أخبار الساعة » السياسية » اخبار اليمن

عبد الباري عطوان: ماذا يعني الجبير بقوله أن السعودية لن تقف مكتوفة الأيدي ؟

تَحوّلت جامعة الدول العربيّة في السّنوات العَشر الأخيرة إلى أداةٍ لإشعال الحُروب وتَخريب الدول العربيّة وتَفتيتها، إلى جانب تَحوّلها إلى مِظلّةٍ “طائفيّةٍ” بغيضةٍ تُوفّر الغِطاء والشرعيّة لكُلِّ أوجه العُدوان الأمريكي والغَربي على الأمّة، أشعلت حَربًا في سورية استمرّت سَبع سنوات، وأُخرى في ليبيا حَوّلتها إلى دولةٍ فاشلة، وباركت ثالثة في اليمن مُستمرّة منذ عامين ونِصف العام، وها هي تتأهّب لتَفجير الحَرب في لبنان بضَغطٍ من دول الخليج [الفارسي]، والمملكة العربيّة السعوديّة على وَجه الخُصوص.
 
تبنى السيد أحمد أبو الغيط، أمينها العام، الذي تعرض للتهميش منذ توليه مهام منصبه قبل عامين تقريبا، الدور “المريب” الذي تبناه من سبقوه، أي السيدين عمرو موسى وأحمد العربي، وها هو، ومثلما اتضح في الاجتماع الطارىء لوزراء الخارجية العرب اليوم، يؤديه بشكل مميز، بحيث بز الأوائل والأواخر.
 
هناك عدة أمور لفتت انتباهنا من خلال متابعة كلمات وزراء الخارجية، أو بعضهم، في الاجتماع المذكور، بالإضافة إلى ما يجري في كواليس المنطقة والعالم من تحركات لها صلة مباشرة بالاجتماع :
 
أولا: تحول الصاروخ الباليستي الذي أطلقه الحوثيون على مطار الملك خالد شمال الرياض إلى “المبرر” لإعلان أي حرب وشيكة ضد “حزب الله” في لبنان، وربما إيران نفسها، وكأنه أسلحة الدمار الشامل التي قيل أنها كانت في حوزة صدام حسين، فالسيد أبو الغيط وصفه بأنه “الحلقة الأخطر من مسلسل التجاوزات الإيرانية” ، ويبدو انه، اي السيد ابا الغيط، لا يعلم انه تم اسقاطه ولم يوقع أي خسائر، وأنه جاء ردا على إطلاق آلاف الصواريخ أثناء غارات مستمرة منذ عامين ونصف العام على اليمن، أدت إلى مقتل أكثر من عشرة آلاف شخص معظمهم من الأطفال في بلد محاصر حصارا خانقا، وعضو كامل في جامعة الدول العربية.
ثانيا: اتصال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإيمانويل ماكرون، رئيس فرنسا، فور انتهاء اجتماع الأخير مع السيد سعد الحريري، واتفقا على ضرورة العمل مع الحلفاء لمواجهة أنشطة إيران و”حزب الله” المزعزعة لاستقرار المنطقة، (( على حد زعمه )) وفور انتهاء المكالمة، بادر الرئيس الفرنسي بإجراء عدة اتصالات مع قادة شرق أوسطيين، أبرزهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وهذه الاتصالات تذكرنا بنظيراتها قبيل الحروب والأزمات العراقية والسورية والليبية.
ثالثا: تأكيد وزير خارجية البحرين، الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة في كلمته النارية أمام اجتماع وزراء الخارجية العرب أن لبنان يتعرض لسيطرة تامة من جانب “حزب الله”، مما يعني، أو يرجح، أن البداية ستكون في لبنان.
رابعا: السيد عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، كان قائد الأوركسترا، وموزع النغمات على المشاركين، وهذا أمر متوقع بحكم أن دولته هي التي دعت إلى عقد هذا الاجتماع الطارىء، ولكن تصريحه الذي قال فيه أنه “يجب الوقوف بجدية ضد الممارسات الإيرانية التي تشكل انتهاكا للأمن القومي العربي”، وإضافته “أن السعودية لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء الاعتداءات الإيرانية”،(( على حد زعمه )) هذا التصريح يضع اللبنة الأولى في خريطة الطريق نحو الحرب.
 
لا نعرف ما هو موقف دول عربية أخرى شاركت في اجتماع وزراء الخارجية الطارىء المذكور مثل الجزائر والعراق والسودان والمغرب وتونس، وما هو الدور الذي لعبته في الجلسات المغلقة، إذا كان لها دور في لجم هذا الاندفاع المتسارع نحو الحرب، ولكننا كنا وما زلنا نفضل لو أنها لم تشارك فيه أيضا، حتى لا تتحول إلى “محلل” لهذه الحرب المقبلة، مثلما فعلت في الحروب السابقة.
الحرب مع “حزب الله” لن تكون حربا سهلة، والفوضى الدموية التي ستكون أبرز إنتاجها لن تتوقف عند حدود لبنان، والدول التي ستشعل فتيلها لن تكون في مأمن، لأنها حرب ستحرق أثواب الجميع، والناجون الوحيدون هم أمريكا والدول الأوروبية البعيدة جغرافيا، هتلر أشعل الحرب العالمية الثانية واحتل دولا أوروبية عديدة، ونصف الاتحاد السوفييتي، ولكنه لم يكسب الحرب، وانتحر معترفا بالهزيمة في ملجأه في برلين، أمريكا حصدت ثمار النصر، وأوروبا دفعت ثمنها دمارا، ولا نستبعد تكرار السيناريو نفسه في بلداننا ومن أهلنا.
 
الحرب القادمة لن تكون عربية، وإن كانت بالاسم والغطاء فقط، وستكون “حرب إسرائيلية أمريكية” نحن وقودها، ولأهداف “أمريكية إسرائيلية” أيضا، وإذا كانت أمريكا و”إسرائيل” فشلتا في سورية والعراق، فلن تربحا أي حرب في لبنان، أو ضد إيران، ليس لأن هذه الحرب ستطول وستخرج عن نطاق السيطرة، وإنما أيضا لأنه قد تجر إليها قوى عظمى مثل روسيا والصين، فالزمن تغير وموسكو لا يحكمها غورباتشوف، ولا يلتسين الخاضع للنفوذ الصهيوني من خلال “مجون” ابنته، تماما مثل الرئيس الحالي ترامب وابنته إيفانكا.
لا نعتقد أن تهديدات السيد الجبير، ودخول السيد أبو الغيط على خط الأزمة محرضا سترهب اللبنانيين، مثلما نجزم أن الصفقة الكبرى التي يروج لها صهر ترامب جاريد كوشنر، ستخدع الفلسطينيين، وإن خدعت فستخدع أحد أفرع قيادتهم فقط، ولعلها حرب قد توقظ الأمة من سباتها العميق.
لم يهزم العرب في كل الحروب التي فرضت عليهم منذ عام 1973، ولم تنتصر “إسرائيل” في أي منها، واليمنيون الأفقر والأكثر شهامة لم يستسلموا رغم ضعف تسليحهم وشدة الحصار، ولم يرفعوا الرايات البيضاء، وكذلك فعل اللبنانيون والسوريون والعراقيون والفلسطينيون.
هناك قول مأثور نؤمن به في الشدائد، وهو “قد يأتي الخير من باطن الشر”، وربما ينطبق على الحرب القادمة التي يقرعون طبولها.. والأيام بيننا.
 
عبد الباري عطوان / رأي اليوم

Total time: 0.0335