اخبار الساعة - د.طارق الحروي
- فهي- أيضا- أكثر وأهم الخيارات المتاحة أمام المجتمع الدولي وكلا من اليمن والسعودية منها- بوجه خاص- لتقديم أفضل الحلول العملية لحالات استمرار تنامي ظاهرة التطرف التي أصبحت عليه قطاعات شبه واسعة من فئات الشعب وظاهرة تفشي التنظيمات الإرهابية والجماعات الخارجة عن النظام والقانون منها- بوجه خاص- والتي أصبح من الصعب احتوائها ومواجهتها في اتجاه التقليل من آثارها وتداعياتها ومن ثم تقليصها وإيقافها، إلا من خلال إستراتيجية وطنية تقوم على فرض النظام والقانون وولوج مرحلة التنمية الشاملة والمستدامة من أوسع أبوابها تحظى بشتى أشكال الدعم الداخلي والخارجي، على خلفية ما أصبحت عليه دوائر صنع القرار الخليجي- السعودي ومن ورائه المجتمع الدولي من شبه رسوخ في القناعات بهذا الشأن.
- سيما أن هذا الأمر يأتي في ضوء استمرار شبه متنامي لحالات التعقيد والغموض الحادة التي مازالت تكتنف الكثيرين من المتابعين أو المهتمين وأحيانا المختصين في تقييم حقيقة الموقف السعودي لكن من ناحية يندر التطرق إليها في كثير من الأحيان هل هو موقف مرحلي- تكتيكي لا يختلف كثيرا عما درجت عليه السياسية السعودية من توجهات وممارسات أم هو رهان إستراتيجي مصيري لم تشهده العلاقات الثنائية على مدار التاريخ المعاصر- لا بل والحديث ؟
- بمعنى أدق أخر ما طبيعة حقيقة المصلحة الحيوية لا بل والمصيرية المرجوة للسعودية ومن ثم للمجتمع الدولي التي تكمن في الحرص ليس على أهمية تجنيب اليمن الدخول في سيناريو الانفلات الأمني ومن ثم الاحتراب فحسب، بل وأيضا على ضرورة الانتقال الأمن لليمن إلى مرحلة دولة النظام والقانون والتنمية الشاملة والمستدامة ؟
- سيما أن هذا السؤال هو الذي سوف يقودنا إلى إيجاد التفسير شبه مقنع للسؤال المحوري في موضوع مقالنا هذا، بالاستناد على ما نستشفه من مؤشرات ودلالات جاءت بها بنود المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المزمنة، مع الأخذ بنظر الاعتبار طبيعة ومستوى ومن ثم حجم وحيوية هذا الموقف في صيغته النهائية أكثر منه الحالية.
- والذي مفاده هل الموقف السعودي مع حركة التغيير الجذرية أو شبه الجذرية في الفكر والممارسة التي يسير علي هداها التيار الوطني المعتدل في السلطة اليمنية منذ أكثر من عشرات سنوات، والتي يتوقع أن تبلغ حد الذروة في المرحلة القادمة ضمن إطار استراتيجية وطنية وشاملة معدة لمثل هذا الغرض سلفا، اتضحت أهم معالمها الرئيسة في بنود المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المزمنة أم لا ؟ كيف ولماذا ؟
- ومن واقع الإجابة عليه نستطيع إعطاء تفسير منطقي لسؤال أخر كثرت حالة اللغط بشأنه مفاده هل كان- ومازال- الموقف السعودي الرسمي مع ثورة الاحتجاجات وأعمال العنف والفوضى والمظاهر المسلحة التي هيمنت على المشهد السياسي منذ مطلع العام الماضي حتي الوقت الحالي أو ما أصطلح على تسميته بـ(ثورة الربيع العربي) أم لا ؟ وكيف نفسر إذا استمرار تنامي حالات الانغماس غير المباشرة للتيار المتطرف في السلطة السعودية في أتون الأزمة اليمنية في بعض أهم مراحلها الأولى، من خلال حلفائه المحليين في التيار القبلي والديني؟ وهو الأمر الذي يفرض علينا الإشارة ونحن نحاول تدقيق هذه الرؤية لإعطاء تفسير مفيد لهذه التساؤلات أننا سوف نكتفي بتناول الخطوط العامة الحاكمة لمسارات بعض أهم الأحداث الرئيسة في المشهد السياسي اليمني منذ العقد الأول من هذا القرن التي تعطينا إشارات واضحة بهذا الشأن.
- من الجدير بالذكر الإشارة إلى أن اليمن والسعودية تقف منذ مطلع العقد الماضي على مشارف بوابة أهم مرحلة في تاريخ العلاقات الثنائية، التي اتضحت معالمها الرئيسة تباعا في ضوء استمرار تنامي حالات التقارب والتجاذب الثنائية النسبية التي ظهرت بعض أهم ملامحها الرئيسة في الملف الأمني أكثر منها الملفات الأخرى، سيما ذلك المتعلق بمسألة انضمام اليمن للتكتل الخليجي منذ مطلع العام 2001م ومن ثم العسكري في العام 2009م، على خلفية انخراط البلدين في المواجهة المحتدمة التي فرضتها المعطيات الظرفية للبيئة المحلية والإقليمية والدولية؛ سواء أكان ذلك على صعيد التنظيمات الإرهابية وتنظيمات القاعدة منها- بوجه خاص- من خلال تبادل المعلومات والتعاون والتنسيق في كثير من المواجهات المخطط لها والدعم المادي والمعنوي السعودي اللازم بـ(الأموال، والمعدات، الدورات التأهيلية،..)، أو على صعيد الجماعات الطائفية، على خلفية الدور شبه المحوري الذي لعبته السعودية في المساهمة في عملية الحسم السريعة لإرهاصات الحرب اليمنية السادسة مع حركة التمرد المسلح الحوثية عام 2009م.
- ثم ليبلغ هذا الأمر حد الذروة منذ نهاية النصف الأول من العام الماضي في ضوء الدور المحوري الذي لعبته في أتون إرهاصات الملف السياسي الشائك، الذي حال دون انفراط عقد البلاد إلى أشلاء صغيرة متناثرة، والذي ابتدأ بإعلان ومن ثم توقيع المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المزمنة، وانتهي بالمساهمة في ضمان توفر الحشد الدولي لها، وتوج أخيرا بالتعهد الكامل أمام العالم على تقديم كافة التسهيلات المادية والمعنوية اللازمة لإنفاذها على أرض الواقع.
- وهو الأمر الذي يؤشر للبعيد والقريب على حد السواء إلى وجود احتمالات متنامية حول إمكانية دخول العلاقات بين البلدين أتون المرحلة الذهبية المنشودة، التي سوف تقوم على أسس من الشراكة الحقيقية لا بل والمصيرية والتي برزت بعض أهم معالمها الرئيسة في العام الماضي، على خلفية طبيعة ومستوى ومن ثم حجم التحديات المصيرية التي تواجه البلدين، ومن ثم البيئة الإقليمية لدول الخليج العربية برمتها.
- ومما لاشك فيه بهذا الشأن أن المتتبع لمسارات الموقف السعودي من اليمن في أعقاب توقيع اتفاقية جدة عام 2000م يجد أن العلاقات الثنائية قد دخلت منحنى جديد يؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين، اتضحت أهم معالمها الرئيسة- تباعا- من خلال طبيعة ومستوى ومن ثم حجم الدور الذي لعبته السعودية في قبول عضوية اليمن في بعض أجهزة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، على اعتبار ان المرحلة برمتها كانت مازالت في طور استعادة الثقة بين الطرفين بعد انقطاع شبه كلي دام قرابة عقد كامل من الزمن- أولا.
