حزب المؤتمر الشعبي العام ومتطلبات المرحلة القادمة رسائل مفتوحة إلى عناصر التيار الوطني المعتدل
اخبار الساعة - د.طارق عبدالله ثابت الحروي بتاريخ: 30-04-2012 | 13 سنوات مضت
- من نافلة القول أن إصلاح الأوضاع في اليمن وخروجها الفوري والأمن مما هي عليه منذ فترة ليست بالقصيرة ومن ثم انتقالها إلى مصاف الدولة المدنية الحديثة التي يسود فيها النظام والقانون، كإطار أساسي لولوج مرحلة التنمية الشاملة والمستدامة لم ولن يحدث ما لم يتحول المؤتمر الشعبي العام الحزب الحاكم في اليمن منذ عقدين من الزمن ليس من مجرد حزب سياسي (دولة) غير متكامل الأركان الحزبية إلى حد كبير تهيمن على توجهاته ومواقفه ومن ثم اهتماماته عقلية الدولة أكثر منه الحزب الديمقراطي، التي تسيطر عناصره من خلاله على معظم مقاليد القوة والثروة على مدار عقود ماضية فحسب، بل وأيضا من مجرد وعاء سياسي- حزبي شكلي يجمع بين جنباته تيارات متعددة فرضته المعطيات الظرفية لمرحلة ما قبل الوحدة أكثر منه كيان حزبي متكامل الأركان.
- إلى حزب سياسي ديمقراطي شبه مستقل ومتكامل الأركان، ضمن إطار استرتيجية وطنية معدة لمثل هذا الغرض مسبقا؛ تهدف إلى إعادة تأهيل الحياة السياسية- الحزبية، بما يتناسب مع متطلبات المرحلة القادمة وما بعدها، في ضوء ما أصبح يمثله هذا الموضوع من نقطة ارتكاز محورية وحاجة وطنية ملحة لا غنى عنها بالمطلق، على خلفية ما نستشفه من مؤشرات ودلالات وأبعاد غاية في الأهمية ضمن متطلبات المرحلة الحالية والقادمة وما بعدها، فرضتها المعطيات الظرفية للبيئتين الداخلية والخارجية، في ضوء خارطة الطريق الجديدة التي حددت بعض أهم معالمها الرئيسة المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المزمنة.
- أما عن السبب الجوهري الذي يكمن وراء اختيار حزب المؤتمر الشعبي العام دون غيره من الأحزاب التي تعج بها الساحة السياسية كمحور أساسي في تحمل تبعات مسئولية بهذا الحجم، باعتباره الجهة السياسية المؤهلة التي لها وزن يعتد به في الساحة الرسمية وغير الرسمية، والقادرة ليس على وضع اللبنات الفكرية الأولية للتغيير القادم المنشود من واقع ما تمتلكه من نوايا صادقة واستعداد تام عكسته التوجهات الرسمية لقياداته العليا التي ظهرت عليه أمانته العامة ولجانه الدائمة في الأشهر الأخيرة، وخبرات وكفاءات تراكمية فحسب، بل وأيضا القادرة على الإسهام في التخطيط والإعداد للتغيير المنشود، وصولا إلى توفير الضمانة الأكيدة على استمراره وبقائه ومن ثم قيادته نحو تحقيق المصلحة الوطنية العليا ضمن إطار برامج وطنية تنفيذية مزمنة أكثر منه مصالحه الخاصة، سيما أن بعض أهم الملامح الرئيسة لمثل هذا الأمر سوف تتضح تباعا مع مرور الوقت في ضوء طبيعة ومستوى ومن ثم حجم التغييرات الجذرية وشبه الجذرية بأبعادها الفكرية والسياسية والبشرية والتنظيمية،...المتوقع حصولها داخل حزب المؤتمر الشعبي العام نفسه، وبوجود قياداته الوطنية التي يقف على رأسها رئيس المؤتمر الشعبي العام بنفسه.
