المجلس الوطني يتعثر قبل انطلاقته وآمال بتجاوز مواقف الرافضين
مثل إعلان المجلس الوطني في اليمن، بعد مخاض عسير وحوارات استمرت لأشهر، فرصة لتوحيد مواقف المعارضة تجاه التطورات التي يشهدها اليمن منذ أشهر عدة حتى لا تتشتت مواقف الأحزاب المناوئة للنظام وتدخل البلاد في أتون مخاطر التمزق، إلا أنه بمجرد الإعلان عن المجلس الأربعاء الماضي بدأت التصدعات تضرب أركان المجلس، سواء كانت عن طريق أفراد أو عن طريق كتل سياسية، كما حدث يوم أمس بتقديم 23 شخصية جنوبية من العيار الثقيل، مثل الرئيسين علي ناصر محمد وحيدر أبوبكر العطاس، اعتذاراً عن قبول العضوية في المجلس، ما لم يقر المكون الجديد بمناصفة “شمالية جنوبية”، ما يعني دخول المجلس في إطار صراع “شمالي جنوبي”، وهي خطوة تمزق الجبهة الداخلية أكثر وأكثر وتدخل البلاد في أزمات سياسية عميقة بعد التغيير إذا ما تم إنجازه .
وبعيداً عن حسابات الربح والخسارة من وراء سلسلة الانسحابات التي شهدتها الساعات القليلة الماضية من المجلس الوطني، فإن الأطراف السياسية في ساحة المعارضة تعثرت في مهمتها قبل أن تبدأ، وأظهرت أن الأزمة الداخلية في اليمن لا تزال تلقي بظلالها ليس فقط على العلاقة بين السلطة والمعارضة، بل وعلى المعارضة نفسها، ما يعني أن النظام يستفيد من الخلافات في أوساط المعارضة طالما أنها لم تقدم نموذجاً يجعلها قادرة على استيعاب المتغيرات في الساحة في إطار احتواء كل أطياف وتلاوين الحياة السياسية في البلاد .
من الواضح أن المعارضة وقعت في الأخطاء التي وقع فيها المؤسسون للمجلس الانتقالي قبل شهر، حيث انسحب الكثير من أعضاء المجلس المعلنين، بينهم شخصيات أعيد الإعلان عن عضويتها في المجلس الوطني قبل أيام، ومعظمها من القيادات الجنوبية، من أبرزهم الرئيسان علي ناصر محمد وحيدر أبوبكر العطاس، إضافة إلى انسحاب ممثلي الحراك الجنوبي وجماعة الحوثيين ومشايخ وغيرها من القوى السياسية والاجتماعية .
كان الأجدى بالمجلس الوطني أن يؤسس لقاعدة ديمقراطية حقيقية من خلال التشاور مع كل الأطراف قبل الإعلان عن أسمائها، عوضاً عن إعلان أسماء تعلن بعد ذلك انسحابها وتؤثر في نشاط المجلس ودوره في المستقبل وتضع المعارضة في موقف القوة المشتتة .
من المهم أن تكون المعارضة قادرة على إدارة الاختلافات داخل مكوناتها بطريقة تسمح بتعدد الآراء ووحدة المواقف، حتى تكون قوة حقيقية قادرة على فعل التغيير، أما وقد نقلت أزمات أطرافها إلى داخلها، فإنها تكون قد وضعت نفسها في قالب جامد من العمل السياسي ويجعلها تتحول إلى عامل معرقل لثورة الشباب الذين يأملون بأن تكون المعارضة قوة تساند لا قوة تمزيق .
ويرى مراقبون في الساحة اليمنية أن أمام المجلس الوطني فرصة لإعادة ترتيب أوراقه في الأيام القليلة المقبلة من خلال إعادة التواصل مع المنسحبين أو الرافضين الذين حددوا مواقفهم بشكل معلن وغير معلن من عضويتهم في المجلس، ودراسة أية خطوة من شأنها توحيد الجبهة الداخلية وعدم اللعب على عامل التمثيل المناطقي حتى لا تنتقل الأزمة إلى داخل المعارضة نفسها وتؤثر في الحياة السياسية بأكملها، مع عدم إغفال معالجة القضية الجنوبية كواحدة من عوامل الاستقرار لليمن في المرحلة المقبلة، إذ إن القضية الجنوبية شكلت على مدار السنوات الماضية العقدة في الأزمة اليمنية، بخاصة بعد الحرب الأهلية عام ،1994 وهي الحرب التي أجهضت مشروع التكامل الوطني بين الشمال والجنوب .
على المجلس الوطني أن يعمل على تلافي تداعيات الانسحابات، كما عليه ألا يتجاوز الشباب في ساحات التغيير الذين كان لهم الفضل في إشعال الثورة قبل ستة أشهر، فإهمال هذه القوى الحية، يحول المجلس الوطني إلى تجمع للأحزاب السياسية التي لها خصومات قديمة مع النظام، ويمكن أن تساوم على ثورة الشباب في أية صفقة مع النظام تحت الضغوط الإقليمية والدولية، كما يجب على المجلس أن يبعث تطمينات للشباب ولكل القوى السياسية في الداخل والخارج من أن ثنائية “العسكر والقبيلة” لن تعود لتحكم اليمن من جديد .