- ثم طبيعة ومستوى ومن ثم حجم القفزات شبه النوعية التدرجية التي طالت الملف الأمني بين الطرفين على مدار السنوات اللاحقة- ثانيا- وصولا إلى الملف السياسي الذي بالرغم مما شهده من تطور إلا أنه ظل دون المستوى المطلوب، مع ضرورة الأخذ بنظر الاعتبار أن الموقف السعودي بهذا الشأن قد أثرت فيه العديد من المحددات الداخلية والخارجية، سيما تلك التي كان لها علاقة وثيقة الصلة بوجود قوى نافذة داخل الأسرة الحاكمة تهيمن بشكل شبه تام على مصادر القرار (القوة والثروة)، التي يعزى إليها- الكاتب- لعب الدور المحوري والمهم في وضع كافة العراقيل والعقبات أمام إمكانية إحداث أية خطوة نوعية في الملف اليمني.
- وخاصة في ضوء عدم حدوث أية تغيير جذري يعتد به في مدركات دوائر صنع القرار السعودي إزاء اليمن على الرغم مما فرضته البيئة الداخلية والخارجية من معطيات ظرفية لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها بهذا الشأن، ترقى إلى مستوى المصالح الوطنية العليا للأمة السعودية ومن ثم اليمنية، بحيث ظل الملف اليمني يشكل خطا أحمر لا يمكن الاقتراب منه كثيرا- هذا إن لم نقل المساس به- من قبل عناصر التيار الوطني الوسطي المعتدل في السلطة السعودية التي يقف على رأسها جلالة الملك عبدالله بن عبد العزيز.
- بصورة أفضت إلى غلبة كفة التيار المتطرف في السلطة السعودية المعادي للوحدة اليمنية ومن ثم لقيام الدولة المدنية الحديثة المنشودة من الأساس، بحيث ظلت السعودية تدير شبكة علاقاتها الرسمية وغير الرسمية المباشرة وغير المباشرة بعيدة كثيرا عن مسار المتغيرات الجديدة التي طرأت على المعادلة الإقليمية- وفقا- لتلك العقلية التقليدية التي هيمنت على المشهد السياسي منذ مطلع عقد السبعينيات من القرن الماضي؛ من خلال ما أصبحت تمتلكه من موارد وإمكانات بشرية (رأسمال بشري سعودي)؛ ممثلة بالقوى التقليدية المحافظة والمتطرفة (حزب التجمع اليمني للإصلاح) منها- بوجه خاص- في حين ظل التيار الوسطي المعتدل يشق طريقه بصعوبة كبيرة جدا من خلال وضع لمساته الرئيسة في مسار حركة التغيير الجذرية الصامتة التي تشهدها اليمن دولة وشعبا وبصورة غير مباشرة.
- على خلفية طبيعة ومستوى ومن ثم حجم التغيرات الجذرية التي شابت المشهد اليمني منذ نهاية عقد التسعينيات، وطالت بعض مكونات الجهاز الإداري والعسكري منه- بوجه خاص- في ضوء استمرار تنامي حالات النهوض التي شهدتها قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة في الفكر والممارسة مؤسسة وأفرادا في فترة زمنية نوعية على سبيل المثال التي مثلت التحدي الأبرز لإرادة عناصر التيار الوطني المعتدل في السلطة اليمنية، والمؤسسات الأمنية والمدنية الأخرى، بصورة تؤشر أمامنا الكثير من الدلالات والمعاني بهذا الشأن، سيما في حال تمعنا كثيرا في طبيعة نطاق حدود الدور الذي تلعبه السعودية في المشهد اليمني بشكل مباشر وغير مباشر عبر حلفائها المحليين الذين تمثلهم القوى التقليدية المحافظة والمتطرفة والذين يحكمون قبضتهم على مقاليد الأمور في البلاد منذ 1978م.
- ومن هذا المنطلق يسعنا تلمس حقيقة الموقف السعودي من طموحات اليمن المشروعة في دولة مدنية حديثة، في ضوء ما أصبح يمثله هذا الأمر من ضرورة قصوى للاستقرار والأمن الخليجي- السعودي، سيما في ضوء ما توصلت إليه دوائر صنع القرار السعودي والأمريكي- الغربي من قناعات راسخة مهمة حول أهم الطرق الأكثر كفاءة لمعالجة معضلة الاستشراء المخيف لظاهرة التطرف والجماعات الإرهابية الأكثر خطرا على مصالحها والجماعات الخارجة عن النظام والقانون في الأراضي اليمنية منها- بوجه خاص- تتمحور في الحيلولة دون انفراط عقد البلاد والسعي الجاد وراء تأمين ولوج اليمن بقوة إلى أتون مرحلة النظام والقانون والتنمية الشاملة والمستدامة المنشودة.
- ومن هنا تتضح جليا طبيعة ومستوى ومن ثم حجم الدور الذي لعبته السعودية في إرهاصات المشهد اليمني منذ نهاية الشهر الثالث من العام 2011م، التي أعلن فيها الشعب اليمني موقفه المبدئي الواضح وضوح الشمس في كبد السماء مع الشرعية الدستورية وطموحاته وخياراته المشروعة؛ من خلال الدور المحوري للتيار الوسطي المعتدل بقيادة الملك عبدالله بن عبد العزيز الذي استطاع اغتنام هذه الفرصة التاريخية لا بل والذهبية، بما يتفق والمصلحة الحيوية الوطنية العليا للشعب السعودي، كي يفرض أجندته بقوة على خط سير الأحداث الرئيسة في السعودية واليمن منذ تلك اللحظة، والتي وفرتها لحظة استعادة التيار الوطني المعتدل بقيادة الرئيس الصالح توازنه الكلي المفقود منذ انتهاء حرب صيف عام 1994م، في أعقاب ميل الكفة على أرض الواقع والشعب منه خاصة لصالحه بصورة شبه كليه، سيما في ضوء النجاحات الساحقة الذي حققه بالتعاون والتنسيق مع نظيره اليمني ليس في إيقاف سيناريو إسقاط النظام السياسي وانفراط عقد البلاد فحسب، بل- وأيضا- توفير الضمانة الأكيدة واللازمة لإمكانية ولوج اليمن مرحلة الدولة المدنية الحديثة.
- في ضوء استمرار تنامي حالات التغيير الجذرية في مدركات دوائر صنع القرار السعودي ومن ثم سياساتها المتبعة إزاء اليمن التي تؤسس لقيام شراكة حقيقة بل ومصيرية ضمن منظومة متكاملة من الرؤى والتوجهات المستقبلية سوف تبرز ملامحها الرئيسة واضحة وجلية قريبا، سيما أن سوف تشكل إمتداد للسياسات الإجرائية في المرحلة الحالية التي برزت في بعض أهم معالمها الرئيسة، ابتداء من التخلي عن سياساتها التقليدية ومن ثم حلفائها المحليين والسعي وراء إقامة علاقات رسمية مسئولة وشفافة مع كيان الدولة اليمنية الحديثة، ومرورا بالتكفل بتوفير كافة مستلزمات إنجاح حفل التوقيع على المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المزمنة والحضور النوعي لأركان السلطة السعودية في بادرة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات بين البلدين، وانتهاء بالتعهد أمام العالم بتحمل كافة تبعات المسئولية التاريخية في إنفاذ المبادرة على أرض الواقع، والحفاظ على أمن واستقرار ومن ثم وحدة التراب اليمني.
- وختاما ضمن هذا السياق سوف يظل الموقف السعودي هو أحد أهم العوامل الأساسية الأكثر حضورا في واقع المعادلة اليمنية الحالية والقادمة ليس هذا فحسب، بل وفي نفس الوقت يتوقع أن يكون له أن يلعب دور المحفز في عملية انتقال الآمنة لليمن دولة وشعبا إلى مصاف الدولة المدنية الحديثة، بمراعاة عامل الزمن والسرعة والتكلفة.
والله ولي التوفيق
([1]) باحث في العلاقات الدولية والشئون الاستراتيجية وكاتب ومحلل سياسي.
المصدر : الكاتب