- ومما لا شك فيه أن الصورة التي ظهر عليها حزب المؤتمر الشعبي في العقدين الماضيين؛ من حيث طبيعة ومستوى ومن ثم حجم الكفاءة والفاعلية في الأداء والتأثير ومن ثم التأثر بما يحيط به من متغيرات رئيسة على المستوى السياسي والحزبي، وصولا إلى المستوى التنظيمي والشعبي باعتباره حزب الأغلبية كما يحلو للبعض ترديده، على الرغم من أن عدد أعضائه وأنصاره – بحسب ما تشير إليه الإحصائيات الرسمية- لم يتجاوز الـ 3.5 مليون نسمة فقط لا غير، أصبحت مدعاة له لأن يعيد تقييم ومن ثم تقويم كافة سياساته وأوضاعه المادية والمعنوية برمتها، في ضوء استمرار تنامي حالات الضعف الحادة في تأثيره والنكوص في سياساته وتوجهاته ومن ثم الانشقاقات الحادة بين صفوفه (عموديا/أفقيا) التي ظهر وسيظهر عليها في كثير من المحطات الرئيسة الماضية والقادمة، لأسباب عديدة لا مجال لمناقشتها هنا.
- ومن زاوية غير مباشرة فإن حزب المؤتمر الشعبي العام قد حصل على دروس إضافية من التحولات الرئيسة التي شهدتها الساحة اليمنية منذ مطلع العام الماضي، فلم يثبت فقط أن الأحزاب التي تبقى في السلطة لفترة طويلة سرعان ما تفقد شعبيتها إذا ما بقيت السياسات والوجوه على حالها فحسب، وإنما أيضا ثبت أن حالات الفراغ السياسي الناجم عن فقدان المصداقية السياسية والحزبية والأخلاقية والدينية وكذا الاقتصادية سرعان ما ينقل جموع كثيرة من الرأي العام إلى قوى بديلة تأخذ أكثر المواقف تطرفا وتضع الكيان السياسي للدولة كله في مأزق داخلي وخارجي لا يحسد عليه مثلما عشناه في إرهاصات الأزمة اليمنية الحالية.
- ولعل مفتاح الدروس كلها الذي يجب وليس ينبغي على الحزب البحث عنها والتعامل معها، كي يتسنى له فتح الأبواب المغلقة وعبور الحواجز العالية- برأينا- هو طبيعة ومدى المصداقية التي يجب أن يتمتع بها الحزب بين عناصره وصولا إلى الشارع السياسي والتي لا بد أن يستعيدها خلال فترة زمنية قصيرة جدا، محصورة بالسنتين القادمتين التي سوف تتوج بإقامة الانتخابات الرئاسية والنيابية (وكذا المحلية) عام 2014م، وحتى بلوغنا هذا اليوم يجب أن نضع صوب أعيننا أن الساحتين الداخلية على صعيد الحزب نفسه وخارجه والخارجية لن تسمح بأية ممارسات غير ديمقراطية قد تلجأ إليها بعض الأحزاب الكبرى في اتجاه فرض هيمنتها شبه المطلقة على مقاعد ومن ثم قرارات السلطة التشريعية (النواب/الشورى) على حساب الأحزاب والقوى المجتمعية الأخرى، من خلال اللعب بالعديد من الأوراق المختلفة التي وإن كانت مجاز توظيف البعض منها بصورة أو أخرى كسياق عام- وفقا- لطبيعة قواعد اللعبة السياسية القائمة؛ بما يتناسب مع متطلبات كل مرحلة على حده.
- إلا أنها في الجزء الأكبر والمهم منها سوف تكون مجرد قفز على الحقائق والأخلاقيات والقيم والمبادئ والحقوق والواجبات الدامغة التي تفرضها أولويات المصلحة الوطنية العليا في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخنا الوطني، كـ(استمرار تنامي سياسة تهميش باقي مكونات المجتمع المدني والقوى المجتمعية، توزيع الدوائر الانتخابية، السجل الانتخابي، ورقة المستقيلين التي اعتادت الأحزاب الكبرى اللعب بها والذين قامت دعايتهم الانتخابية على الاستقلال عنها بهدف إرباك العملية الانتخابية، الضغوط والرشاوى واللعب على احتياجات المغلوبين على أمرهم على سيبل المثال لا الحصر...الخ) لماذا ؟
- لان المرحلة القادمة يجب وليس ينبغي أن تبنى على المصداقية الحقة القائمة على تمثل معايير الانتماء والولاء الوطني- أولا- مع النفس بالقبول بالنتائج والحقائق كما هي وليس كما يتم إعادة تأليفها من قوى وعناصر متناقضة ومتنافرة، وثانيا- مع الآخرين من الفاعلين في الساحة السياسية والمجتمعية من خلال الإيمان شبه المطلق بمسار سياسي- ديمقراطي حقيقي لا توجد فيه أية خروق قانونية مفتعلة؛ من اجل إبقاء الأحوال على ما عليه، أما- ثالثا- مع الرأي العام الذي أضنته عملية الانتظار والتأجيل المتكررة غير المبررة، وهو بانتظار رد العرفان والوفاء من قيادات وعناصر التيار الوحدوي منذ عقدين- هذا من ناحية- وإن يؤمن بضرورة وجود توازن نسبي ومهم جدا في الحياة السياسية والعامة تفرضه أولويات المصلحة الوطنية العليا- من ناحية ثانية.
- وتأسيسا على ما تقدم يسعنا القول بأهمية بل وضرورة لفت انتباه وأنظار كافة المعنيين وكذا المستفيدين (أبناء المؤتمر الشعبي العام والأمة اليمنية) إلى العديد من الحقائق بهذا الشأن؛ نذكر منها ما يأتي:-
- الحقيقة الأولى البارزة في هذا الأمر التي يجب أن نثيرها بقوة هي ضرورة أن يطال التغيير المنشود كل المستويات القيادية والتنظيمية والشعبية منها- بوجه خاص- في الحزب الحاكم بدون استثناء بنسب عالية ومتفاوتة وتدرجية- استنادا- لطبيعة متطلبات وخصوصية المرحلة القادمة التي سوف تحتاج أكثر من أية وقت مضى إلى كفاءات وقدرات بشرية من نوع خاص للقيام بما أؤكل لها من المهام على أكمل وجه، وتحث الخطى في اتجاه الوصول بالحزب إلى الدرجة والمستوى الذي تقرضه أو تتطلبه المرحلة الحالية والقادمة، سيما أن هنالك بعض القيادات والعناصر الحزبية التي يكلف بقائها الحزب كثيرا على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لماذا ؟ كي نستطيع من خلالها الاقتراب كثيرا من نطاق حدود التغيير المنشود في المحيط الخارجي على المستويين الرسمي وغير الرسمي، كدليل عملي على مدى نواياه ومن ثم قدراته على استعادة قدر مهما من مصداقيته بين صفوف أعضائه وصولا إلى الشعب، بهدف الوصول إلى ذلك المستوى من الانجاز الذي تصبح بموجبه طبيعة ومستوى ومن ثم حجم التغييرات المنشودة داخل الحزب هي انعكاس طبيعي ومباشر لطبيعة ومستوى ومن ثم حجم التغييرات المنشودة على مستوى الدولة والشعب وليس أقل من ذلك أو أكثر.
- وفي حقيقة الأمر- أيضا- تجدر الإشارة إلى أن إحداث أية تغييرات جذرية تدرجية ضمن نطاق حدود الحزب أو الوزارة القادمة تطال المناهج والسياسات وصولا إلى الهياكل والأشخاص، على الرغم من أهميتها القصوى، فإنها- برأينا- أيضا لا تكفي لإعادة بناء مصداقية الحزب الداخلية والخارجية التي نحن بصدد تناولها لماذا ؟ نرد بالقول ليس لأن هنالك تراثا شبه طويل من شبه فقدان للمصداقية به، جراء هيمنة عناصر نافذة تنتمي للتيار الانفصالي ومرتبطة شكلا ومضمونا بالقوى التقليدية المحافظة والمتطرفة على مقاليد السلطة فيه منذ تأسيسه عام 1982م فحسب، بل وأيضا لان هنالك شواهد شبه يومية كثيرة على مدار العقدين الماضيين تعزز فقدان الثقة به، سيما انه لم يتخذ إزائها شيئا حقيقي يذكر، وبصراحة أكثر فإنه ما لم يأخذ الحزب وأعضاؤه متطلبات المرحلة القادمة بالجدية التامة اللازمة التي تمكنه من الانفتاح على عناصره وجماهيره ومن ثم الرأي العام والسياسي خاصة، فإن الشعور العام سوف يظل متراوحا بين الشك واليقين بانتفاء وجود أية مصداقية ومن ثم أمل وتفاؤل بإمكانية حدوث تغييرات حقيقية على المستوى الداخلي والخارجي، بما يجعل الأوضاع في نهاية المطاف تظل كما هي.
- والحقيقة الثانية فتدور حول أن الرأي العام على صعيد الحزب وخارجه سوف يطالب الحزب عاجلا أم أجلا بإحداث قفزات نوعية وسريعة في الأفكار والسياسات والبرامج التنفيذية الطموحة والمبادرات الجريئة والدماء الشابة الجديدة المؤهلة والمشبعة بالروح الوطنية والأخلاقية والدينية وبالقيم والثقافة المدنية، كي يستطيع أن يعيد لنفسه نوع من الاعتبار في الانتخابات القادمة، ويحفر لنفسه مكانا متميزا في ساحة الأفكار السياسية؛ من خلال ابتداء برنامج متميز واضح المعالم الرئيسة يرنو إلى المستقبل، بصورة لا لبس فيها ولا تدرج غير منطقي تفرضه أولويات المصلحة الوطنية العليا يستهلك أجيالا بأكملها، ومرورا بتقديم مشروع تعديلات دستورية تؤسس للتغيير المنشود الذي تناولت بعض أهم معالمه الرئيسة في مقالتي المنشورة على صدر الصحافة المحلية الورقية والالكترونية تحت عنوان (قراءة في البعد الاستراتيجي: اليمن وإمكانية التحول إلى دولة بحرية عظيمة)، وانتهاء بوضع قواعد جديدة للعبة السياسية يحترمها أعضائه قبل الآخرين.
- والحقيقة الثالثة أن يسعى الحزب بكل ما أوتى من جهد وراء إعادة تأهيل وتطوير ومن ثم تصحيح حالات الخلل الحادة في الحياة السياسية- الحزبية كما أشرت لبعض أهم معالمها الرئيسة في مقالتي المنشورة على صحيفة 26 سبتمبر الصادرة بتاريخ5/1/2012م بعنوان (ملاحظات أولية حول إعادة تأهيل وتطوير الحياة السياسية- الحزبية) ، كي ترتقي إلى مستوى المرحلة القادمة مهما كانت التحديات المحيطة به والمناهضة لذلك.
- أما الحقيقة الرابعة فإننا نؤكد من خلالها إن قائمة أعمال إعادة بناء المصداقية للحزب طويلة جدا، بحكم أنها ليست محددة بجدول زمني ما، وفي بعض الأحيان فإن هنالك التباسات كبرى يحسن الوقوف عندها مليا وسرعة البت فيها بدون تأخير، سيما تلك التي علاقة وثيقة الصلة بالرأي العام الداخلي والخارجي الذي هو في نهاية المطاف مصدر المصداقية السياسية لكل منظمات المجتمع المدني والأحزاب منها- بوجه خاص-
- وختاما ربما يمكن القول أن جوهر عملية إعادة بناء المصداقية بحد ذاتها هي رؤية الحزب لنفسه كأحد الأحزاب السياسية المنافسة على حكم البلاد، وليس الحزب القائد والمهيمن على الساحة السياسية، ولعل هذا الأمر يتضح أكثر بأن تكون للحزب قناة فضائية وصحيفة أساسية جيدة ناطقة باسمة ومدافعة عن سياساته وأفكاره وخطواته العملية، حيث أن الثابت أن الصحيفة الحالية لا تقوم بهذه الوظيفة كما يجب، بصورة أدت إلى حدوث نوعا من الالتباس والغموض والضبابية غير المفيدة لمصداقية الحزب الذي يبدوا وكأنه قد أحتكر الصحف القومية وموارد الدولة لصالحه على سبيل المثال لا الحصر، على الرغم من أن هذا الأمر تختلف عنده وجهات النظر، ولكن- في نهاية المطاف- بما أن المصداقية بحد ذاتها هي إدراك وقبول واعتقاد، فإن على الحزب السعي وراء فك هذا الالتباس والغموض وإزالة هذه الضبابية، بحيث تكون له أدواته وموارده الخاصة الشفافة، إلى جانب وجود ضرورة تحرير الصحف القومية من القيود والو لاءات والإغراءات التي لم تعد تفيد الدولة والنظام والحزب كثيرا.
والله ولي التوفيق
اقرأ ايضا: