أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

سيناريو الطائفية لثورة مضادة

- كتب/آدم الجماعي

في ظروف سيئة وصل إليها الحوثيون، وتوسعٍ مسلح خلّف مئات القتلى والجرحى وآلاف المشردين.. وفي حالة انتكاسة سياسية وإعلامية مُنيت بها هذه العصابة.. يحاول الحوثيون الاستنجاد بكل ما يمكنهم من الخيوط الواهية، وإعادة بناء صورتهم المهترئة، والتشبث بالزيدية وآل البيت، والتذرع بالمظلومية خلف ملصقات (الهاشمية والزيدية) وبدعوى ساذجة أنهم يحاربون أعداء الله من الظالمين المجهولين!.. ليظهروا زوراً بأنهم (انصار الله!!). وأي فساد أعظم من سفكهم الدم الحرام؟ وقد قال تعالى: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ). هي وثيقة وهمية لعلهم يستعيدون بها أنفاس أتباعهم، ويستعطفون من ازدراهم من الزيدية العقلاء.. بل هي تحكي الحالة النفسية التي منو بها أمام مشاريع وهمية صنعته الأيدي الدموية.. فوقفوا على ساحل بحر من الدماء، وجبال من الرؤوس المتساقطة ظلماً وطغياناً.
سوء الإخراج، وعُقم الموضوع:
حملت الوثيقة الفكرية والثقافية (21ربيع أول 1433هـ) طابعاً سيئاً في الإخراج إذ عمَّقت جذور الطائفية على من خالفهم وأشبهت البيعة على قتال من يخالف هذه الأفكار والمسائل الكلامية. وأثبتت أنهم لا يبالون بجرائمهم وطغيانهم في الأرض، ورسخت الاستكبار الحقيقي بذوق العنصرية والسلالية تحت عبارات (حجج الله، أوصياؤه خلفاً بعد سلف، المجاهدون!!) وغيرها من المصطلحات الواردة في هذه الوثيقة.. التي لم تأت بجديد حول أوجب الواجبات اليوم وهو: أن يكفوا أيديهم عن القتل الحرام، واغتصاب حقوق الناس.. فأغمضوا الطرف عن الدماء الجارية (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا).
قالت الوثيقة: (وجهاد الظالمين، والوقوف في وجه المستكبرين هو من أعظم الواجبات الدينية المفروضة على الناس أجمعين) بدماء باردة ودموع التماسيح تأتي هذه الكلمات التي كان يرددها الخميني!! ألم يعِ الحوثيون بعد أن (170ألف) نازح من صعدة يشكون ظلمهم وبطشهم ويخافون العودة خوفاً من إكليروس الحوثية؟! وأن مئات الأيتام يشتاطون غضباً من قتلة آبائهم..
أين حُجج الله وأوصياؤه؟!!
في حين يرتدي الحوثيون ثياب القتل يقنعني بأنه من (أنصار الله)!!، وفي حين يفتيه آخرون بذلك يعني أنهم عندهم (حجج الله)!! وفي الوقت الذي يبطش المال وينتهك الحقوق ويفجر البيوت ويشرد الناس كأنه يفعله بأمر الله لأنه (وصي الله، وإماماً للهدى)!! مفارقات وغرائب مخجلة. لم نكن ننتظر يوماً ما أن تخرج مثل هذه الوثيقة.. وأنهار الدماء جارية في صعدة وحجة وكشر وغمر.. وغيرها. أين حجج الله وأولياؤه وأوصياؤه لينقذوا ما يمكنهم إنقاذه من الأبرياء والنساء والأطفال؟ إنهم لم يستغيثوا بحجج الله لفتوى أو وثيقة حتى يبشروننا بها.. إنما ينتظرون من ذوي المروءات الهاشمية والنخوة اليعربية ان يرفعوا عنهم الحصار الخانق، ويدفعوا عنهم ميليشيات الموت!.
نَظم العُقَد في عقيدة:
افتقدت الوثيقة في صدرها إلى قلادة الثناء على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخيرة الله في خلقه بعد رسوله الكريم، ولم تتزين بهذه الكوكبة العظيمة.. لماذا التغيير والتبديل لسنة الزيدية؟ فكُتب الزيدية ومروياتهم وأسانيدهم عامرة بذكرهم! وقصائدهم تتغنى بفضائلهم وشمائلهم!! فالوثيقة جارودية بامتياز! ولا صلة لها بفكر الزيدية.. وأين الزيدية بعلمائها ومفكريها المعاصرين؟!!.
شكلت الوثيقة منظومة عنصرية أخرى تختزل الوثيقة العقيدة الإلهية بتسلسل الإمامة تاريخياً بعد النبي صلى الله عليه وسلم لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه (الذي لم يوص قطعاً لأحد)، ثم الحسن (الذي تنازل لمعاوية رضي الله عنهما)، ثم الحسين رضي الله عنه (الذي لم يحكم ولم يخرج من اجله أصلاً) ثم أبناؤه (ممن لم يحكم) حتى الإمام زيد (لم يحكم) والقاسم (لم يحكم)، والهادي (لم تجتمع له حتى شيعة اليمن وقاتله بعضهم) وهكذا القاسم العياني، والقاسم بن محمد...الخ. وكلهم حكموا قطعة أرض في اليمن ولم يكفروا بقية البلاد الإسلامية التي لم تلتحق بحكمهم كأئمة أوصياء كوناً وقدراً طوعاً أو كرهاً! بل خرج بعضهم على بعض، وقتل بعضهم بعضاً، وأجاز بعض الزيدية تنصيب إمامين في عصر واحد... وأخيراً: أوقف معاصرو الزيدية هذه السلسلة في إطار البطنين والرجوع إلى (صندوق الانتخاب) [بطن اليمن الكبير] فما جدوى هذه الوثيقة الجبرية والقدرية في آن واحد؟ وهل لله تعالى بعد هذه الوثيقة أمر أو قضاء وقدر؟ أم لا معقب لوثيقة زيفها قلم الحوثي؟ [تعالى الله عما يقولون] (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ).
