التنمية العربية وارقامها المزيفة
الارقام القادمة من البلدان العربية والتي تعشعش الشفافية في ارقامها تعكس دائما ارقاما ايجابية في ظاهرها، ومع تلك الارقام وعود دائمة بمستقبل اخضر وزاهر ومشرق يذكرني دائما بالاغنية الخالدة والتي كانت تنطلق من الاذاعة :
خضرا يابلادي خضرا ، في الوقت الذي امتدت فيه اجنحة التصحر فاكلت قسما لاباس فيه من بلادنا الخضراء ، وامتدت يد الانسان وفي غياب التنظيم لتقتطع مابقي من المساحات المحيطة بالمدن والتي توصف على انها رئآت التنفس لتلك المدن ، واجتثتها المباني الاسمنتية العشوائية والتي اضافت الى تشويه الانظمة العربية المنظم اضافت تشويها عشوائيا حوى كل سلبيات امبراطوريات الرعاع والجهلة ، واجتثت كل مابقي من صور جملية في اوطاننا كما اجتثت قوى الاحتلال في العراق كل الشرفاء وتحت عنوان اجتثاث البعث والذي ضم كل البالغين من ابناء العراق نساء ورجالا.
ارقام التنمية المعلنة في البلدان العربية ذكرتني بقصة حقيقية وقعت لجدي رحمه الله وكان رجلا ثريا ومن اصحاب الاملاك وعلوم البيض، فقد جاء اليه رجل فطن من اصحاب التجارة وساله عن سبب خسارته في تجارة البيض علما انه كان يشتري البيضة بفلس ويبيعها بفلس ونصف ، وتابع الرجل انه يجهل سبب الخسارة مع ان الربح واضح !!!!!!وهي عملية حسابية لاتحتاج الى الكثير من العناء ليعرفها الطفل ان الخسارة واضحة وتقدر بنصف فلس للبيضة ماعدا مصاريف التكسير والتنقل وفساد البيض .
الارقام التي تعطى عن الارتفاع في مستويات التنمية والتي تتجاوز احيانا الارقام الفعلية التي تعلن عنها الصين وبتواضع وخجل تكاد ان تكون مثيرة للضحك وللشفقة في نفس الوقت ، ففي الوقت الذي يعلن فيه عن ارقام عالية في التنمية ، فانه يعلن وفي نفس الوقت عن زيادة في عدد السكان تتجاوز ارقام التنمية ، ولااريد الخوض في ارقام التنمية في التضخم والذي يتصاعد في البلدان العربية ارتفاع الصاروخ ، ويكفي ان نذكر الحكومات العربية وصاحبة ارقام التنمية ان هناك فئات من الشعب لم تعد تستطيع الحصول على رغيف الخبز اليابس فضلا عن اللحوم والتي اصبحت سلعة يمر عليها ابناء التنمية ليسلموا عليها او ليشرحوا لاولادهم ان تلك القطع المعلقة من عرقوبها لدى القصابين تسمى في اللغة العربية لحوما، وانها تستعمل في برامج الطبخ في القنوات الفضائية العربية ولا يشتريها الا اصحاب كروش التنمية ممن احتلوا مناصب الدولة الوطنية وامتدت ايديهم الى كل مفاصل التنمية الوطنية والقومية ، واستنزفوا موارد الدولة والشعب درجة ان الكثير من هؤلاء تخلوا وزهدوا برواتب الدولة والتي لم تعد تمثل لهم شيئا بعد ان صار منصب العمل في اجهزة الدولة لايختلف في شيء عن وضع الجيش الانكشاري العثماني في اواخر عهده وقمة فساده يباع ويشرى في ظل انظمة تدعي القومية او الوطنية او الشرعية . ان ارقام التنمية عمليا لم تنعكس ابدا على اصلاح الطرق او الزراعة او الصناعة او التعليم او المعاقين او الاطفال والدارسين او الامهات او اصلاح الدخل الاسري او الضمان الاجتماعي والذي حول الاسر الفقيرة في الدول الاوروبية الى اسر تاتيها موارد الدولة حتى داخل بيوتها ، في الوقت الذي مازال فيه الحاكم العربي والذي امتلك كيس مال الدولة بيمينه، يمن بالقليل من القروش على بعض المقربين من حاشيته ، مودعا الباقي في البنوك الاوربية او مستثمرا لها باسمه في تلك الدول، وتصوره وسائل الاعلام المنافقة على انه يفوق عمر بن عبد العزيز عدلا، وان ارقام التنمية العربية لم تجد لها مكانا ابدا في ايصال امتنا التي ابتلاها الله بمجموعات من اصحاب العاهات العقلية المتخلفة وذات الفكر النرجسي والتي تظن نفسها انها هي الله ذاته متجسدا في كروشها ونزواتها ، ارقام التنمية اوصلت دولة ناشئة كدولة اسرائيل الصهيونية الى اقتصاد يبلغ بمجموعه كل اقتصاديات الدول العربية مجتمعة فيما لو حذفنا من اقتصاد تلك الدول البترول والغاز، وهو اقتصاد اعتمد على استراتيجية تنمية حقيقية وصناعية تتجاوز حدود القارات ، في الوقت الذي مازال فيه الاقتصاد العربي لم يتجاوز عتبة ابواب الحارات المتصارعة .
ان للتنمية العربية وارقامها مظاهر حقيقية واضحة تتمثل في ذلك الطوفان البشري الذي يحاول الهجرة من بلاد التنمية ، والتي شملت كل الدول العربية بعد ان تكاتف حكام الدول العربية جميعا من اجل الاستفادة من ارقام التنمية لصالح جيوبهم وكروشهم ، ولم يعد الحاكم العربي مهتما ابدا لما يقال عنه في البلدان صاحبة الكرامة والتي يسعى للجوء اليها ابناء الدول العربية طلبا للعيش الكريم ،ولم يعد يحس بالمرارة او الانكسار وهو يشاهد ابناء امته وابناء شعبه يتسابقون للهروب من نظامه والبحث عن عمل خارج حدود اوطانهم التي عشقوها ابا عن جد، وتتمثل ارقام التنمية في مستوى التعليم الهابط، والصحي المخزي، والاجتماعي النازل ،والصناعي المتعثر، والزراعي المتهالك، والعسكري المهزوم، والاستسلام المهين لكل اعداء امتنا ، ان ارقام التنمية العربية هي ارقام واصفار لاعلاقة لها ابدا بالصفر العربي ، وعلاقتها مرتبطة دائما باصفار الجمود السيبيري والذي جمد حالة امتنا وارجعها وباستمرار القهقرى والى الوراء وذلك بسبب قادة لاعلاقة لهم بالقراءة او الكتابة او الكرامة ، باعتبارها تراثا قديما يجب اجتثاثه.