قرار السعودية في بيانها الأخير سيجعلهافي مواجهة معركة إقليمية ودولية معقدة سياسياً وأمنياً وقانونياً
يثير اعتبار المملكة العربية السعودية جماعة ‘الإخوان المسلمين’ منظمة إرهابية (مع ‘حزب الله’ السعودي والحوثيين وجبهة ‘النصرة’ و’داعش’) مفارقات كبيرة.
أول هذه المفارقات أن هذا الإعلان لم يقتصر على جماعة ‘الإخوان’ في السعودية (كما فعل مع حزب الله السعودي)، بل شمل الأمة الإسلامية جمعاء، وهو ما يلزم المملكة إلزامات داخلية وخارجية أكبر بكثير من قدرتها ويرتّب عليها معركة إقليمية ودولية معقدة وواسعة، سياسياً وأمنياً وقانونياً.
وفي تخصيصه ‘حزب الله’ السعودي بصفة الإرهاب، دون نسخ ‘حزب الله’ الأخرى (في لبنان وسوريا خصوصاً)، وهي أحزاب تعمل في خدمة السياسة الخارجية الإيرانية، مفارقة أخرى، توجه الرياض رسالة إقليمية إلى إيران، ستفهم بالتأكيد كشكل من أشكال الحلف الموضوعي معها في سوريا والعراق (رغم الوقوف ضدها في البحرين واليمن)، مما سيعطي مصداقية لخطاب الحكومة العراقية الموالية لإيران في قمع انتفاضة الأنبار، ولخطاب النظام السوري في حربه المعلنة على حركات الإسلام السياسي التي بدأها قبل حوالى أربعين عاماً ودشّنها بالحكم على أي منتسب للإخوان (وبأثر رجعيّ) بالإعدام، وهي الحجة نفسها التي يستخدمها ‘حزب الله’ اللبناني أيضاً لتبرير وقوفه مع النظام السوري.
المفارقة الثالثة التي يثيرها القرار هي انتظامه ضمن مظلة جبهة دولية واسعة تضم دولاً وازنة كروسيا والصين ومصر و… إسرائيل، تردفها حركات سياسية عالمية من اليسار التقليدي العربي (شيوعيون وقوميون وليبراليون أيضاً) والغربي، وتعطيها شعبية حركات اليمين القومي المتطرّف والفاشية الجديدة في اوروبا والتي تناهض الإسلام بمجموعه وليس حركات الإسلام السياسي فحسب.
تقدم هذه الجبهة الواسعة إطاراً سياسياً وإعلاميّاً كبيراً ضد حركات الاسلام السياسي، وتجمع، عسكرياً وأمنياً، على مستوى المنطقة العربية، بين نظم الاستبداد المحض التي ترفض أي نأمة صوت تعارضها، إسلاميّة كانت أم غير إسلامية، والإجرام الطائفيّ المغطّى برايات معاداة اسرائيل وأمريكا (إلى أن تتصالحا مع ايران)، من جهة، ورايات الدفاع عن السيدة زينب وآل البيت، وقتال ‘التكفيريين’ من جهة أخرى.
تبدو براغماتية الرياض السياسية هذه مربكة لجمهور السعودية الخاص والعامّ، فبافتتاحها هذه المعركة المفتوحة مع ‘الإخوان’ (وهي منظمة تمثل الإسلام السياسيّ ‘السنّي’ المعتدل المدنيّ وغير المسلّح) سينظر لقرارها كتحالف ‘موضوعي’ مع حزب الله اللبناني المسلّح، الذي يعتبر، بالمقابل، السعودية قطب الفكر الوهابي ‘التكفيريّ’ وعدوة كيان ووجود لـ’الجمهورية الإسلامية الإيرانية’.
يفتح هذا الحلف الموضوعي خارطة جديدة للمنطقة يتوازى فيه مشروع إيران للسيطرة على المشرق العربيّ مع مشروع سعودي يتفق معه في محاولة إطالة أمد الأنظمة المستبدّة في المنطقة (مع تبادل مواقع في سوريا والبحرين).
كما يستند هذا التحالف على مشروعين إقليميين ودوليين متنافسين ولكن غير متناقضين بالضرورة مما يسمح لأطراف متحاربة نظريّاً، بتبادل الخدمات ضمن اصطفافات السياسة غير المتوقعة.
المشروع الأول هو مفاوضات تطبيع ايران مع المجتمع الدولي تحت إشراف أمريكا واوروبا وروسيا، والمشروع الثاني هو مواجهة الثورات العربية والذي تدعمه روسيا، كقوّة دوليّة، وإسرائيل كقوّة إقليمية، ويتلاقى عملياً في دعم الحكم العسكري في مصر والبطش بالإخوان المسلمين، وبالحراك المدنيّ في المنطقة العربيّة.
بوضعها الإخوان المسلمين، وهم تنظيم سياسي غير مسلّح، في قائمة واحدة مع تنظيمات السلفية المسلّحة المتطرّفة كـ’النصرة’ و’داعش’، تتماهى السعودية، موضوعياً، مع ‘حزب الله’ في لبنان وسوريا، وكذلك مع حكومة نوري المالكي في العراق، وبتعزيزها للمؤسسة العسكرية المصرية في حربها ضد الإخوان، ودعم تسليحها من روسيا، تعزّز الرياض فعلياً، رغبت بذلك أم لم ترغب، وضع النظام السوري سياسياً وعسكرياً، وبالتالي، مواقف النظام الإيراني، وتضعضع مركزها الرمزي الكبير كحامية للإسلام السنّي مورّطة نفسها في مواجهة مفتوحة مع الأسس الأيديولوجية التي قامت عليها المملكة.
من دون استنادها الى سند أيديولوجي حقيقي من داخل المجتمع السعودي (يصعب الإدعاء أن هناك قوى اجتماعية وسياسية فاعلة ‘علمانية’ في المملكة يستطيع النظام هناك الاعتماد عليها) تدخل السعودية نفسها في ورطة وجوديّة صعبة بحيث لا تعود الشعوب الإسلاميّة ترى من رايتها الخضراء سوى السيف البتّار!