والوثيقة هذه تقول بأن الله تعالى: (لا يكلف ما لا يطاق، ولا يجبر على الأفعال، بل جعل المكلفين مخيرين فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، ولا يعذب أحداً إلا بذنبه...) انتهى. هنا تخالفون وثيقتكم المقدسة!!، وتنقضونها بباطل آخر لماذا تكلفوننا بعُقد تاريخية لم نُخلق حينها ولا طاقة لنا بها؟ ولماذا تجبرون الناس على لون واحد من الناس دون خيار الخلق وصالحيهم وفضلائهم؟ فأهل التقوى ليس لهم بطن ولا بطنين! فقد وسعتهم بطون كريمة وأرحام طاهرة أخرى من قبل ومن بعد.. فمن شاء فليؤمن بكم ومن شاء فليكفر! قولاً واحداً، وحجة عليكم من عقيدتكم. فالله ـ عز وجل ـ قد خير الناس بين الإيمان به أو الكفر ولم يجبرهم على عبادته قهراً وذلة!! فما بالكم تجبرون الناس على تقديسكم وإمامتكم بالقهر والذلة؟! هيهات منا الذلة!.
الانتخابات، والوصية!!:
مشكلة أخرى بنفس العُقدة التاريخية يأتي في الوثيقة هاجس الوصية بالإمامة جزماً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل عظيم في قلوب المؤمنين كلنا نحبه ونراه أهلاً لو ثبت ذلك. لكن السؤال المهم ما هي مشكلتنا اليوم أمام هذه الوصية؟ في حين كنا مشغولين بانتخاب الرئيس عبده ربه منصور بدون منافس..!! لماذا يُصر بعض المتطرفين إلا أن يشغلنا بأمر لم نشهده وليس في ذمتنا به عقد ولا عهد؟ هؤلاء هم اليوم لن يبعثوا أصحابها من القبور لأخذ الوصية! لكن يتصارعون لمنصب الوصية على جماجم الشعوب. والنبي صلى الله عليه وسلم قد ثبت عنه لما سأله زعماء العرب (هل لنا الأمر من بعدك؟ فكان يقول لهم: الأمر لله يضعه حيث يشاء)، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن هذا الأمر كان في حمير فوضعه الله في قريش وإنه سيعود في حمير) هي سنة التداول، وطبيعة الحياة. فملايين المسلمين في أمريكا والهند والروس وأوربا وأدغال أفريقيا لم يعلنوا يوماً ما المقاطعة لانتخابات بلدانهم لأن وصيهم السيد في صعدة!! ولم يعرفوا في عقائدهم أن الله قيدهم بأغلال وسلاسل أئمة مجهولين سيحشرون على جماجم اليمنيين، وأشلاء ابناء صعدة وحجة!!.
(صعدة) وطن بلا طائفية:
لا بد لأبناء (صعدة) من استيعاب فقه التعايش الاجتماعي والوطني بعيداً عن الاستئثار بالمناطقية. فحسابات الطائفية على (صعدة) لن تنتهي مالم يحكمها قانون السلم الاجتماعي.. لأن أي مذهب لم يكن يوماً ما قدرٌ محتومٌ على هذه الأرض أو تلك الديار، ولم يُخلق المذهب بجينيات وراثية في صلب الآباء يُطبع عليها الأبناء. فالمذهب لا يحمل طابع اللحمة والنسب والخَلْق والنشأة!! فهو لن يَعْدُ أن يكون نتاجاً فكرياً، وشكلاً من أشكال التدين الاجتهادي في الفروع، ويقبل التعدد والتنوع والتحول، ولا يجوز أن يُصبغ أي مذهب بدعوى الوصاية الإلهية لأنها كذبة مذهبية بعد انقطاع الوحي. وهكذا (صعدة) تستعصي عن الوصاية لآل سالم في ريده، ولن يتنازعها أبناء بطنين أو فخذين! ما دام وللجميع تاريخه وأصوله الدينية والفكرية والقبلية. ففي (صعدة) تُتلى التوراة كما يُتلى القرآن، ومن رحم (صعدة) تسلسل أبناؤها سواء بسواء من ذرية إسحاق مع بني هاشم، وذرية قحطان مع ذرية قريش.. والولد للفراش وللمذهبية الحجر!.
لماذا المتعصبون يجعلون من (صعدة) عُقدة مذهبية وثكنة لصراعات طائفية؟!. ومتى كانت (صعدة) نطفة من صُلب أموي أو هاشمي أو حميري؟! وهل قَدَر (صعدة) في هذه المرحلة أن تكون ميداناً لقوى سياسية خارجية وضحاياها أبناؤها الأبرياء؟ وهل أخطأ أبناء (يَعفر) في (صعدة) عندما استضافوا (الإمام الهادي) في أواخر القرن الثاني الهجري؟ وهل أخطأ الإمام الهادي باستبقاء يهود آل سالم كشركاء لهم حق المواطنة في صعدة؟. وهل أخطأ مرة ثانية لاستيعابه موارد بشرية جديدة من شيعة الديلم، وطبر، والجيل، ونجد، والحجاز. إلى جوار أهلها الياميين (القرامطة) مع عداوتهم له، واليعفريين، وقضاعة، ووادعة.

المصدر : صحيفة اليقين

Total time: 0.0584