمريكية، ما يشمل العراق وسوريا ولبنان، وتهميشًا وتهشّمًا في النظام الرسمي العربي.
إيران
وفيما يتعلق بالعلاقة مع إيران، دعا التقرير الذي بحث السياسات العامة المطروحة على الأردن للعام 2017 إلى إعادة المعادلة مع طهران باعتبارها قد تغيرت.
وتفصيلًا، اعتبر التقرير أنه بالرغم من التحسن الطفيف، الذي شهدته علاقة الأردن بإيران في السنوات الأخيرة، إلاّ أنّ الأردن عاد وسحب سفيره من طهران، احتجاجًا على سياسات إيران في المنطقة، وارتبط القرار الأردني، إضافة إلى ما سبق، بحساب التحالف الأردني- السعودي.
وأشار إلى أن المعادلة تغيرت الآن، والتفكير الأردني في الخروج من الأزمة الاقتصادية وتحسين العلاقة مع العراق، كما أنّ بقاء النظام السوري ونهاية دولة “داعش” في العراق، والنفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة، كل ذلك يفرض على الأردن إعادة التفكير في “معادلة” العلاقة مع طهران.
وأكد أنّ الأردن -على الجهة المقابلة- لا يستطيع الانفكاك عن علاقاته وتحالفاته العربية، وبخاصة مع السعودية، ما يجعل من “تجسير الحوار” بين العرب وإيران، أحد المفاهيم التي يمكن أن تخدم “الاستدارة” الأردنية المطلوبة بهدوء وبذكاء تجاه العلاقات مع إيران، وذلك عبر فتح قنوات خلفية أو علنية، لمحاولة استكشاف الأرض المشتركة والمصالح المتداخلة بين الطرفين، وإمكانية فض الاشتباك بين الأبعاد الطائفية والسياسية في الحالة الإقليمية.
وقال التقرير: “ليس من المتوقع أن ينجح الحوار الإيراني- العربي، لكن أردنيًا فإنّ ذلك سيساعد على الانزياح خطوات نحو المنتصف، ودور الوسيط في العلاقات العربية – الإيرانية، من دون أن يؤثر ذلك في العلاقات الأردنية – الخليجية التي تمثّل هي الأخرى مصالح حيوية للأردن، ولأمنه القومي”.
لكن التقرير عاد واستدرك بالقول، إن “هناك تحفّظا من قبل بعض الخبراء على الانفتاح نحو إيران، ويرونه محفوفًا بالمخاطر، وبخاصة في ترسيم العلاقات الأردنية – الخليجية، لذلك يدعون إلى أن يكون انفتاحًا مشروطًا بالعلاقات الأردنية – العربية، ومدروسًا وحذرًا”.
السعودية
ووفقًا للتقرير، “يرى الخبراء أنّ السعودية اليوم مختلفة عما سبق، هي «سعودية جديدة» في سياساتها الخارجية والداخلية، إذ اقتحمت الصراعات الإقليمية بصورة أكبر مما سبق، وأكثر وضوحًا، وفي الداخل تعاني من أزمة مالية غير مسبوقة، وفي علاقتها المتوترة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وفي أزمتها مع إيران، وفي المشكلة اليمنية التي استنزفت الميزانية السعودية”.
وأكد أنه “في ضوء العلاقة مع الأردن، فمن الواضح أنّ السعودية ليست مستعدة أو قادرة في الاستمرار بسياسات المساعدات والمنح، كما كانت عليه الحال في العقود السابقة، إذ شكّلت المملكة السعودية داعمًا دائمًا للأردن، ومن غير المفيد رفع سقف التوقعات لما يمكن أن ينجم عن صندوق الاستثمار السعودي- الأردني، لذلك من الضروري التفكير في صيغة جديدة للعلاقة، التي تقوم بوضوح على لغة المصالح المتبادلة بين الدولتين، وهي مصالح حيوية وكبيرة، لكن من الضروري ترجمتها بمفاهيم أكثر وضوحًا وتعبيرًا عما تتوقعه كلتا الدولتين من الأخرى”.
وأشار “إلى أن السعودية ما تزال في مرحلة انتقالية نتيجة المخاضات الإقليمية والتحولات الاقتصادية الراهنة، ولكن من الأهمية التأكيد على التعاون الأمني والاستراتيجي بين الدولتين، والتفكير في حماية المصالح الاقتصادية الأردنية وبخاصة العمالة في السعودية والخليج، في ضوء الأزمة المالية المتفاقمة في الخليج”.
روسيا
وطالب التقرير “بتعزيز العلاقة مع روسيا وتوثيق «الأرض المشتركة» من المصالح، والتقارب أكثر مع مبادراتها للحل السلمي في سوريا، والتأكيد على أهمية دورها في إدارة ملف المناطق الجنوبية في سورية في المرحلة المقبلة، وترسيخها بوصفها وسيطًا مهمًا في علاقة الأردن بأطراف الصراع السوري، ولا سيما الإيرانيين والسوريين.
العراق
كما أوصى بتعزيز التعاون الاقتصادي مع العراق والانفتاح عليه أكثر، والعمل على تعزيز التعاون معه، في المجالات كافة، وبخاصة الاقتصادية لما لذلك من أثر إيجابي على الوضع الاقتصادي الداخلي، ولا سيما أن ذلك يلقى رضى شعبيًا كبيرًا.
وقال إن الأردن يمكنه سياسيًا أن يستأنف دوره في التوسّط بين الحكومة العراقية والقوى السنّية المعتدلة، وهو الدور الذي يعطيه أوراق قوة في مواجهة القوى العراقية التي تقف ضده، التي رفعت صوتها بعد توقيع اتفاقيات جديدة بين حكومة هاني الملقي والحكومة العراقية، بعد زيارته إلى العاصمة بغداد، إذ صعدت أصوات من داخل ائتلاف دولة القانون (الذي يقوده رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي) تتهم الأردن بالعداء مع العراق وبإيواء بنات صدام حسين والجماعات التكفيرية.
ولفت إلى أن “التقارب مع العراق ليس سهلًا، وبحاجة إلى جهود من الدبلوماسية الرسمية والشعبية والبرلمانية، وإلى ردم الفجوة وتكسير «الصورة النمطية» المستقرة لدى شريحة اجتماعية واسعة من العراقيين الشيعة بأنّ الأردن عدو لهم، وذلك يقتضي عدم الاقتصار على الأنشطة الدبلوماسية والاتفاقيات الاقتصادية، بل على تنويع الفعاليات والأنشطة الإعلامية والثقافية”.
واعتبر التقرير أن “العراق يمثّل مخرجًا مهمًا وحيويًا لأزمة الأردن الاقتصادية، يمكن بالفعل أن يساعد على تنشيط قطاعات اقتصادية عديدة، في حال أصبح أكثر استقرارًا، ومن الضروري أن يشارك الأردن في الجهود الداخلية في المصالحة العراقية، ويبرز دوره الإيجابي على هذا الصعيد، بما يمتلكه من نفوذ في أوساط سنّية عراقية فاعلة”.
نقل السفارة الأمريكية إلى القدس
وحول ما أسماه التقرير (معركة القدس دبلوماسيًا، إعلاميًا ورمزيًا)؛ رأى أن “انتقال السفارة الأمريكية إلى القدس يمثّل أحد أبرز التحديات للسياسات الخارجية والداخلية الأردنية، ولأنّه من الصعب الفصل بين المستويين في هذا المجال”.
وأوصى “على الصعيدين الخارجي والداخلي، بضرورة زيادة الأردن لنشاطها الدبلوماسي ووضع العالم العربي والإسلامي أمام مسؤولياته، وإطلاق “صافرات الإنذار” بما يحمله نقل السفارة الأميركية إلى القدس من دلالات، وما ينجم عنه من تداعيات ونتائج، في مقدمتها تعزيز المزاج الراديكالي في المنطقة عمومًا”.
وشدد التقرير أن على الأردن أن يستبق القمة العربية في محاولة دفع الدول العربية والإسلامية إلى ممارسة ضغوط على الإدارة الأمريكية، وتنسيق الجهود لتوضيح خطورة هذه الخطوة. على صعيد الرأي العام الأردني، فمن الضروري أن تظهر الحكومة للمواطنين جديتها الكاملة في تبنّي معارضة قرار نقل السفارة، لاحتواء ردّات فعل شعبية ساخطة محتملة، مع حملة إعلامية داخلية منظمة تستبطن موقفًا رسميًا صلبًا واضحًا في مواجهة الخطوة الأميركية.
يذكر أن القدس تقع تحت وصاية الأردن، وفق اتفاق بين الملك عبدالله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس.